سيناريوهات 2019 الجزائرية: بين التمديد لبوتفليقة أو انتخابات داخلية

22 يوليو 2018
سنّ بوتفليقة قد يدفعه لعدم الترشح مجدداً (العربي الجديد)
+ الخط -

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة ربيع العام 2019 في الجزائر، تتزايد التخمينات والتساؤلات حول السيناريوهات المحتملة لهذه الانتخابات ومخرجاتها، خصوصاً أن السلطة لم تحسم خيارها السياسي، أو لم تعلن عنه بعد حتى الآن على الأقل. وإذا كانت مخرجات هذه الانتخابات غير مفاجئة لأي طرف، بحكم هيمنة السلطة وقدرتها التقنية والسياسية على وضع مرشحها، أياً كانت هويته، فإن السيناريوهات لن تخرج عن اثنين محتملين، ولاية رئاسية خامسة للرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة في شكل تمديد مؤقت، أو خروج مشرف له، وما يتبع ذلك من انتخابات مفتوحة بين مرشحي السلطة نفسها.

ولا يخفي جزء من رجالات الحكم في الجزائر في الجلسات المغلقة، قلقهم من إمكانية استمرار بوتفليقة في الحكم بعد عام 2019، بسبب وضعه الصحي وغموض المآلات السياسية. لكن الوضع السياسي وحساسية المناصب التي يشغلونها لا تتيح لهم الإعلان عن مواقف كهذه. بينما تبدو المواقف المعلنة بين الشخصيات والكتل المؤثرة في صناعة القرار في الجزائر متقاطعة، أو هكذا تبدو، في اتجاه القبول بمنح بوتفليقة تفويضاً لولاية رئاسية خامسة في شكل تمديد يمتد لفترة قصيرة بعد 2019، بما يتيح الفرصة لهذه الكتل للتوافق على خليفة بوتفليقة وتنظيم انتقال سلس للسلطة، وفي ظل صراع ظاهر ومحموم بين مجموعات في السلطة وسياسيين مقربين من الرئيس نفسه، وخلافات بين قادة أجهزة أمنية برزت بمناسبة قضية "كوكايين غيت".

ثمة سيناريو ثان يصبّ فيه تسارع وتزايد لوائح المناشدة لبوتفليقة من قبل الأحزاب والمنظمات الموالية له، وصخبها السياسي الأخير في الجزائر بشأن الضرورة السياسية لولاية رئاسية خامسة لبوتفليقة، وخلق حالة من شبه الإجماع لدى الرأي العام في الجزائر بأن الرئيس الحالي يتوجّه فعلاً إلى إعلان ترشحه. لكن جزءاً هاماً من النخب السياسية يذهب إلى إدراج المناشدات الأخيرة للقوى الموالية للسلطة، ورفع سقف الدعوات لبوتفليقة للترشح لولاية رئاسية خامسة، ضمن سيناريو يستهدف توفير مخرج مشرف وتاريخي للرئيس الجزائري، بما يتيح له الإعلان عن "التعفف السياسي" والتنحي من الحكم بخروج مهيب، بالقدر نفسه الذي خلّفه خروج الرئيس السابق ليامين زروال، الذي انتُخب عام 1995، وقرر في سبتمبر/ أيلول 1998 تنظيم انتخابات مسبقة لا يترشح فيها في إبريل/ نيسان 1999، حملت بوتفليقة إلى سدة الحكم، وأبقت هامشاً كبيراً من الاحترام لدى الطبقة السياسية لزروال حتى الآن. ويعتقد مراقبون أن هذا المخرج السياسي لا تحكمه الاعتبارات السياسية بقدر ما يخضع لقانون البيولوجيا، بسبب تقدّم بوتفليقة في السن وتداعيات وعكته الصحية التي ألمّت به منذ إبريل 2013، والتي قد تفرض عليه التنحي من الحكم.


