معركة درعا: المعارضة ترفض الاستسلام رغم المجازر و"الاتفاقات الأحادية"

01 يوليو 2018
عشرات آلاف المدنيين قرب الحدود مع الأردن (عمر العلي/الأناضول)
+ الخط -
على وقع المجازر المستمرة بحق أهالي درعا، كان النظام السوري وروسيا يسعيان إلى فرض الاستسلام على المعارضة المسلحة في الجنوب السوري، عبر محادثات دلّت الشروط المطروحة فيها على أنها تعني تسليم كل شيء إلى النظام، مدينة درعا ومعبر نصيب والسلاح الثقيل، الأمر الذي قوبل برفض من فصائل المعارضة التي سعت إلى استعادة المبادرة والرد في الميدان، في موازاة استمرار نظام بشار الأسد وموسكو بمحاولة استفراد كل بلدة على حدة عبر عقد "اتفاقات مصالحة" معها. يأتي كل ذلك، في ظل صمت دولي مريب، اقتصر على إظهار "القلق" بشأن مصير النازحين في المحافظة الذين وصل عددهم إلى مائتي ألف شخص، ودعوة مجلس الأمن القوات المتحاربة إلى مغادرة منطقة فض الاشتباك بين سورية والأراضي الفلسطينية المحتلة.

الضغط العسكري الذي مارسه النظام وموسكو أمس بقصف عنيف أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين، خصوصاً في ريف درعا الشرقي حيث سُجلت مجزرة جديدة، بهدف التأثير المعنوي في فصائل المعارضة، لم ينجح في إجبار الأخيرة على القبول باتفاقية استسلام، بعد مفاوضات بين ممثلي المحافظة من مدنيين وعسكريين وممثلي روسيا، على الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والسويداء.

وأعلن المتحدث الرسمي باسم الغرفة المركزية لعمليات الجنوب في درعا، العميد إبراهيم الجباوي، أن الاجتماع انتهى بالفشل، موضحاً أن "الروس لم يكونوا مستعدين لسماع مطالبنا وقدّموا خياراً واحداً هو قبول شروطهم المذلة بالاستسلام، وهذا رُفض". وأشار إلى أن "المفاوضين الروس طالبوا مقاتلي المعارضة بالقبول بشروط مثل تلك المتفق عليها في الغوطة الشرقية والتي تقضي بمغادرة المقاتلين مع أسرهم إلى أراض خاضعة للمعارضة في شمال غرب سورية أو القبول بعودة سيادة الدولة". ولم يقبل مقاتلو المعارضة في الجنوب الغربي بذلك واقترحوا عودة مؤسسات الدولة المدنية في مناطق المعارضة ودخول الشرطة العسكرية الروسية وليس قوات الأسد. وكان الجباوي قال في وقت سابق، إن روسيا عرضت خلال المفاوضات التي جرت شروطاً هي أقرب للاستسلام، مثل تسليم السلاح الثقيل والمتوسط في المرحلة الحالية من قِبل فصائل المعارضة، و"تسوية" أوضاع الفارين من الخدمة العسكرية، وتسليم المطلوبين للنظام، فضلاً عن تسليم معبر نصيب الحدودي.

من جهته، أوضح الناشط الإعلامي ياسر الخطيب، لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماع الذي جرى في مدينة بصرى الشام، انتهى من دون التوصل إلى نتائج إيجابية. وأضاف أن مطالب الروس تمحورت حول تسليم السلاح الثقيل والخفيف للشرطة الروسية، ووقف إطلاق النار، وتسليم معبر نصيب الحدودي ومدينة درعا لقوات النظام، لكن المعارضة رفضت الشروط واختارت المضي في التصدي لهجوم النظام. كما أشار إلى أن هناك بعض الشخصيات لا تزال تجري مفاوضات مع الروس بشكل فردي، وقد تدخل بتسويات خاصة في قراها وبلداتها. وكان الجانب الروسي قد أعطى المعارضة الجمعة مهلة 12 ساعة، من أجل القبول بدخول قوات النظام وتسليم الأسلحة والابتعاد من معبر نصيب الحدودي.

