وبانتظار أن تسقط الحكومة الحالية وتشكّل أخرى انتقالية تكنوقراطية، سيبقى الوضع على حاله من قبل المحتجين، لناحية الاستمرار في شلّ البلاد، لا بل إنهم سيصعدون بطرق أخرى، بحسب ما يؤكّد فاعلون في الانتفاضة في حديث مع "العربي الجديد".
ويقول الناشط باسل صالح "لقد حققنا الكثير؛ بدايةً نزولنا على الأرض بهذه الأعداد الكبيرة، ثمّ ثباتنا في الشوارع على الرغم من مرور 12 يوماً، علماً بأنهم راهنوا على تعبنا ولكن ما يتضح أن هذا الرهان فشل". ولعلّ الأهم بنظر صالح هو "التحركات المناطقية، وهي إنجاز أساسي وبالغ الأهمية وللمرة الأولى يحصل هذا الأمر بأن تخرج تحركات شعبية في مختلف المناطق".
ويوضح صالح، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ هناك "تنسيقاً بديهياً بين التحركات في المناطق، كقطع الطرقات والخطاب العام، لكن لكل منطقة حاجاتها ومطالبها إلى جانب المطالب العامة لكل اللبنانيين بمواجهة السلطة". وتبدو هذه التحركات وكأنها من طرف واحد إلى حدّ الآن، إذ إنّ السلطة لم تقدّم أي جديد منذ أن أقرّت الورقة الإصلاحية، فيما الحراك لا يزال يكافح ضدها بآليات مختلفة كان آخرها أمس الاثنين قطع الطرقات بالسيارات. ويقول صالح "إذا بقيت هذه السلطة متعنتة، فسنبتكر أدوات جديدة وآليات مختلفة للمواجهة السلمية من دون تصادم مع القوى الأمنية"، مشدداً على أنّ "الثبات في نهاية المطاف سيؤدي إلى تساقط السلطة شيئاً فشيئاً".
وعن الممارسات القمعية وخطاب التخوين والتهديدات التي يتعرّض لها المحتجون من قبل عناصر حزبية، لا سيما "حزب الله" و"حركة أمل"، يرى صالح "أنّ هناك وعياً وإدراكاً لخطورة المعركة، وهذه الممارسات ليست جديدة، فهي متواصلة منذ عقود، ولكن لم يعد باستطاعتهم استخدامها الآن". ويشير إلى أنّ "المشكلة بالنسبة للسلطة اليوم ليست في كيفية إيجاد حلول لمشكلات الناس وهواجسهم، إذ إنّ أعضاءها في مكان آخر بعيد كلياً عن هموم الناس، وما زالوا يتعاملون بالذهنية نفسها أي يحاولون إيجاد مخارج للهروب من الأزمة بدل حلها".
ويتابع "لقد جربوا الطرق كلها من أجل ردعنا وإجبارنا على التراجع عن تحركاتنا. فقد حاولوا جعلنا نتصادم مع الجيش، ثمّ حاولوا افتعال مشكلات مع الحراك كما حصل في البداوي، ثمّ ظهروا بخطاب تهديدي مذهبي، ولكن كل أدواتهم باتت مفضوحة والناس وصلت إلى مرحلة باتت تعي فيها كل ما يقومون به".
وعن التململ الشعبي الذي بدأ يظهر عند بعض الناس، وتحديداً لناحية قطع الطرقات، يقول صالح: "شيئاً فشيئاً ستغيّر الناس طبع التململ، فهناك انتفاضة وحقوق علينا تحصيلها وهناك اقتصاد منهار وسلطة أعادتنا إلى الوراء سنوات"، مشيراً إلى أنّ "هناك حالات خاصة يتم التعامل معها وفتح الطرقات لها، كما أنّ هناك طرقات بديلة يمكن سلوكها".
