بعلبك في قلب الانتفاضة اللبنانية: صمود بمواجهة محاولات الترهيب

25 أكتوبر 2019
أبناء بعلبك يقاومون الألاعيب (فيسبوك)
+ الخط -
على غرار غالبية المناطق اللبنانية، انتفضت محافظة بعلبك ــ الهرمل، التي تبعد نحو 83 كيلومتراً عن بيروت، منذ اليوم الأوّل من التحركات الشعبية التي تعمّ لبنان ودخلت يومها التاسع، نظراً للحرمان والتهميش الكبيرين اللذين تتعرّض لهما، والوضع الأمني المتردي.

أبناء مدينة بعلبك، الذين يشكون التهميش الإعلامي في تغطية ما يجري في المدينة الواقعة في سهل البقاع، مركز المحافظة، والقرى المجاورة، يواجهون محاولات لوأد تحركاتهم، لكنهم مصممون على الاستمرار على الرغم من كل محاولات الترهيب.

ولبعلبك طابع خاص يجعل التحرّك فيها أمراً يحتاج إلى "جرأة كبيرة"، على حدّ تعبير إحدى الناشطات التي فضّلت عدم ذكر اسمها، وذلك في ظلّ سيطرة "حزب الله" و"حركة أمل" على كل المؤسسات هناك، وتمتعهما بقوة كبيرة على الأرض، هذا فضلاً عن الحسابات العشائرية التي من الممكن استغلالها للتأثير على الحراك، كما حدث أخيراً عندما خرج متهم بتجارة المخدرات ومطلوب للدولة يدعى نوح زعيتر، محاولاً إجهاض الحراك عبر المسلحين الذين يتبعون له.

يقول أستاذ التعليم الثانوي، حسن مظلوم، في حديث مع "العربي الجديد": "نتحرك في محافظة بعلبك في مناطق عدة، ففضلاً عن حراك مدينة بعلبك مركز المحافظة وحراك منطقة الجبلي، هناك تحركات في الهرمل واللبوة والعين وشمسطار، وكذلك عند مدخل المحافظة في رياق بمنطقة تل عمارة".

ويؤكد أنّ "مطالب هذا الحراك لا تختلف عن مطالب الحراكات التي تتم في مناطق لبنان كافة، وهو يرفع الشعارات نفسها، والمواطنون ينطلقون من همّ خاص، وصولاً إلى الهمّ العام، ولكن الإهمال في منطقة بعلبك ليس فقط في الخدمات والحرمان والتهميش، وإنما أيضاً في الإضاءة الإعلامية على ما يحصل هنا".

ويلفت مظلوم إلى أنّ "الحراك سلمي، مهما حاولوا التأثير عليه، فنحن نريد تغيير النظام السياسي وليس فقط إسقاط الحكومة، لأنّ هذه السلطة متجذرة في مؤسسات الدولة، ومنها في بعلبك حيث يتقاسم حزب الله وحركة أمل الغنائم فيما المواطنون يتفرجون. وحتى إذا أرادوا تعيين أشخاص في المؤسسات هنا، فهم يأتون بأشخاص يأتمرون بأمرهم وليس بأصحاب الكفاءات". ويشير إلى أنّ "مشاكلنا في بعلبك أكبر من كل المشاكل في المناطق اللبنانية الأخرى، فلا مشاريع إنمائية، وهذه المحافظة حرم أبناؤها من أبسط حقوقهم لا بل إن قطاعيها الأساسيين، الزراعي والسياحي، مقتولان".

وتابع قائلاً "محافظة بعلبك في غربة عن الدولة، إذ ليس فيها مدير عام ولا موظف درجة أولى والمؤسسات الخدمية من مدارس ومستشفيات وغيرها تكاد تكون معدومة، والناس اليوم انتفضت بعدما تراكم وجعها، فنسبة 95 في المائة من أبناء المحافظة، بمن فيهم المناصرون لحزب الله وحركة أمل، محرومون وفقراء".

ولفت مظلوم إلى التعقيدات الكبيرة التي تواجه حراك محافظة بعلبك، إذ "يختلط الحابل بالنابل هنا"، على حد تعبيره. وأوضح أن "حزبي السلطة المسيطرين هنا يمسكان الأرض بشكل قوي، وهما لن يترددا في توظيف الطرق كافة من أجل إجهاض هذا الحراك إذا ما شعروا بأنه بات يهددهما بشكل أكبر، بما في ذلك توظيف العشائرية لنقل الحراك إلى مكان آخر وحرفه عن مطالبه الأساسية، كما حدث أخيراً بتوظيف المطلوب نوح زعيتر لهذا الغرض، فبعض الشخصيات من هذا القبيل تستخدمهم السلطات الحاكمة وتستغلهم لتحقيق أغراضها". واستطرد بالقول "ولكن نحن ننظّم حراكنا بالحكمة والعقل ونقوم باحتجاجات مدنية كي لا نمكّن الحزبين من استغلال مطالبنا وحراكنا، فهنا طباع الناس مختلفة، وأي حمل للسلاح أو التهديد به سيواجهه بتهديد مماثل من قبل الطرف الآخر".

ويروي الناشط في حراك بعلبك، عادل إسماعيل، ما حصل بشأن زعيتر، قائلاً إنّ "نجل الأخير نزل الخميس إلى ساحة المطران حيث ينظّم الحراك في مدينة بعلبك، بحماية من أحزاب السلطة، لتخويف الناس، وإجبارهم على التظاهر في منطقة الجبلي حيث هو هناك، وبعدها خرج علينا بمقطع فيديو يوجه فيه التحية للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ورئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل، نبيه بري، ورئيس الجمهورية ميشال عون".

