حفتر يزور موسكو: طلبُ دعم أم محاولة إجهاض للمساعي الأميركية بليبيا؟

23 اغسطس 2018
لم تنس موسكو إقامة حفتر بالولايات المتحدة(فاسيلي ماكسيموف/فرانس برس)
+ الخط -



أكدت مصادر مقربة من اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، اليوم الخميس، عزمه التوجه إلى العاصمة الروسية موسكو خلال الساعات المقبلة، في زيارة غير رسمية سيلتقي خلالها عدداً من المسؤولين الروس.

وتأتي زيارة حفتر بعد أيام من لقاء لم يعلن عنه رسمياً، وجمعه بالدبلوماسية الأميركية ونائبة المبعوث الأممي إلى ليبيا، ستيفاني وليامز، التي تعكس تحركاتها رغبة أميركية في الانخراط بشكل أكبر في الملف الليبي.

وكانت مصادر مقربة من حفتر قد كشفت عن طلب وليامز منه وقف عملياته العسكرية وإطلاق المعتقلين في سجونه، مقابل حفظ دور بارز له ضمن خطة تقودها لإحياء المباحثات السياسية مجدداً في البلاد تحت مظلة الأمم المتحدة.

وليس واضحاً ما إذا كانت زيارة حفتر إلى موسكو، تعكس رفضه المطالب الأميركية ومحاولة منه لجرّ موسكو إلى ساحة الصراع الليبي، أم أنها تأتي في سياق رغبته في إجراء مباحثات مع حلفائه الروس، في ظل المستجدات الأميركية الأخيرة.

وكان المتحدث باسم قوات حفتر، العميد أحمد المسماري، قد طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن "يتدخل شخصياً للقضاء بشكل مباشر على اللاعبين الأجانب في ليبيا"، مطالباً إياه خلال مؤتمر صحافي عقده في الثامن من شهر آب/أغسطس الحالي، بأن يعتبر ليبيا كسورية، قائلاً إن "ما يحدث في سورية، يحدث في ليبيا، فالشعب الليبي يبحث عن حليف قوي مثل روسيا"، وهو ما فسّره مراقبون على أن حفتر يعاني ضعفاً وانهياراً كبيرَين، خاصة بعدما رفضت دول حليفة له كمصر، دعمه في قراره بالاستيلاء على موارد النفط، وخضوعه بشكل مفاجئ لأوامر أميركية غير معلنة بالتراجع عن قراره بالسيطرة على هذه الموانئ وإعادة حركة التصدير لصالح مؤسسة النفط، التابعة لحكومة الوفاق.

وتعليقاً على الزيارة، رأى الخبير الأمني الليبي محيي الدين زكري، أن "العوامل والمستجدات في ليبيا أثرت بشكل كبير في حفتر، فتصريحات المقربين منه بدت ارتجالية بشكل كبير وأظهرت ضعفاً ووهناً شديدَين"، مشيراً إلى أن "بداية ضعفه بدأت بعدم تأييد مصر قراره بالاستيلاء على موارد النفط عقب إعلانه عزمه على نقل تبعية موانئ النفط إلى مؤسسة موازية في بنغازي في يونيو/حزيران الماضي".

وأضاف زكري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حفتر لم يعد كما كان قبل فترة مرضه الغامض وعودته من باريس، فمواقف كثيرة لداعميه أظهرت تراجعاً، على رأسها موقف باريس التي ذهبت بشكل علني لدعم حكومة الوفاق في طرابلس، ولم تعد تعكس تصريحات مسؤوليها اقتراباً سياسياً أو دعماً لمواقف حفتر"، مشيراً أيضاً إلى أن قرار الأخير باقتحام درنة إثر رجوعه من رحلة علاجه "جاء ارتجالياً، إذ لم يحقق له أي مكسب سياسي أو عسكري كما يظهر".

وتابع الخبير الليبي أن حفتر "حاول التعويض بقرار الاستيلاء على النفط، لكن أياً من الدول الداعمة له، بما فيها روسيا، لم توافقه، بل عارضت القرار، حتى جاءت النتائج عكسية بالنسبة إليه"، لافتا إلى أن "المحيطين بحفتر، وليس المسماري فقط، تعكس تصريحاتهم قلقاً كبيراً من الانتخابات المقبلة التي يسعون إلى عرقلتها بأي شكل، إذ إن عقدها خلال العام الحالي، أو حتى في أي وقت كان، على أساس الدستور، سيفقدهم جناحهم السياسي الممثل في مجلس النواب، والذي يوفر لحفتر كل القرارات السياسية التي تشرعن حراكه العسكري".


وفيما اعتبر زكري أن زيارة حفتر روسيا لا تعدو كونها
"تسولاً سياسياً"، وصف الخبير في الشأن الليبي الجيلاني ازهيمة، حفتر بـ"المراوغ الذي يسعى إلى إجهاض المساعي الأميركية الجديدة في البلاد".

وأشار في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنه "إلى الآن، لم يتحدد بشكل جلّي موقف حفتر، ومَن وراءه، من الانتخابات. فهل يذهب إلى تأييد إعلان باريس الذي نص على إجرائها نهاية العام الحالي، أم يؤيد موقف إيطاليا ومِن ورائها الولايات المتحدة، واللتين تتحدثان عن ضرورة تأجيلها"، معتبراً أن حفتر "غامض في أغلب مواقفه، ويفضل أن يتابع من بعيد لاقتناص فرصه".

كما اعتبر أن زيارة حفتر روسيا حالياً سيستثمرها لتصعيد أكبر، من خلال التلويح بأنه يطلب دعم موسكو في رفع حظر توريد السلاح لصالحه، أو من خلال إحياء الحديث عن الاتفاقية الليبية - الروسية التي وقعت عام 2008 في الفترة ذاتها التي وقعت فيها اتفاقية الصداقة الليبية - الإيطالية، التي تعول عليها حكومة الوفاق وحليفتها روما بشكل كبير، وتسعيان إلى إحيائها.

ولفت الخبير الليبي إلى أن "هدف حفتر من هذه الزيارة المفاجئة خلق حالة من الشعور بالصدمة لدى المهتمين بالشأن الليبي محلياً ودولياً، وتشتيت الجهود الحالية، سواء من خلال إحياء جهود الحوار السياسي أو الانتخابات"، مبيناً في الوقت ذاته "إدراك حفتر أن موسكو تتعامل معه بحذر، وأنها لم تنس أنه عاش لفترة 20 عاماً في الولايات المتحدة إثر ملاحقة القذافي له".

وختم ازهيمة أن "حفتر يستثمر عدم التوافق في موسكو حوله، لا سيما في الكرملين المنشق بين من يذهب لدعمه ومن يذهب لتطوير العلاقة مع طرابلس، وبالتالي فإن أي بيان يصدر عن الجانب الروسي على خلفية هذه الزيارة، لن يعبر عن موقف روسي واضح، وهو ما يخدم مذهب حفتر الرامي إلى التشغيب والتشويش على أي توافق دولي بشأن ليبيا لا تكون روسيا حاضرة فيه بشكل واضح"، مشيراً إلى أن الدول المهتمة بليبيا لن تجازف بتغييب روسيا عن أي جهد من شأنه بلورة رؤية موحدة، في الملف الليبي.
المساهمون