من جهته، قال القيادي العسكري في "جيش اليرموك" التابع للجيش السوري الحر، نبيل أبو عبدو، لـ"العربي الجديد"، إن "الروس عرضوا علينا إما تأمين طريق آمن نحو إدلب، أو التسوية مع النظام، والانضمام إلى الفيلق الخامس الذي تشرف عليه روسيا". ولفت إلى الحرب الإعلامية التي يقوم بها النظام في درعا، إذ يدفع ببعض الموالين له في بعض البلدات للإعلان عن تأييدهم النظام في غفلة من فصائل المعارضة، أو حرصاً منها على عدم إثارة بلبلة داخلية، ومن ثم يعلن سقوط تلك المنطقة، أو يوحي بذلك على الأقل مما يمهد لسقوطها فعلاً. وقال إن العديد من البلدات سقطت على "واتساب" و"فيسبوك" قبل سقوطها فعلياً بيد النظام، وبعضها لم يسقط حتى الآن، وما زالت قوات النظام بعيدة جداً منها.

وقبيل الإعلان عن فشل المفاوضات، كان النظام يواصل قصفه، وارتكب الطيران المروحي التابع له مجزرة جديدة بحق المدنيين في ريف درعا الشرقي قتل خلالها أكثر من عشرين شخصاً، وأصيب العشرات. وقالت مصادر محلية إن مروحيات النظام ألقت براميل متفجرة على بلدة غصم في الريف الشرقي لمحافظة درعا، ما تسبب في مقتل وإصابة العشرات من أهالي البلدة، ومن النازحين إليها من البلدات الأخرى. وذكرت مصادر أخرى أن الطائرات ألقت قنبلتين ضخمتين على محيط البلدة، استهدفت إحداهما تجمعاً للنازحين ما أدى إلى مقتل 22 مدنياً وجرح آخرين. وتضم البلدة أكثر من 80 ألف نسمة معظمهم نازحون من القرى التي تشهد قصفاً من قوات النظام وروسيا.

كما قصف الطيران الحربي الروسي بلدات أخرى في الريف الشرقي من درعا، على الرغم من الهدنة التي كان يفترض أن تكون سارية المفعول حتى منتصف يوم أمس. واستهدف القصف خلال الهدنة وبعدها، بلدات الجيزة، كحيل، المسيفرة، الغرية. كما قصفت المقاتلات الحربية التابعة للنظام مناطق قرب معبر نصيب الحدودي مع الأردن في ريف درعا الجنوبي، إضافة إلى أم المياذن والطيبة وصيدا والغارية الغربية ونصيب والسهوة ونوى الواقعة في القطاعين الغربي والشرقي من ريف درعا، فيما قصفت قوات النظام بصاروخ من نوع أرض-أرض بلدة الجيزة، ما أحدث دماراً كبيراً.

في غضون ذلك، تواصلت الاشتباكات بين الطرفين بوتيرة متصاعدة على محاور درعا البلد وطريق السد في مدينة درعا، وسط محاولات فاشلة من قبل قوات النظام للتقدّم على حساب الفصائل التي تمكّنت من صد الهجمات وإيقاع خسائر بشرية في صفوف المهاجمين على محور درعا البلد. كما استمرت الاشتباكات بين الطرفين على محاور بصرى الشام والكرك الشرقي في القطاع الشرقي من ريف درعا، ترافق مع إعطاب وتدمير مقاتلي الفصائل مزيداً من الآليات التابعة للنظام، إضافة إلى سقوط عشرات القتلى في صفوف قواته. وتمكنت فصائل الجيش الحر عصر أمس من استعادة السيطرة على بلدة السهوة وأجزاء واسعة من بلدة الجيزة، في ريف درعا الشرقي، عقب معارك عنيفة مع قوات النظام.