وأضاف "يهدف نوح زعيتر وأحزاب السلطة من ورائه إلى ترويع الناس ومنعها من استكمال تحركها". ويتابع "هذان الحزبان يعتقدان أنّه ما زالت هناك رهبة لنوح زعيتر وأنّ الناس تهابه، لكنهم مخطئون وهم بعيدون عن الناس ولا يعرفون أنها تغيّرت ولم تعد تخاف من أحد". ويرى أنّ "هؤلاء يلعبون بدم الناس ويتاجرون به، وما يفعلونه لعبة خطيرة وقذرة جداً في بعلبك لأن هناك الكثير من الناس على استعداد للمواجهة إذا ما تعرّضت لأي استهداف بسبب العقلية هنا ووجود العشائرية".

ويؤكد إسماعيل أنه "على الرغم من المخاوف التي تنتابنا مما قد يفعلونه لإجهاض حراكنا، إلا أننا سنبقى في الشارع، وكسرنا الكثير من المحرمات، ونحن الآن في منتصف الطريق، فليس من المعقول أن نعود إلى الوراء ولن نسمح لأمراء الحرب بمواصلة حكمنا".

من جهتها، ترى ناشطة في حراك بعلبك، طلبت عدم ذكر اسمها، أنّ "زعيتر ومن معه وجدوا في وعود السلطة وخطاب عون تحقيقاً لمطلبهم الأساسي وهو العفو العام، فهؤلاء معظمهم مطلوبون للدولة"، مضيفةً "ولكن هذا لا يعني أن يعمدوا إلى تقسيم الحراك وتحقيق ما تريده السلطة، وإعطائها فرصة جديدة لتضحك علينا".

وأشارت إلى أنّ "خطاب التخوين موجود منذ البداية والاتهامات الموجهة لنا من أجل تحريض الناس علينا، ولكن نحن نطالب بحقوقنا الطبيعة"، معتبرة أنّ ما يحصل في بعلبك "انتفاضة كبيرة وجرأة وشجاعة في ظلّ الواقع المعروف على الأرض".

ولفتت الناشطة إلى أنّ "هناك نشاطات يومية في بعلبك والقرى المجاورة، وهناك شعارات متعددة تنطلق من معاناة الناس في المحافظة بدايةً، كالوضع الأمني المتردي ومسألة الزراعات البديلة والاستثمار في قلعة بعلبك السياسية المهملة من قبل الدولة، على الرغم من أنها كنز سياحي، بالإضافة أيضاً إلى المطالب التي ينادي بها كل اللبنانيين".

وأصدر ناشطون من حراك بعلبك في وقت لاحق الخميس، بياناً تحت عنوان "حزب الله يستخدم الورقة الأقذر في البقاع، والوضع بات ينذر بما لا تحمد عقباه". وأوضح البيان "بالأمس خرج كبير المطلوبين للدولة اللبنانية في البقاع رئيس العصابة وتاجر المخدرات ربيب تنظيم حزب الله وصديق مسؤوليه (بمن فيهم الوكيل الشرعي) المدعو نوح زعيتر، ودعا البقاعيين للتظاهر اليوم الخميس (أمس) في ساحة دورس (الجبلي). واليوم الخميس (أمس) نزل نوح زعيتر للتظاهر في ساحة الجبلي في دورس بحراسة مشددة من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، ليكتشف أن الناس لم يتجاوبوا مع دعوته، وأن عدد المعتصمين في تلك الساحة لا يفي بالغرض، فأرسل ابنه إلى ساحة المطران في بعلبك، وهي الساحة التي هرب إليها المعتصمون الذين رفضوا مصادرة الحزب للحراك بعدما زرع في دورس كاميرات المراقبة وصار عناصره يتدخلون في توجيه تصريحات الناس".

وتابع البيان "وصل زعيتر الابن إلى ساحة المطران وطلب من المعتصمين - مهدداً بالسلاح - التوجه إلى ساحة الجبلي حيث ينتظر والده، وبدأ بكيل الشتائم للمعتصمين، إلا أنّ عدداً من ناشطي الاعتصام تصدوا له واتصلوا بوالده طالبين سحبه من الشارع حتى لا تتطور الأمور، وهنا سألوا زعيتر الأب عن الهدف مما يفعله، فأكد أنه يتعرض لضغوط من حزب الله للنزول إلى الاعتصامات وتهديد كل من يمكن أن يتجرأ على تجاوز السقف المرسوم من قبل التنظيم، خصوصاً في التعرض للرؤساء الثلاثة (عون وبري وسعد الحريري) وللأمين العام لحزب الله".

وأضاف البيان "وهنا أبلغه المعنيون أن هذا الأمر خطير وأنه قد يؤدي إلى مواجهة بين شارعين، وقد يحصل ما لا تحمد عقباه. فخرج نوح زعيتر مساء اليوم (الخميس) بفيديو مسجل يمجد فيه الرؤساء الثلاثة والسيد نصر الله ويهدد المعتصمين في بعلبك داعياً إياهم لترك الساحات والنزول إلى بيروت في حال لم يلتزموا بالسقف المرسوم لهم".

*صور: (فيسبوك)
المساهمون