لكن سيناريو تنحي الرئيس الحالي له ما بعده، ويمتد إلى فصل إضافي يتعلق بتأمين خليفة له في الحكم، عبر انتخابات مفتوحة داخل السلطة نفسها، تدفع فيها الأخيرة بمرشحَين عنها، يمثّل كل واحد منهما أحد حزبيها الرئيسين، "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، يتنافسان في استحقاق انتخابي يبدو للعيان مفتوحاً، فيما تكون السلطة بتقاطعاتها المختلفة قد اختارت مسبقاً مرشحها الفعلي الذي تؤول إليه نتيجة هذه الانتخابات. ويُطرح في هذا السياق اسما كل من رئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى، الذي يقود حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، ووزير الطاقة السابق شكيب خليل، الذي تتبنّاه "جبهة التحرير الوطني"، بصفته أحد أبرز رجالات بوتفليقة. ويبرر ذلك دخول الرجلين منذ فترة في حالة من التنافس الإعلامي والسياسي المعلن، وصلت حد المناوشات الكلامية عبر الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة، إذ اتهم شكيب خليل في تصريحات وبيانات، أحمد أويحيى بمغالطة الشعب وانتهاج سياسات تخدم المصالح الفرنسية، فيما رد الثاني بشخصه أو عبر متحدثين باسم "التجمع الوطني الديمقراطي"، بوصف شكيب خليل بأنه رجل تنكّر لمواقف أويحيى المساندة له في محنته مع جهاز المخابرات في عام 2014.

ومنذ عودته إلى الجزائر في مارس/ آذار 2016، يبذل شكيب خليل جهوداً كبيرة ويتخطى مراحل منتظمة، لكنها تبدو مبرمجة، في سياق عودته إلى الحياة السياسية. فمباشرة بعد عودته، فضّل خليل، على الرغم من حساسية قضيته المتهم فيها بالفساد ودقة الظرف السياسي الذي تلى إقالة قائد جهاز المخابرات محمد مدين في سبتمبر/ أيلول 2015، القيام بسلسلة إطلالات إعلامية شرح في بعضها تفاصيل قضية الفساد الموجّهة ضده، والتي يزعم تلفيقها له من قِبل جهاز المخابرات. لكنه انتقل سريعاً إلى القيام بزيارات ولقاءات شعبية مكثّفة نظّمتها لصالحه الزوايا الدينية الموالية لبوتفليقة، ثم تطوّر حراكه السياسي إلى النخب الجامعية، حيث قاد سلسلة من اللقاءات والندوات في الجامعات تحت عناوين الطاقة والمستقبل، أتبعها لاحقاً بندوات مع الجسم الإداري في الولايات، وهو المسار الذي يعطيه صفة مشروع رئيس، خصوصاً أن الكثير من المراقبين يصفونه بالمرشح المدعوم من قبل واشنطن.

في المقابل، ومثل قطاع واسع من النخب التي تتابع تطورات الوضع السياسي في الجزائر، لا تصدق المعارضة السياسية كثيراً مزاعم رئيس الحكومة أحمد أويحيى في إعلانه الأخير دعم ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، وتعتقد أنه كان يسعى إلى حماية نفسه بعد موجة انتقادات طاولته أخيراً، وتشير إلى أن طموحاته السياسية ما زالت مرتفعة باتجاه الرئاسة. وقبل شهرين سرت معلومات عن دعوة شفوية وجهها أويحيى لقيادات حزبه بالتحضير لإمكانية ترشيح نفسه للرئاسة. ويُطرح اسم أويحيى في الجزائر كمرشح مقرب من تيار سياسي يميل إلى التعامل مع فرنسا.

وفي حال توفر سيناريو الانتخابات المفتوحة داخل السلطة وبين طرفيها، فإن ذلك في حد ذاته يُعد إنجازاً سياسياً إضافياً لبوتفليقة، بوصفه نجح في تغيير طبيعة المنافسة الرئاسية وأنجز حالة انتخابية شبيهة بتلك التي حدثت في انتخابات عام 2004، حين تنافس بوتفليقة مع رئيس حكومته علي بن فليس، الذي كان يحظى بدعم جهة في قيادة أركان الجيش والسلطة.
أمام هذا الواقع، وقبل ثمانية أشهر من موعد الاستحقاق الانتخابي، يبقى الغموض يلف المشهد السياسي في الجزائر، وبعد الصيف الساخن الذي عكّرت أجواءه قضية "كوكايين غيت" وتداعياتها، ستتضح الكثير من المؤشرات الدالة على السيناريوهات المفترض أن تنتهي إليها هذه الانتخابات.

المساهمون