"مؤتمر" صالح... استحواذ حوثي تام

16 اغسطس 2018
آخر حشد جماهيري لـ"المؤتمر" كان بأغسطس 2017(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -


منذ قتلهم للرئيس اليمني علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2017، استكمل الحوثيون استحواذهم على المؤسسات الرسمية في صنعاء، واستقطابهم لمن تبقّى خارج دائرة هيمنتهم المباشرة، من موظفي الإدارة العامة، ورموز وقيادات حزب "المؤتمر الشعبي العام"، والوجهاء الاجتماعيين الموالين له في المحيط القبلي، وأصبحت قيادات الحزب في صنعاء خاضعة للحوثيين وغير قادرة على مجرد إحياء ذكرى تأسيس الحزب، أو حتى المطالبة بالكشف عن مصير جثة مؤسس ورئيس الحزب الذي قتله الحوثيون، وقتلوا حزبه معه معنوياً على الأقل.

مفترق طرق
في أغسطس/ آب من العام الماضي، وصل التحالف بين جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحزب "المؤتمر" بقيادة صالح حينها، إلى مفترق طرق، ومثّلت فعالية إحياء الذكرى الـ35 لتأسيس الحزب في 24 أغسطس 2017 آخر حشد جماهيري كبير لـ"المؤتمر" انتهى بخيبة أمل بالغة لأعضائه، كرست قناعتهم بأن صالح لم يعد قادراً على مواجهة الحوثيين، ولا على الاستمرار بالتحالف معهم أيضاً. فخطابه الذي وعدهم به واحتشدوا للاستماع إليه من مختلف مناطق اليمن، تحوّل إلى عبارات قصيرة بلا مضمون، إذ كانت فوّهات الدبابات الحوثية في جبل عطان موجّهة نحو صالح وميدان السبعين ومستعدة للإطلاق عند أي زلة لسان ضدهم.

حزب "المؤتمر" الذي حكم اليمن 30 عاماً بقيادة صالح (1982 -2012)، أصبح بلا مقرات رسمية بعد تدمير بعضها من قبل التحالف، وبعضها الآخر من قبل الحوثيين، ومصادرة الأخيرين للمقرات البديلة، لتضطر قيادات "المؤتمر" في صنعاء إلى عقد اجتماعها في فندق تحت ضغوط حوثية.
وأواخر 2017 ومطلع 2018، تعرّض حزب "المؤتمر" للانقسام الثالث، بعد انقسامات حادة على خلفية أحداث 2011، وأخرى شبيهة بها بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014، وتدخُّل التحالف العسكري بقيادة السعودية في 2015. وأصبح الحزب ضحية للسياسات نفسها التي مارسها مع أحزاب معارضة له خلال فترة حكمه لليمن، وكان آخر قوة سياسية موجودة في صنعاء بعد إنهاء كل تمثيل سياسي خلال الأعوام الأربعة الأخيرة.
شهد ديسمبر/ كانون الأول 2017، أول وأوسع عملية اعتقالات لأعضاء حزب "المؤتمر الشعبي العام"، خلال الاشتباكات التي انتهت بمقتل رئيسه علي صالح وبعدها، لدرجة قيام الحوثيين بالإفراج عن معتقلين سابقين لاستيعاب المعتقلين الجدد من المؤتمريين بعدما امتلأت المعتقلات الرسمية وغير الرسمية بهم. ومن لم يتعرض للاعتقال ولم يتمكن من مغادرة صنعاء، أصبح مرغماً على العمل وفق رغبة الحوثيين.

وبعد قرابة أسبوعين من مقتل صالح، اجتمعت قيادات من حزب "المؤتمر" في فندق بصنعاء، وأعلنت تنصيب صادق أمين أبوراس خلفاً لصالح في رئاسة الحزب، في وقت لم تستطع فيه المطالبة باستعادة مقرات وممتلكات "المؤتمر"، أو بجثة صالح، أو حتى إدانة قاتليه. وبعد أسبوعين آخرين، في 25 يناير/ كانون الثاني 2018، اجتمع أعضاء البرلمان، وهم جميعاً عدا عدد لا يتجاوز أصابع اليد ينتمون لـ"المؤتمر"، وقال رئيسه يحيى الراعي، وهو الأمين العام المساعد للحزب، في كلمته يومها، إن البرلمان وحكومة صنعاء والمجلس السياسي كتلة واحدة، والنواب "لن يخضعوا للابتزاز سواء من خارج اليمن أو داخله".

