المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية فوق سورية: تل أبيب تفشل بتحقيق أهدافها

22 يناير 2019
أكد نتنياهو العمل لمنع التموضع الإيراني بسورية(أرئيل شاليط/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت المواجهة التي فجرتها إسرائيل، أمس وأول من أمس، ضد أهداف إيرانية على الأراضي السورية، تحولاً فارقاً يمكن إجماله من خلال التمعن في الفارق بين تصريحات المستوى السياسي في دولة الاحتلال، وبين تصريحات المستوى العسكري الرسمي. على المستوى السياسي، أكد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل تعمل وفق سياسة ثابتة لمنع التموضع الإيراني في سورية. أما المتحدث العسكري لجيش الاحتلال، العقيد رونين ملينيس، فقال إن الصاروخ الذي أطلق أول من أمس باتجاه هضبة الجولان هو إيراني الصنع، وأن قوات إيرانية أو مليشيات تابعة لإيران هي التي أطلقته، بهدف ردع إسرائيل عن العمل ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية، وهو ما برر من خلاله الغارات الإسرائيلية التي قد تكون الأوسع نطاقاً في سورية منذ سنوات، وقد شملت محافظات أربع، هي دمشق وريف دمشق والسويداء ودرعا.

ويمثل الفارق بين التصريحين، حقيقة فشل إسرائيل، رغم إعلانها المتكرر، في وقف التموضع العسكري الإيراني على الأراضي السورية، حتى في ظل التفاهمات مع روسيا. وظلت موسكو تمتنع، طيلة يومي أمس الاثنين وأول أمس الأحد، عن إدانة الغارات الإسرائيلية، بما يوحي بتفاهم روسي إسرائيلي يتيح لإسرائيل ضرب الأهداف الإيرانية في سورية، من دون أن تخشى رداً روسياً فاعلاً ضد هذه الغارات والهجمات.

وكان اللافت في المشهد الإسرائيلي الدعوة التي صدرت عن جهات مختلفة للعودة إلى التكتم على العمليات الإسرائيلية في سورية ومناطق أخرى، أو بعبارة أخرى "العودة إلى السياسة الضبابية" التي لا تعترف فيها إسرائيل صراحة بعملياتها في سورية. وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غادي أيزنكوط، قد أعلن قبل أيام معدودة من إنهاء مهام عمله رسمياً أخيراً، أن إسرائيل قصفت آلاف الأهداف في سورية ومواقع أخرى. وعززت هذه الاعترافات التي أدلى بها أيزنكوط، في الحادي عشر من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، في مقابلات صحافية، وتصريحات نتنياهو بعدها حول الموضوع نفسه، مسألة إشهار الحرب الإسرائيلية على الوجود الإيراني في سورية ضمن ما تطلق عليه تل أبيب اسم "المعركة بين الحروب"، مع تسلم الجنرال أفيف كوخافي منصبه رئيساً للأركان، ما أبرز حجم التحدي العسكري الذي يواجهه كوخافي في مواجهة إيران في الجبهة الشمالية.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أقرّ نتنياهو، أمس، في مراسم افتتاح مطار جديد قرب إيلات، بأن إسرائيل هي التي نفذت الغارات الأخيرة وأنها لن تتورع عن ضرب كل من يهدد بإبادة إسرائيل. ودفع هذا الأمر ببعض العسكريين إلى الدعوة للعودة لسياسة الضبابية، كما فعل رئيس جهاز شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق، الجنرال احتياط زئيف فركش، خلال مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية العامة "كان". ولم يقف فركش عند هذا الحد، بل أقرّ بأن إسرائيل نجحت في إبطاء وتيرة الوجود العسكري الإيراني في سورية، لكنها عملياً لم تحقق هذا الهدف لغاية الآن، وهي عملية مواجهة طويلة بين الطرفين. وأكد فركش أن الإيرانيين يبدون تصميماً على تحقيق هدفهم، خصوصاً أن عملية إطلاق الصاروخ، أول من أمس، تؤكد عملياً نجاحاً في مخطط إيران وحزب الله بفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل من سورية، من خلال المليشيات التابعة لإيران العاملة في سورية.

