أوضاع العراق ولبنان تقلق إيران: مخاوف من تقزيم النفوذ

31 أكتوبر 2019
يعد جنوب العراق خزاناً استراتيجياً لإيران (فرانس برس)
+ الخط -

تأخرت إيران رسمياً بعض الوقت في إبداء الرأي بشأن ما يجري من تطورات جسام في العراق ولبنان، البلدين اللذين تحظى فيهما بنفوذ واسع. لكن هذا التأخير لم يخف حقيقة أن طهران من الأطراف الخارجية الأكثر اهتماماً بهذه التطورات، ومتابعة لها، لأنها أساساً في صلبها وحاضرة في تفاعلاتها، كما في تداعياتها المحتملة، خصوصاً في جارها الغربي العراق.

إلا أن هذا الاهتمام الذي تبديه إيران مشفوع بقلق ومخاوف واضحة، تُستشف من التصريحات التي صدرت خلال الأيام الأخيرة عن القادة الإيرانيين، وبالذات ما صدر أمس، الأربعاء، عن القيادة والرئاسة في البلاد، فضلاً عن أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي قد أكد صراحة، السبت الماضي، تعقيباً على الأحداث الدامية التي شهدتها بلاد الرافدين يوم الجمعة الماضي، أن بلاده تتابع "بدقة وحساسية بالغة" الأوضاع في العراق، قبل أن يعلّق على استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، الثلاثاء الماضي، معتبراً أن لبنان يمر بـ"مرحلة خطيرة وحساسة".

وتؤكد إيران في مواقفها تجاه التطورات في العراق ولبنان على "ضرورة تلبية مطالب المتظاهرين"، معتبرة أنها "مطالب محقة"، وهذا ما أشار إليه رأس هرم السلطة في إيران المرشد علي خامنئي، أمس الأربعاء، إلا أن هذا التأكيد مصحوب بحديث إيراني عن أن البلدين يتعرضان إلى "فتنة أميركية سعودية إسرائيلية"، وهو ما يعني أن ما يجري راهناً في الدولتين يتجاوز ما يُطرح من العناوين الداخلية، ترتبط بالوضع السياسي والاقتصادي وما شابه ذلك إلى بدء مرحلة جديدة، لكنها الأخطر خلال السنوات الأخيرة، في معركة النفوذ والنفوذ المضاد بين إيران والقوى الدولية والإقليمية المناهضة لها، سلاحها هذه المرة "الشارع المنتفض". ومن هنا، وجهت الرئاسة الإيرانية، أمس الأربعاء، على لسان رئيس مكتبها محمود واعظي، اتهاماً مباشراً ورسمياً لكل من "أميركا والسعودية وإسرائيل ودول أخرى"، لم تسمها، بركوب موجة الاحتجاجات في العراق ولبنان، والسعي لتوجيه مسارها "عبر ضخ المال والسيطرة على الإعلام". وكشف واعظي عن سبب المخاوف "البالغة" التي بدت في التصريحات الإيرانية، عندما أشار إلى أن تلك الأطراف "تبذل مساعي كثيرة لإيجاد الشرخ بين إيران والعراق من خلال تسويق شعارات" في التظاهرات.



وتنطلق هذه المخاوف من القناعة بأن طهران تتعرض هذه الأيام لمعركة نفوذ مضاد في هذه الساحات، وأن نفوذها هو المستهدف فيها، حيث إن التطورات تجري عكس تيار هذا النفوذ الذي نسجته إيران خلال العقود الماضية، خصوصاً السنوات الماضية، الأمر الذي قد يضعها في خانة الخاسرين المحتملين. لذلك إلى جانب الدعوة لتلبية مطالب المتظاهرين، تعلن دعمها أيضاً لبقاء الحكومات التي ثار عليها الشارع في العراق ولبنان، وإن كان الأمر متعلق بحكومة سعد الحريري المقرب من السعودية، لأن البديل على ضوء وجهة الأحداث والتطورات، هو المجهول، الذي لا يصب لصالحها وحلفائها.

لكن أكثر ما يقلق إيران هو تطورات العراق، وليس لبنان، أولاً لأن حليفها "حزب الله" طرف قوي وموحد في المعادلة اللبنانية، سواء داخل الحكومة أو خارجها، وثانياً لأن الحزب في نهاية المطاف هو جزء من معادلة الحكم في هذا البلد وليس كلها، وبالتالي لا تخشى طهران عليه كثيراً. لكن الوضع في العراق مختلف لاعتبارات متعددة، أولاً لأن النفوذ الإيراني في الدولة يتوقف على النظام السياسي القائم وتركيبته، التي يشكل الشيعة أساسها، وأي خلخلة في هذا النظام تضعف هذا النفوذ. وعليه، فإن "التدخلات الأجنبية تستهدف إضعاف الحكومة المستقرة وتصوير المرجعية الدينية والأحزاب القانونية على أنها فاسدة لدى الشعب" العراقي، بحسب ما جاء على لسان رئيس مكتب الرئيس حسن روحاني، أمس الأربعاء. وثانياً لأن الاحتجاجات التي يشهدها العراق هذه المرة، تتركز في المحافظات الجنوبية، تلك البيئة التي تعد خزاناً استراتيجياً للنفوذ الإيراني. لكن التظاهرات الأخيرة فيها أشارت إلى أن هذا النفوذ بات يواجه تحديات كبيرة، حيث تخللتها شعارات معادية لإيران في بعض الأحيان، بالإضافة إلى أن قنصليتها وسط مدينة كربلاء شهدت تجمعاً احتجاجياً، الجمعة الماضي، فيما اعتلى المحتجون جدرانها لتعليق العلم العراقي، وقيل إنهم أنزلوا علم إيران. لكن القنصل الإيراني مير مسعود حسينيان نفى إنزال العلم، متهماً من وصفهم بالمندسين من "البعثيين والعناصر المرتبطة بالدول الأجنبية" باختراق التظاهرات العراقية التي قال إنها "تحمل في أساسها مطالب شعبية".

وثالثاً لأن الجهات المحسوبة على إيران، وفي مقدمتها "الحشد الشعبي"، هي في دائرة الاستهداف في الاحتجاجات، وهذا ما برز جلياً في مقتل قيادات بارزة في بعض الفصائل المنضوية تحت لوائه، مثل مقتل مدير مكتب جماعة "عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي، وشقيقه في محافظة ميسان، جنوبي العراق، الجمعة الماضي. ورابعاً لأن العراق يمثل ساحة استراتيجية بالنسبة لإيران في مواجهة استراتيجية "الضغوط القصوى" الأميركية، وتداعياتها الاقتصادية، للالتفاف على العقوبات الأميركية، وبالتالي فإن محاولات تقزيم النفوذ الإيراني فيه، في حال نجحت، من شأنها أن تضعف مقومات صمود طهران في مواجهة ضغوط واشنطن. وأخيراً، على ضوء هذه المعطيات، فإن الوصفة التي تقترحها إيران، لمواجهة الأخطار في العراق ولبنان، هي أن "تعطى الأولوية لإعادة الأمن"، والحفاظ على النظام السياسي، وعدم السماح بخروج الأوضاع عن السيطرة، ودعوة المتظاهرين إلى متابعة مطالبهم عبر "الهياكل والأطر القانونية"، باعتبار أنه "لا يمكن تحقيقها إلا من خلال هذه الهياكل"، لأنه بحسب خامنئي، "إذا انهارت هذه الهياكل سيحدث فراغ ولا يمكن القيام بأي إجراء إيجابي".