عباس كامل... "رئيس الظلّ" المصري القابض على ملفات المنطقة

06 اغسطس 2018
كلّف السيسي كامل بإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات (العربي الجديد)
+ الخط -
فتح التسويق الإعلامي لدور مدير جهاز الاستخبارات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، في القرار الأميركي الأخير بفكّ تجميد 195 مليون دولار من المعونة العسكرية الأميركية الموجهة لمصر، البابَ حول الرجل الذي بات يفرض سيطرة طاغية على كافة الملفات الإقليمية والداخلية الأبرز على الساحة، بصورة جعلته الرجل الأقوى والأبرز في منظومة الحكم المصرية. وبات الكثير من رؤساء الأجهزة والسياسيين المصريين يصفون كامل بـ"رئيس الظلّ"، بسبب تشعّب نفوذه وسيطرته على اتخاذ القرار في مصر، وقُربه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للدرجة التي جعلت الأخير لا يثق بأحد سواه حتى أقرب المقربين منه، وفي مقدمتهم صهره رئيس الأركان الأسبق، الفريق محمود حجازي، والذي تمّت الإطاحة به من منصبه في وقت سابق.

ودأب السيسي في الفترة الأخيرة، على نقل الملفات المهمة كافة إقليمياً وداخلياً لظلّه الذي بات متحكماً في القرارات المصيرية. وجاء في مقدمة تلك الملفات، الملف الليبي، الذي كانت القوات المسلحة مخوّلة به، عبر لجنة كان يرأسها حجازي قبل الإطاحة به، ثمّ انتقلت مسؤولية الملف إلى اللواء محمد الكشكشي، مساعد وزير الدفاع لشؤون العلاقات الخارجية، قبل أن يستقرّ الملف برمته بين يدي كامل، بعد الإطاحة رسمياً باللواء خالد فوزي، مدير الاستخبارات العامة السابق في يناير/ كانون الثاني الماضي.

ثاني الملفات الإقليمية الأبرز على الساحة التي انتقلت للإشراف المباشر لعباس، هو الملف الفلسطيني والعلاقات السرية مع إسرائيل، حتى بات هو صاحب القرار الأول والأخير من الجانب المصري في هذا الملف، فقام بفتح قنوات جديدة مع الفصائل الفلسطينية كافة، والسلطة في رام الله، قبل أن يعيد ترتيب هيكلة القائمين على جهاز الاستخبارات العامة ويستبدلهم بآخرين موالين له. وبات كامل رجل العلاقات الإسرائيلية الأول في القاهرة، إذ سعى منذ لحظة إشرافه الأولى على هذا الملف، لأداء أدوار لصالح تل أبيب للسيطرة على الفصائل الفلسطينية والمشهد الفلسطيني بالكامل، وذلك لكسب ودهم، ولإدراكه حجم تأثيرهم على القرار الأميركي.

ثالث الملفات التي انتقلت تبعيتها المباشرة إلى "رئيس الظلّ"، هو ملف العلاقات مع السودان، وملف سدّ النهضة الإثيوبي، فبدأ كامل في تقديم نفسه بصفته المنقذ الذي جاء ليدير دفّة العلاقات من اتجاه الخلافات إلى توافق مع السودان، ووقف حالة العداء مع إثيوبيا، من خلال تقديم بعض التنازلات المصرية التي لم يكن بإمكان غيره من صنّاع القرار المصري أن يقدموها، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية وسياسية بارزة تحدثت لـ"العربي الجديد". وأوضحت المصادر أنه "خلال تولّي الاستخبارات العامة وعلى رأسها اللواء خالد فوزي، هذه الملفات، كانت توضع العراقيل في طريق الرجل، فما أن يتوصّل لتهدئة مع السودان، حتى يفاجأ بهجوم إعلامي كاسح على الرئيس عمر البشير، والخرطوم، في الإعلام المصري، الذي يحرّكه عن بكرة أبيه اللواء كامل، لتظلّ الأمور متوقفة في مربع الأزمة". وقد بدا ذلك واضحاً للجميع بعد أن تولّى كامل رئاسة الجهاز، وبات هو المسؤول الأول عن العلاقات المصرية السودانية، فوجدنا أنّ الإعلام أصبح قوّة دفْع نحو تحسين العلاقات، عقب تخصيص البرامج الحوارية والمقالات وعناوين الصحف لهذا الهدف، وتحوّل الهجوم على السودان من دولة تأوي جماعة "الإخوان" وتدعمهم، إلى "حكمة البشير" و"السودان الشقيق" و"العلاقات الممتدة بين البلدين".

أمّا رابع الملفات التي باتت أوراقها على مكتب عباس كامل، فهو ملف العلاقات المصرية الأميركية، ومساهمة مصر في "صفقة القرن" التي يتبنّاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي هذا الشأن، قالت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إنّ كامل "عرف من أين يصل. فهو يدرك جيّداً أنّ مَن يحظى بالدعم الأميركي سيظلّ صاحب النفوذ في المشهد المصري. فسعى بكل طاقته لتقديم نفسه للإدارة الأميركية ومسؤوليها، وساعدته في ذلك علاقته الوطيدة بحكام الإمارات منذ أن كان مديراً لمكتب السيسي، حينما كان الأخير وزيراً للدفاع. فبمساعدة أبناء زايد، استطاع كامل أن يجد طريقاً لعلاقات جيّدة مع المستشار الخاص لترامب وصهره، جاريد كوشنر، وتقديم نفسه كأحد محرّكات الدفع لصفقة القرن، من خلال لعب دورٍ كبير لدى السلطة الفلسطينية والفصائل هناك، إلى جانب علاقاته الجيدة بالأجهزة المهمة في السعودية، والأردن، وعدد من دول الإقليم، فبات يحظى بثقة البيت الأبيض".


