الشاهد بعد تجميد عضويته في "نداء تونس": بداية مرحلة التحرر السياسي؟

18 سبتمبر 2018
الشاهد في كلمته يوم الجمعة الماضي (ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -
لم يردّ رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، على قرار تجميد عضويته في حزبه "نداء تونس"، مكتفياً صباح السبت الماضي، لدى إشرافه على بدء العام الدراسي الجديد في تونس، بالقول "دون تعليق". ولكن الشاهد استبق الرد الجمعة، وربما بدأ بالتحرر من ثقل مشاكل حزبه التي لا تنتهي، وقد يكون على مشارف تدشين مرحلة جديدة في مسيرته السياسية تبدأ مرحلياً بالتخلص من قواعده القديمة وبناء أرضية جديدة بدأت معالمها تتضح.

وبعد ما وصفه مراقبون بـ"التخلص من الأب"، في إشارة إلى القطيعة بين الشاهد والرجل الذي جاء به إلى الحكم، أي الرئيس الباجي قائد السبسي، يبدو أن قرار تجميد عضوية الشاهد في حزب "نداء تونس" قد حرّره نهائياً، وربما شكّل مفتاحاً لمرحلة سياسية جديدة بدأت معالمها بالاتضاح منذ أشهر وظهرت بشكل أوضح في الأيام الأخيرة، بعد تشكيل كتلة الائتلاف الوطني الداعمة له، والمرجحة للتوسع قريباً، وتجاوز عتبة الـ50 نائباً، خصوصاً بعد إعلان عدد من القيادات السياسية في "نداء تونس" رفضها قرار التجميد، ما سيزيد من متاعب الحزب ومكاسب الشاهد.

ويبدو أيضاً أن الشاهد قرر صرف النظر عن النخبة السياسية والتحدث مباشرة إلى التونسيين، وكشف ما وصفه "تعطيل الإصلاحات وتحسين الأوضاع". وفي كلمة له بمناسبة افتتاح الندوة الوطنية حول مشروع قانون المالية 2019، يوم الجمعة الماضي، أكد الشاهد أن "السياسات التي اعتمدتها الحكومة منذ تسلّمها الحكم، سمحت بتحقيق أرقام تُعتبر طيبة وفيها تحسن واضح مقارنة بما ورثته عن الحكومات السابقة". واعتبر الشاهد أن "ما تحقق غير كافٍ وكان يمكن أن يكون أفضل، لكن حكومته لم تجد الدعم السياسي الضروري للتقدم في الملفات"، مشدّداً على أن "الصراعات السياسية الجانبية التي لا تفكر في مصلحة الناس، شوّشت على عمل الحكومة ومثّلت قوة جذب إلى الوراء وعطلت الإصلاحات". وأضاف الشاهد أنه "كان يمكن أن نرمي المنديل، ونقول الله غالب، ولكن هذه لم تكن فلسفتنا ولا سياستنا. نحن لا يمكن أن نتخلى عن المسؤولية في ذروة المفاوضات مع المؤسسات الدولية وفي غمرة الموسم السياحي وحاجة تونس إلى تمويلات عاجلة، لا يمكن أن نتأخر إلى حين عودة الاستقرار، وإعداد مشروع قانون المالية الذي تفصلنا دستورياً عنه أسابيع قليلة". وختم الشاهد بالإشارة إلى أنه "وفريقه غير متشبثين بالمواقع والمناصب بل بمصلحة تونس".



واعتبر مراقبون حديث الشاهد بمثابة "إعلان انتخابي"، خصوصاً أنه قرر في الكلمة عينها، تخفيض أسعار السيارات المعروفة في تونس باسم "السيارات الشعبية"، أي السيارات الصغيرة الموجّهة إلى الطبقة الوسطى، وتأكيد أنه "لا زيادة في الضرائب في السنة المقبلة"، واصفين إياها بـ"الوعود الانتخابية"، في حين اعتبر آخرون أنها "وعود صعبة وقد لا تتحقق".

وبقطع النظر عن هذه التقييمات، فإن الشاهد اختار البدء بكشف معطّلي مسيرة الإصلاح التي حققت بعض المكاسب بحسب قوله، والتركيز على الحسابات السياسية الجانبية التي لا غرض وطنياً منها، في إشارة مبطنة إلى أن "أهدافها شخصية بحتة". وركز الشاهد على صورة المسؤول المنشغل بالعمل، بينما غيره غرق في الحسابات السياسية والأحاديث الجانبية.

وفي معرض سؤاله حول رسالة حزبه الموجهة إليه الجمعة، قبل قرار التجميد، قال إنه "منهمك في إعداد موازنة العام المقبل والعام الدراسي الجديد، ولم يولِ اهتماماً لهذا الأمر"، بما يعني أن "اهتمامه منصبّ على مشاغل التونسيين وأولوياتهم الحياتية قبل المناورات السياسية".

وحصل الأمر ذاته خلال وجوده في الصين للمشاركة في القمة الصينية الأفريقية، فبينما كانت التحركات والاجتماعات مكثفة بين مختلف الأطراف في تونس لبحث الأزمة، أعلن الشاهد من الصين عن توصله إلى عقد استثمارات ضخمة واتفاقات ستجلب الوظائف إلى آلاف المواطنين، مشدّداً على أنه "يحقق الإنجازات بينما يبحث الآخرون كيفية تعطيله".

ولكن كل هذا لا يكفي لبقاء الشاهد وصموده أمام محاولات إسقاطه، والبعض سأل "هل يستطيع بالفعل أن يواجه الرئيس السبسي واتحاد الشغل ونداء تونس وجزءا من المعارضة يريد إسقاطه بأي شكل وفي القريب العاجل؟". كما أن موقف "حركة النهضة" لم يُكشف بعد في ظلّ التطورات المتلاحقة، وانعكاسها على كتلتي النهضة والائتلاف الوطني لتشكيل أغلبية جديدة بإمكانها الصمود حتى العام المقبل.

ربما تكون حسابات الشاهد مختلفة تماماً، وقد لا يكون هدفه الأول هو الصمود في المنصب أساساً، بل بناء أرضية برلمانية وحزبية وشعبية تستعد للاستحقاقات المقبلة، أساسها هو صورة المسؤول الشاب القادر على تحقيق مكاسب فعلية للتونسيين لو توفرت خلفية وأجواء سياسية داعمة بالفعل، لا معطِّلة كما يصورها الآن، ولكن في الانتظار قد تحدث تطورات لا يتوقعها أحد.

ويتعين على الشاهد من أجل تحقيق المشهد الجديد إضعاف "نداء تونس" أكثر فأكثر، وإفراغه من كوادره لتلتحق به في المشروع الجديد، وبناء تحالفات متينة مع "النهضة" وغيرها، وربما مع زعيم حزب مشروع تونس، محسن مرزوق، الذي أعلن يوم الأحد الماضي، أنه "لن يكون طرفاً في الخلافات السياسية". وأكد مرزوق، في تصريح لإذاعة "شمس"، أنه "ليس ضد الانضمام إلى الحكومة". وهي تطورات دلّت على أنها جاءت بعد اجتماعه المفاجئ بالشاهد يوم الجمعة. ويبقى جوهر المعادلة مبنياً على موقف "النهضة"، وإن كانت تحققت نهائياً بأن "نداء تونس" انتهى وبأن الشاهد هو رجل المرحلة الجديدة الذي يمكن التفاهم معه.