اعترضت قيادات "المؤتمر" في الخارج، سواء تلك الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي، أو التي لا زالت موالية لصالح، على اجتماعات وقرارات قيادات "المؤتمر" في صنعاء. لكن الاعتراض لم يمنع استمرار قيادات صنعاء بنشاطها، لتُصدر في 13 فبراير/ شباط الماضي قرارات بتعيين يحيى السياغي رئيساً لدائرة العلاقات الخارجية في الحزب بدلاً من أبوبكر القربي، وزير الخارجية الأسبق، وأحد أبرز قيادات "المؤتمر" في الخارج التي تعمل على إعادة لملمة الحزب وترتيب علاقاته مع القوى المحلية والإقليمية والدولية. كما تم تعيين يونس هزاع بدلاً من خالد الرضي المقرب من صالح والذي قتله الحوثيون في 26 أغسطس/ آب 2017 وكان يشغل منصب نائب رئيس الدائرة السياسية لـ"المؤتمر"، لتبلغ علاقات الحوثيين بالمؤتمر ذروة التوتر يومها. كما قرر أبوراس في 20 يونيو/ حزيران الماضي تصعيد 9 أعضاء إلى اللجنة العامة، أعلى هيكل تنظيمي للحزب، والكثيرين منهم أقرب للحوثيين من "المؤتمر".


السيطرة الكاملة

غادرت السفارة الروسية صنعاء، بعد أيام قليلة من مقتل صالح، بعد أن كانت آخر سفارة أجنبية تعمل من العاصمة اليمنية، وتراجعت المنظمات التابعة للأمم المتحدة عن إجلاء موظفيها في صنعاء بعد انتهاء الاشتباكات بين الحوثيين وحلفاء صالح، وأصبح الحوثيون القوة الوحيدة في صنعاء والمحافظات الشمالية الواقعة تحت سيطرتهم.
كان من المفارقات أن عدن شهدت اشتباكات مماثلة لما حدث في صنعاء، في ما بدا أنها لعبة تصفيات للتخلص من قوى وتمكين أخرى، إذ كادت القوات التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" أن تنفرد بالمشهد في عدن، لولا ضغوط سعودية أوقفت اشتباكاتها مع القوات الموالية لهادي، ولم تعد موازين القوى إلى سابق عهدها حتى الآن.

وأجبر الحوثيون الغالبية العظمى، إن لم يكن كل موظفي القطاع العام العسكري والمدني، على الالتحاق بما يسمونه "دورات ثقافية"، وهي دورات يتم فيها تلقين المستهدفين فكر الجماعة ومبادئها، وتستمر حسب أهمية المستهدفين بين بضعة أيام وبضعة أسابيع، ولا يُسمح فيها باستخدام أي وسيلة اتصال مع العالم الخارجي. كما تُعقد في أماكن لا يعرفها المشاركون أنفسهم، إذ ينقلون إليها بوسائل معتمة لا تسمح بمعرفة المحيط. وقام الحوثيون بعملية فرز وتقييم لهؤلاء، ليتم تمكين من ثبت ولاؤه، وإقصاء من حضر تلك الدورات لمجرد الخوف من عواقب الرفض ولم يحصل على صك الرضا من مشرفي الجماعة، أو تهميشه على الأقل إن كان من أصحاب الوظائف الدنيا.
كما تم فرض محاضرات إجبارية كل أربعاء لزعيم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) عبدالملك الحوثي في كل مرافق الدولة، وتوزيع محاضرات حسين الحوثي، مؤسس الجماعة وشقيق زعيمها الحالي، على المدارس والجامعات والمراكز الصيفية بشكل غير مسبوق، بالتزامن مع حظر أي نشاط منافس لأي طرف آخر.