يشار إلى أنّ التسريبات التي كانت قد بثّتها فضائية "مكملين" تحت عنوان "تسريبات مكتب السيسي"، كانت قد كشفت بشكل واضح تأثير عباس كامل على صناعة القرار، وحجم مشاركته في القرارات التي يتخذها السيسي منذ أن كان مديراً لمكتبه، إضافة إلى لعبه دوراً بارزاً في التخطيط للانقلاب على الرئيس محمد مرسي في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013.

أمّا على صعيد الملفات الداخلية، فقد أمسك كامل في يده بخيوط الملفات الحيوية كافة، وسط ثقة تامة من السيسي بمدير مكتبه. فأمسك بملفات السياسة والإعلام بالكامل، حتى بات يطلق عليه مسؤول الأذرع الإعلامية، وأخذ يوجّه الدولة عبر شاشات التلفاز وصفحات الجرائد اليومية، كما يشاء، من خلال تعليماته للإعلاميين ورؤساء التحرير الذين لا يمكنهم مخالفتها.

ولم يغفل كامل في هذا الإطار، أن يفرض حول نفسه هالة كبيرة من الغموض والهيبة، فحرص من وقت لآخر على التنكيل بمن يسعى للزجّ باسمه في المشهد وإخراجه من الظل، أو الإساءة إليه. وكان خير دليل على ذلك ما قام به مع الإعلامي والنائب البرلماني السابق توفيق عكاشة، الذي كان يلقّب في دوائر الإعلام الموالية للانقلاب بـ"مفجّر ثورة 30 يونيو"، نظراً للدور الذي أداه في تأجيج المواطنين ضدّ مرسي، فنزل في نهاية الأمر من قمة الأضواء بعد أن أطلق عكاشة قذائفه صوْب رجل السيسي الأول، كاشفاً بعض الأسرار الخاصة بإدارته للمشهد الإعلامي والسياسي وتحكّمه فيه. ولكن سرعان ما جاء الردّ عنيفاً، وتمّت الإطاحة بعكاشة من البرلمان وإسقاط عضويته منه بشكل مهين، بعدما تعرّض للضرب بالحذاء تحت قبة البرلمان من جانب أحد النواب. ولم يكتفِ "رئيس الظلّ" بذلك، فتمّ إخراج الملفات السرية لعكاشة من الأدراج، ليقف أمام القضاء، وتتم محاكمته بتهمة تزوير شهادة الدكتوراه الحاصل عليها، ويصدر ضده حكم بالسجن.

إلى ذلك، قال مصدر دبلوماسي رسمي إنّ "وزارة الخارجية تحوّلت أخيراً لسكرتارية للسيد عباس كامل، بعدما تمّ نقل الملفات المهمة كافة إليه. فباتت الوزارة والوزير مجرّد مسؤولين عن إدارة شؤون المصريين في الخارج، بعيداً عن الأبعاد السياسية والدبلوماسية للقضايا الإقليمية التي تعدّ مصر طرفاً فيها، والتي باتت جميعها من اختصاص عباس كامل، ليتحوّل وزير الخارجية المصري لدور منظّم البروتوكولات لرئيس الاستخبارات الحالي".

وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد"، أنّه "بعدما كانت تحرّكات جهاز الاستخبارات المصرية في الملفات والأزمات المختلفة، داعمة لدور الخارجية، بات الجهاز، وبالتحديد رئيسه الجديد، هو المهيمن على القرار بالكامل. وبعدما كانت تحرّكات الجهاز سريّة لا يجرؤ الإعلام على تناولها، أصبحنا نرى مواد خبرية تصل لدرجة الإعلان مدفوع الأجر، عن جهود الجهاز في القضايا المختلفة، مثل السودان والقضية الفلسطينية، ويتم نشر تلك المواد بتكليفات واضحة وصريحة للمسؤولين عن وسائل الإعلام".

ولعلّ أحد الأدوار المهمة الأخرى التي كلّف السيسي ظله بها، أخيراً، كانت إعادة هيكلة جهاز الاستخبارات والسيطرة عليه، بعدما كانت هناك قناعة لدى ساكن قصر الاتحادية بأنّ الجهاز خارج عن سيطرته، وهناك تململ يمثّل نواة صراع بين الأجهزة، فتمّت الإطاحة بفوزي، وتكليف كامل بإدارة الجهاز. فأخذ الأخير يعيد ترتيب الأوراق داخله، وأطاح بكل مَن تدور حولهم الشبهات، وأحالهم إلى وظائف شبه إدارية، واستبدلهم برجال تابعين له من أجهزة أخرى، مثل الاستخبارات الحربية.

وقبل تركه لقصر الاتحادية كمدير لمكتب السيسي، وانتقاله لممارسة مهامه كرئيس لجهاز الاستخبارات العامة في منطقة كوبري القبة، لم يفوت كامل أن يؤمّن نفوذه، خصوصاً أنّه سيبتعد عن أُذن الرئيس ولو ظاهرياً، فأسّس جهازاً أمنياً جديداً داخل مؤسسة الرئاسة، تولّى الإشراف عليه، من اختصاصه إعداد تقارير رقابية عن الأجهزة والوزارات السيادية المختلفة، على أن يكون تابعاً لإدارته مباشرة، ولا يطّلع على تقاريره سوى هو ورئيس الجمهورية.