لا تغيب روسيا عن العملية العسكرية التي تشنّها تركيا في شمال سورية، فهي التي رفضت إدانة الهجوم في مجلس الأمن الدولي، موجّهة إشارات إلى انحيازها لصالح أنقرة، ليبدو أن موسكو تبحث عن كيفية الاستفادة من هذا التطور وتعزيز دورها في الصراع السوري، وصولاً ربما إلى استنساخ سيناريو "المصالحات" وجرّ "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) إلى صف نظام حليفها بشار الأسد.
وحتى الآن، بدت روسيا منحازة لتركيا في عمليتها في سورية. واعتبر المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن العملية التركية "جاءت نتيجة للهندسة الديمغرافية التي أجراها بعض الشركاء في التحالف في شمال شرقي سورية". وذكّر نيبينزيا بأن روسيا سبق لها أن دعت الأكراد إلى الحوار المباشر مع النظام، لكنهم "اختاروا رعاة آخرين" على حد تعبيره. وفي هذا الإطار، توقّع الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية كيريل سيميونوف أن تحاول موسكو التوسط بين الأكراد والنظام السوري، مرجّحاً، في الوقت نفسه، أن تصطدم خطط موسكو بتعنّت الأسد وعدم نيّته منح أي استقلالية للأكراد. وقال سيميونوف، لـ"العربي الجديد"، "كلما حقق النظام نجاحات أكبر بمشاركة روسيا ودعمها، يصبح أقل قابلية لتقديم تنازلات. تصبح سياسات الأسد أقل مرونة يوماً بعد يوم، بل تزداد حزماً، ويجر روسيا إلى هذه اللعبة، ويريد دعماً غير محدود من الكرملين لنواياه حتى النهاية، حتى إذا جاء ذلك على حساب مصالح موسكو".
وحول رؤيته لما يمكن للنظام تقديمه للأكراد مقابل التصالح معه، قال: "ليس بوسع الأسد تقديم شيء للأكراد، سوى السيناريو الذي تحقق في جنوب سورية بعد إلحاق هزيمة بقوى المعارضة. يتلخّص مطلب المصالحة مع النظام في نزع سلاح الوحدات الكردية بشكل أو بآخر تدريجياً، فإما اعتقال قادتها وإعدامهم". وأضاف: "بكل تأكيد، ستسعى موسكو للتوسط بين الأكراد ودمشق، لكن المشكلة تكمن في أن الأسد لا ينوي منح الحكم الذاتي للأكراد، أو التعاون معهم في الأمور طويلة الأجل". وخلص الخبير الروسي إلى أن "أي اتفاقات يقترحها الأسد على الأكراد يدرك الجميع أنها مؤقتة، وستنتهي باستئصال جذور كيانهم شبه المستقل في سورية".
ووسط إدانة أوروبية وتلويح أميركي بإمكانية فرض عقوبات على أنقرة على خلفية عمليتها، أشارت صحيفة "غازيتا رو" الإلكترونية الروسية إلى أن العملية العسكرية في سورية قد تتسبّب في خسائر اقتصادية هامة لأنقرة، ما يصبّ في مصلحة روسيا التي قد تصبح شريكاً رئيسياً لها. من جهتها، تساءلت صحيفة "سفوبودنايا بريسا" الإلكترونية الروسية عن دوافع موسكو لعدم إبداء أي تقييم واضح للتحرك العسكري التركي في الشرق الأوسط. وفي مقال بعنوان "تقدم أردوغان: روسيا تخلت عن الأكراد والسوريين"، استطلعت الصحيفة رأي كبير الخبراء في مركز البحوث العسكرية-السياسية التابع لمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية ميخائيل ألكسندروف، الذي قال إن "مبادرات الكونغرس الأميركي لدعم الأكراد لها طابع شعبوي بل دعائي"، متسائلاً لماذا أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضوء الأخضر للعملية إذا كان يدينها؟ وحول استفادة روسيا من العملية التركية، أضاف: "تفتح العملية التركية مجالاً لإلحاق ضربة قوية في إدلب. دخل الأتراك إلى المنطقة الكردية وتوغلوا فيها. في حال شننّا ضربة على إدلب، فأقصى ما يمكن لأنقرة فعله، هو الإدلاء بتصريحات عامة وإدانة أعمالنا" في آخر معاقل المعارضة السورية.
من جهته، اعتبر الفريق ليونيد إيفاشوف، الذي شغل سابقاً منصب مسؤول التعاون العسكري الدولي في وزارة الدفاع الروسية، أن "تركيا تبدأ بإبادة الوحدات الكردية وإقصاء مواطني البلاد المتمثلين في الأكراد من الأراضي السورية"، مذكراً بأن الأسد منح الجنسية السورية للأكراد في العام 2011. وقال إيفاشوف، لـ"سفوبودنايا بريسا": "في الوقت الحالي، تشنّ تركيا عدواناً على دولة أجنبية، وأعتبر أننا كروسيا نقوم بالخيانة، تاركين مواطني سورية، في الواقع، يُذبحون على أيدي القوات المسلحة التركية".
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعلن في 9 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، عن بدء العملية العسكرية داخل الأراضي السورية. وفي اليوم ذاته، أفاد الكرملين بأن أردوغان أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي دعا خلاله إلى "دراسة الوضع بدقة لعدم إلحاق ضرر بالجهود المشتركة لتسوية الأزمة السورية، في ضوء الإعلان عن خطط تركيا لإجراء عملية عسكرية شمال شرقي سورية".