ويشدد صالح "نحن مرتاحون على وضعنا، وطبيعة المواجهة هذه المرة مختلفة ولا يمكن مواصلة التعامل مع الشعب بالخفة نفسها، وسنواصل ما بدأنا به حتى نجاح المعركة، بإسقاط الحكومة وتشكيل أخرى إنقاذية من خارج السلطة الحالية وإطلاق يد القضاء لاسترجاع الأموال المنهوبة وغيرها، وكذلك إجراء انتخابات نيابية مبكرة لإعادة تأسيس السلطة وانتخاب رئيس جديد للبرلمان وكذلك للجمهورية".
في الأثناء، كان حراك مدينة صور، جنوب لبنان، يواصل فاعلياته، مع اتجاه المتظاهرين أمس الاثنين للاعتصام أمام فرع مصرف لبنان (البنك المركزي) في المدينة. ويقول الناشط رائد عطايا لـ"العربي الجديد": "هذه الفاعلية جرت في مختلف المدن اللبنانية، وليس هناك تنسيق إنما عمل على مستوى ما يمكن اعتباره لجاناً تنفيذية أفرزت نفسها بشكل عفوي، بحيث يتم التنسيق مع أحد الفاعلين فيها". وبرأي عطايا فإن "هناك أمورا كثيرة تحققت إلى اليوم، والورقة الإصلاحية أحدها، فهي على الرغم من أنّ الشارع رفضها، لكنها تعدّ تنازلاً كبيراً من قبل السلطة"، مضيفاً "كما أنّ الحديث المتصاعد والعمل وراء الكواليس، للنظر بوضع الحكومة الحالية ولاحقاً الخروج بحكومة انتقالية مصغرة، هو أيضاً إنجاز، وما يهمنا اليوم هو أن تكون الأكثرية في أي حكومة انتقالية، قادرة على الحكم وإنقاذ البلد من وضعه". ويعتبر عطايا أنّ الحديث عن "تعديل حكومي هو أمر غير جدي ولا يعوّل عليه"، معرباً عن أمله بالشارع وإيمانه بقوّته.
ولمعالجة التململ الشعبي لدى بعض المواطنين لناحية شلّ البلاد، يقوم ناشطو مدينة صور بتحويل هذا الغضب باتجاه الحكومة، إذ يقومون بتوزيع قصاصات ورقية على المنزعجين يشرحون لهم من خلالها سبب قطع الطرقات والإجراءات الأخرى التي يتم اتخاذها، بحسب عطايا، الذي يضيف: "نقوم أيضاً بمحاورة من يخرجون من سياراتهم غاضبين، لنلفت نظرهم إلى أنّ حجم الأزمة في لبنان أكبر بكثير مما يمكن أن ينتج عن إغلاق طريق وغيرها، وكثير منهم يتفهمون".
ويؤكّد عطايا أنه "طالما هذه السلطة متمترسة في مكانها ومستمرة، فنحن كذلك باقون ومستمرون، وسنبتكر أساليب جديدة لمواجهتها إلى أن ترضخ"، لافتاً كذلك إلى مواجهة "سياسة التخوين التي تتميّز بها السلطة، إذ نعمل على تكذيب كل الادعاءات التي تستهدفنا بحملات مضادة تتركّز عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
من جهته، يقول الناشط في منظمة "لحقّي" الحقوقية اللبنانية، ماهر أبو شقرا، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "أهداف الانتفاضة واضحة، وهو ما يوفّر إلى حد كبير الحاجة إلى التنسيق أو توحيد الخطاب بين المناطق، فالخطاب العام واضح. كما أنّ أدوات الحراك باتت معروفة ولذلك هي واحدة تقريباً في مختلف المناطق، وعلى رأسها قطع الطرقات والأنشطة المدنية الأخرى". ويضيف "يبرز التنسيق على مستوى المحافظات بين بلدة وأخرى، أي تنسيق مناطقي وهو سهل لوجستياً بسبب العامل الجغرافي لقرب المناطق من بعضها البعض".