في المقابل، تمكن قرابة 13 برلمانياً من "المؤتمر" من مغادرة صنعاء إلى وجهات مختلفة، حسب تصريحات صحافية متنوعة، وأصبحت شراكة "المؤتمر" في حكومة صنعاء بلا معنى، بعد استبدال وزراء مؤتمريين بآخرين حوثيين، كوزارة الصحة، وتعيين نواب ووكلاء لمن بقوا يتمتعون بالقرار الأول في وزاراتهم، كوزارات الخارجية والتعليم العالي، وتم اختزال الحكومة من الطرفين على عدد لا يتجاوز سبعة أشخاص يعملون كحكومة حوثية مصغرة لا علاقة لـ"المؤتمر" بها، ولم تعد حكومة صنعاء تعقد اجتماعاتها الأسبوعية، كما لم تعد لرئيسها أي سلطة فعلية على حكومته.

كذلك فإن مقتل رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد، في 19 إبريل/ نيسان الماضي، ساهم في تصعيد حدة المواقف الحوثية من أعضاء "المؤتمر" والشراكة معهم حتى بشكل صوري، فقد كانت له علاقات طويلة معهم بعكس خليفته في رئاسة المجلس مهدي المشاط، الذي يشكّل مع رئيس اللجنة الثورية العليا التابعة لـ"أنصار الله" محمد علي الحوثي وعم زعيم الجماعة عبدالكريم الحوثي، جناحاً متشدداً يدير الجماعة بكل تفاصيلها، ويهيمن على كل القرارات من دون أي اعتبار لوجود الحكومة.

وحرص الحوثيون على إكمال هذا الاستحواذ والانفراد في مناطق الشمال الواقعة تحت سيطرتهم، وتشكيل هيئة جديدة للزكاة من دون موافقة البرلمان ولا إقراره للقانون المنظّم لعملها، الذي يحتوي حقوقاً حصرية للحوثيين بناء على الانتماء السلالي. كما عيّنوا عشرات الأعضاء الجدد في مجلس الشورى، في ما بدا محاولة لزحزحة أو إزاحة البرلمان الذي لا يملكون فيه بشكل واضح سوى عضو واحد هو شقيق زعيم الجماعة ووزير التربية في حكومة صنعاء غير المعترف بها، وعضوين آخرين انضما أخيراً للجماعة.

خسائر مقابلة

على الرغم من مكاسبهم، فقد خسر الحوثيون منذ فك تحالفهم مع "مؤتمر ـ  صالح" الكثير من الأراضي التي كانت تحت قبضتهم، في حجة والبيضاء والجوف وصعدة. ولكن الخسارة الأكبر كانت في الساحل الغربي، بعد قيادة طارق صالح لقوات عسكرية شاركت في السيطرة على المناطق الممتدة بين مدينة الحديدة وميناء المخا في محافظة تعز على ساحل البحر الأحمر، وكادت تلك القوات مع "المقاومة التهامية" و"ألوية العمالقة" الموالية لهادي أن تُسقط الحديدة لولا الضغوط الدولية لإيقاف المعركة في الأسابيع الأخيرة، والانخراط في جهود السلام التي يقودها المبعوث الأممي إلى اليمن البريطاني مارتن غريفيث، وقد تنتج عنها مشاورات بين الحوثيين وحكومة هادي مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل في جنيف، وفق الموعد الذي حدده غريفيث.

وبعد قتلهم صالح وإزاحتهم "المؤتمر" من الشراكة عملياً، رفع الحوثيون أسعار الوقود رسمياً إلى الضعف، ولم يسلّموا الموظفين الحكوميين غير راتب شهر واحد على دفعتين كل منها نصف راتب. وبعد أن كانوا يلقون بالتهمة على شركائهم في "المؤتمر" بعرقلة دفع المرتبات وافتعال أزمات الوقود ورفع أسعارها، أصبحوا مكشوفين أمام الرأي العام بشكل كامل، لكن هذا الرأي العام يبقى من دون حراك ولا قيادة.

اليوم لا يمكن الوقوف في أي منطقة مفتوحة في صنعاء من دون مصادفة شعارات الجماعة أو صور قتلاها، وبعدما كانت صور صالح ونجله أحمد تباع إلى جانب صور زعيم "أنصار الله" ومؤسسها في تقاطع الشوارع في صنعاء، أصبح رفع صورة أي منهما تهمة تؤدي إلى الاعتقال. وبعدما كانت هناك صحيفة واحدة إلى جوار صحف الحوثيين توزع بصنعاء وهي صحيفة "اليمن اليوم"، أصبحت صنعاء خالية من أي وسيلة إعلام تتبع لأي طرف آخر في اليمن.