من جهتها، أعلنت قوات النظام أنها تمكنت من قطع إمداد فصائل المعارضة بين ريفي درعا الشرقي والغربي، بعد رصد الطريق الحربي الواصل بينهما. وذكر "الإعلام الحربي المركزي" أن قوات النظام سيطرت على تل الزميطية غرب مدينة درعا والمشرف على الطريق الحربي الواصل بين ريف درعا الشرقي والشمالي الشرقي وريف درعا الغربي والشمالي الغربي، مشيراً إلى أن التقدّم مستمر للسيطرة بشكل كامل على كتيبة الدفاع الجوي الواقعة جنوب غربي درعا البلد. وتنفي فصائل المعارضة حصول أي تقدّم لقوات النظام على هذا المحور، فيما أشارت مصادر محلية إلى أن قوات النظام تقدّمت إلى بعض التلال المطلة على الطريق الحربي، لكنها لم تثبت فيها بسبب المقاومة من قِبل فصائل المعارضة. وتحاول قوات النظام محاصرة أحياء درعا البلد، عن طريق السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي من الجهة الغربية ومنطقة غرز في الريف الشرقي.

ورأى مراقبون أن تصعيد القصف يأتي في محاولة من النظام وروسيا للضغط على المدنيين للدخول في مصالحات أحادية مع النظام، والضغط على الفصائل لقبول شروط "تسوية" شاملة لمحافظة درعا. وعلى هذا الصعيد، واصل النظام محاولاته عقد اتفاقات "مصالحة" منفردة مع بعض مدن وبلدات حوران في الريفين الشرقي والغربي. ودخلت الشرطة الروسية وبعض العناصر من قوات النظام إلى بلدة داعل في الريف الغربي بعد دخول مدينة ابطع، أمس الأول الجمعة، بينما تُوجّه قوات النظام أنظارها إلى بلدة طفس المجاورة. وقالت بعض المصادر إن وفداً من أهالي طفس خرج إلى مناطق النظام، للسماح للشرطة الروسية بالدخول إليها أيضاً، بعيداً من الأعمال العسكرية. كما ذكرت وسائل إعلام موالية للنظام أن قوات الأخير دخلت بلدات الكرك الشرقي، والغارية الغربية والغارية الشرقية في الريف الجنوبي الشرقي لدرعا بموجب "اتفاق مصالحة" مع تلك البلدات، وهو ما نفته مصادر محلية، واعتبرت أن ذلك يدخل ضمن دعايات النظام، بهدف التأثير في معنويات الأهالي والمقاتلين.

في غضون ذلك، أعلنت منظمة الدفاع المدني السوري العاملة في محافظة درعا، أمس السبت، أن أعداد النازحين الهاربين من العمليات العسكرية في محافظة درعا، تجاوزت الـ200 ألف، فيما حذرت الأمم المتحدة من كارثة إنسانية نتيجة التزايد المضطرد في أعداد النازحين.

وفي ظل استمرار السكوت الدولي، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، جميع الأطراف إلى وقف فوري للأعمال القتالية في جنوب غربي سورية. وقالت هيئة الأمم المتحدة في بيان على موقعها إن "الأمين العام قلق للغاية إزاء الهجوم العسكري في جنوب غربي سورية وتزايد عدد الضحايا بين السكان، ويدعو إلى وقف فوري للعمليات القتالية".

من جهته، دعا مجلس الأمن الدولي إلى الحفاظ على منطقة "فض الاشتباك" في الجولان، الفاصلة بين سورية والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمديد مهمة القوات الأممية في المنطقة. وأعلن المجلس في بيان له أمس السبت تجديد مهمة قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أندوف) لمدة ستة أشهر، وقال إنه يجب على جميع الأطراف المسلحة أن تغادر المنطقة.

المساهمون