وفي هذا السياق، أبرز المتحدث العسكري لجيش الاحتلال أن إطلاق الصاروخ الإيراني تم من منطقة دمشق، حيث يفترض وفق التفاهمات بين روسيا وإيران وبين روسيا وإسرائيل ألا توجد قوات إيران في الموقع المذكور على مسافة 60-80 كيلومتراً من الحدود الجنوبية لسورية في هضبة الجولان المحتل، وفق التفاهمات التي تمت بموجبها إعادة النظام وقواته إلى جنوب غربي سورية، مع تعهد روسي بألا تكون هناك قوات إيرانية أو تابعة لإيران على مقربة من الحدود الإسرائيلية.

ووفقا لما نشر أمس في الصحف الإسرائيلية ووسائل الإعلام، كان لافتاً في سياق البيانات الروسية، خلوها من أي موقف شاجب للغارات الإسرائيلية، وهو ما يقرأه الإسرائيليون بأنه تسليم أو قبول روسي بالعمليات الإسرائيلية في الأجواء السورية ما دامت هذه العمليات تستهدف القوات والمواقع الإيرانية، ولا تمس بالمصالح الروسية، وفي مقدمتها تكريس استقرار نظام الأسد.

من جهته، اعتبر مدير مركز أبحاث الأمن القومي، الجنرال احتياط عاموس يادلين، الذي سبق أن شغل منصب رئيس شعب الاستخبارات العسكرية "أمان"، أن ما يحدث في سورية هو توحيد للجبهة السورية ككل بما يشمل إيران وسورية وحزب الله بشكل لا يمكن الفصل بين أضلاع هذه الجبهة. وبحسب يادلين، فإن التصعيد الحالي قد يؤدي إلى حالة حرب مع إيران، بالرغم من أن أحداً باستثناء إيران لا يرغب بذلك، على حد قوله.
وأضاف يادلين في تغريدة على "تويتر"، أن بمقدور الروس أن يمنعوا تدهور الأوضاع في سورية من الوصول إلى حالة حرب مع إيران إذا نشطوا لإخراج إيران من سورية، لكنهم لم يقوموا بذلك بل يوجهون رسائل لإسرائيل بعدم استهداف مطار دمشق الدولي.
واعتبر يادلين أن الوضع الجديد ووصول رئيس أركان جديد، أي الجنرال كوخافي، الذي تسلم منصبه أخيراً، يوجب على إسرائيل تحديد معالم ومخاطر "المعركة بين الحروب"، خصوصاً أن التطورات الأخيرة تثير أسئلة مثل مدى ملاءمة "عقيدة المعركة بين الحروب" التي أدارها الجنرال أيزنكوط، (أنهى مهام منصبه الثلاثاء الماضي)، وقدرتها في صورتها الحالية على تحقيق الأهداف المرجوة منها من دون دفع أثمان باهظة، وما هي الاستعدادات والخطوات اللازم اتخاذها في حال تم نقل المعركة إلى لبنان والعراق.

وتكشف هذه التساؤلات تفكيراً إسرائيلياً بتوسيع نطاق العمليات الإسرائيلية ضد إيران باتجاهين: الأول التوغل شرقاً وصولاً إلى العراق وضرب أهداف إيرانية في العراق لسدّ الطريق أمام مخطط إيران بضمان ممر بري من طهران إلى شواطئ المتوسط عبر العراق وسورية وحتى لبنان، من جهة، ونقل العمليات الإسرائيلية إلى داخل لبنان لضرب مصانع السلاح الإيرانية في لبنان، بحسب المزاعم الإسرائيلية، من جهة ثانية.

وكان تقرير التقدير الاستراتيجي الذي أصدره مركز أبحاث الأمن القومي، الأسبوع الماضي، قد أشار إلى أن إيران، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، قررت الانتقال من سياسة المصالحة في علاقاتها الخارجية إلى سياسة المواجهة. وأنهى يادلين هو الآخر تغريداته، أمس، بدعوة الحكومة إلى العودة للسياسة الضبابية والتكتم على نشاطها وعملياتها فوق الأراضي السورية، فمثل هذه السياسة تحول دون إحراج إيران علناً، ما يخفف من دوافع إيران للرد على الغارات الإسرائيلية.

دلالات
المساهمون