ولعلّ أهم ما تحقق إلى الآن بنظر أبو شقرا يتمثل في فكرة "المواجهة المناطقية، وهي أمر سيبقى متواصلاً في كل الاستحقاقات المشابهة في لبنان". كذلك "فقد اتضحت للبنانيين طرق المواجهة لهذه المنظومة، وقد شعروا بقوّتهم ووحدتهم، ولفظوا الخطاب الطائفي بالعمل والممارسة وليس فقط بالكلام، وهو إنجاز مهم للغاية". ويضيف "كما أنّ تعرّي النظام وظهوره على حقيقته السيئة هو أمر مهم، وكل ذلك أشعر السلطة بالخوف وأربكها وجعلها تتنازل، على الرغم من أنّ تنازلاتها غير مجدية ولا يؤخذ بها".
وأمام هذا الواقع، "عاد النظام لممارسة التهويل والتهديد ولعب أوراقه الضاغطة في هذا السياق، من أجل المواجهة، بعدما فشلت كل إجراءاته"، وفق أبو شقرا، موضحاً: "لقد جربوا طرح حلول وامتصاص غضب الناس، وبعدها لجأوا إلى الطائفية، ثمّ عادوا إلى خطاب التهديد والتخوين واستباحة الدماء باتهامات كبيرة كالعمالة وغيرها، ولكن كل هذا لم ينفع والتصعيد من قبلنا متواصل بالأدوات السلمية التي ما زالت كثيرة".
وعن التململ الشعبي، يقول أبو شقرا إنه "كان متوقعاً، وهذا الأمر يمكن أن يحدد لنا كيفية التعامل في الفترة المقبلة، والأدوات الجديدة التي من الممكن أن نستخدمها للتعامل مع هذا الوضع. فكل شيء يتحرّك بحسب تفاعل الشارع معه، ولكن الأمور دائماً تسير بمسار تصعيدي بوجه السلطة". "لا شيء واضحا في الأفق" بالنسبة للمرحلة المقبلة، بحسب أبو شقرا، الذي يضيف "الثقة في السلطة فقدت من قبل الجميع، وبالتالي لا مفرّ من رحيل هذه الحكومة"، لافتاً إلى أنه "في حال توقّفت هذه التحركات اليوم، فستعود بشكل أكبر، لأن السلطة ستعود لممارساتها السابقة. ولذلك من مصلحة الجميع تغيير الحكومة الحالية وتشكيل أخرى انتقالية بمهام محددة تستمدّ شرعيتها من الشعب وذلك من أجل معالجة الأزمة الاقتصادية، وإقرار نظام ضريبي عادل، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة لتتشكّل بعد ذلك سلطة جديدة ويبدأ مسار دولة المؤسسات".
من جهته، يرى الناشط هيثم شمص أن "الوحدة الوطنية، والتخلي عن الطائفية، وانتفاضة الشعب بكامله، وبروز شعار كلن يعني كلن على مستوى واسع"، هي إنجازات كبيرة حققها الحراك اللبناني إلى الآن، "لكنّ السلطة لا تسمع"، وفق تعبيره. ويضيف "أستغرب كيف أنّ هذه السلطة لم تستوعب بعد وترحل، علماً بأن العالم كله أصبح عالماً بمطلبنا هذا".
ويلفت إلى وجود محاولات لترويج "فكرة أنّ الحراك يؤثّر على وضع البلاد سلبياً، لا سيما اقتصادياً، ولكن نؤكّد لهم أنهم مهما فعلوا، فنحن مستمرون حتى النهاية، ولدينا قوة أكبر مما يتوقعون، ولا خيار أمامهم إلا الإذعان لمطالبنا. فلا شيء اليوم لدينا لنخاف عليه والبلد في وضع مخيف منذ فترة طويلة". ويؤكّد "لا حوار مع أحد، حتى إسقاط الحكومة، وبعد ذلك لكل حادث حديث".