أنهت المحكمة الاتحادية العراقية، أمس الخميس، أزمة التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات العراقية، وما أعقبها من قرارات صدرت عن البرلمان تطعن بالانتخابات وتفرض إعادة عد وفرز الأصوات يدوياً، رفضها رئيس الجمهورية فؤاد معصوم وكتل سياسية فائزة بالانتخابات، وقُدمت طعون للمحكمة حولها.
وجاءت قرارات المحكمة الاتحادية العراقية متوافقة مع توقعات المراقبين، إذ أيدت قرار البرلمان بإعادة العد والفرز اليدوي لأصوات الناخبين بعموم مدن العراق، وانتداب قضاة بدلاً من مفوضية الانتخابات التي تم تجميد عملها وفرض إقامة إجبارية على أعضائها ومنعهم من السفر، بينما رفضت إلغاء أصوات ناخبي الخارج والنازحين، باعتباره قراراً مخالفاً للدستور وهدراً لأصوات الناخبين وحرمانهم من التعبير عن آرائهم. وقال رئيس المحكمة، مدحت المحمود، في مؤتمر صحافي: "تجد المحكمة أن توجه مجلس النواب بإعادة العد والفرز إجراء تنظيمي لعملية الانتخابات العامة وإعادة اطمئنان الناخب إلى العملية الانتخابية ووفق صلاحيته المنصوص عليها في الدستور. وليس في هذا التوجه مخالفة لأحكام الدستور". وأشار إلى أن النتائج التي "شابتها المخالفات، كالتزوير وغيره، والتي رفعت بشأنها شكاوى إلى المفوضية، يمكن إرجاء إعلان نتائجها إلى حين البت فيها سلباً أو إيجاباً".
وبنطق المحكمة بالقرارات القضائية الاتحادية تكون أزمة "الطعون الانتخابية" قد طويت بإلزام جميع الأطراف السياسية والتنفيذية بالقرارات والعمل بموجبها. ووفقاً للمستشار القانوني في مجلس القضاء الأعلى، أحمد عبد الرحمن العبيدي، فإن "النتائج التي أعلن عنها سابقاً استناداً إلى العد والفرز الإلكتروني باتت ملغاة وغير معترف بها". وقال العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "القضاة المنتدبين انتهوا من وضع خطة كاملة لبدء عملية العد والفرز، وكانوا ينتظرون قرار المحكمة للبدء بعملية العد والفرز بشكل يدوي في عموم مدن العراق تحت حماية مشددة واستقلالية تامة، وسيتم منع أي سياسي أو مسؤول حكومي من الدخول إلى مراكز العد والفرز الموجودة في 21 مكاناً في العراق، بينها ثلاثة في بغداد". وكشف عن أن "عملية العد والفرز اليدوي ستكشف جرائم التزوير والتلاعب، لذا من المرجح أن تصدر مذكرات اعتقال قضائية بشكل مستمر طيلة فترة العد والفرز اليدوي"، مؤكداً أن "الفترة المتوقعة لإنجاز العملية ستأخذ بين 10 أيام وأسبوعين". وأشار إلى أنه ستتم إعادة فرز وعد أصوات الخارج والنازحين يدوياً أيضاً.
في هذه الأثناء، أكدت مصادر سياسية عراقية في بغداد ارتفاع عدد مذكرات الاعتقال القضائية بحق المتورطين بعمليات تزوير أو حرق مخزن المفوضية في بغداد مطلع يونيو/ حزيران الحالي إلى 39 مذكرة، طاولت موظفين ومسؤولين داخل المفوضية، لم تنفذ غالبيتها حتى الآن بسبب عطلة عيد الفطر. وتوقع نائب عراقي أن تصدر مذكرات أخرى تطاول عدداً من أعضاء مجلس المفوضين بتهمة التزوير والتلاعب لصالح جهات سياسية معينة، لافتاً إلى أن الاعتقالات ستطاول أيضاً مرشحين ووكلاء كيانات سياسية ثبت تورطهم بتقديم رشاوى مالية وابتزاز وتهديد مواطنين وخداع آخرين، كما حصل في مخيمات النازحين. وتابع "قد تصل مذكرات الاعتقال إلى العشرات، وستكون أكبر فضيحة تزوير بالعراق منذ الإطاحة بنظام صدام حسين".
آلية استخراج النتائج... بدائية
وأشار أحد أعضاء اللجنة الوزارية المشكلة لمتابعة ملف الانتخابات، والتي يرأسها من موقع أدنى رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلى أن 11 ألف موظف سيشاركون بفرز استمارات الناخبين واستخراج النتائج منها. ووفقاً للمسؤول، فإن "الموظفين سيتولون مهمة استخراج الاستمارات وفحصها والتأكد من أنها لم تدخل حشواً داخل الصناديق، وأنها مرت داخل فتحة الصندوق الإلكترونية وهناك ما يقابلها من بيانات داخل جهاز التحقق الإلكتروني الخاص بهوية الناخب. ثم يتم تسجيل اختيار الناخب للحزب أو الكتلة السياسية، ثم المرشح الذي اختاره داخل هذا الحزب أو تلك الكتلة، وتسجيلها يدوياً بأوراق خاصة، ومن ثم جمع الأصوات لكل محطة لوحدها". وأوضح أن "كل ذلك سيتم تحت إشراف القضاة المنتدبين الذين سيكون لهم الحق في تكليف قضاة آخرين لمساعدتهم بالمراقبة والإشراف، على اعتبار أنهم يشغلون الآن منصب مدير عام بصلاحيات كبيرة". وكشف عن أن "الموظفين سيكونون من جامعة بغداد وجامعات المحافظات، وكذلك ديوان الرقابة المالية ووزارة التربية ونقابة المحامين وجهات مستقلة أخرى، إضافة إلى موظفي محاكم البداية، وقد يخضعون قبل البدء بعملية العد والفرز لورشة تعليم حول آلية العد والفرز يدوياً".
ومن المقرر أن تتم إعادة عد وفرز أكثر من 11 مليون صوت، بعدما ألغت المحكمة قراراً سابقاً يقضي ببطلان أصوات عراقيي المهجر والنازحين، وهو ما يزيد من مخاوف عدد من الكتل السياسية التي حازت على أكبر عدد من الأصوات في اقتراع الخارج والنازحين، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وحزب الحل بزعامة جمال الكربولي، وسائرون التابع لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
من جانبه، قال مقرر لجنة تقصي الحقائق حول نزاهة الانتخابات، النائب عبد الكريم عبطان، لـ"العربي الجديد"، إن "القرار القضائي بات ملزماً وواجب التنفيذ وهو انتصار للعراقيين ككل"، معتبراً أنه "ستكون هناك نتائج جديدة لكل الكتل السياسية والمرشحين بعيداً عن النتائج التي أعلنت سابقاً"، لافتاً إلى أنه "ستترتب على عملية العد والفرز جملة من الاعتقالات وأوامر الزج بالسجون". وأضاف "نعم ستكون هناك تغييرات على مستوى الكتل وعلى مستوى المرشحين الفائزين منهم والخاسرين". ورحب رئيس ائتلاف الوطنية، إياد علاوي، ورئيس تحالف القرار، أسامة النجيفي، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، والجبهة التركمانية وكتلة التغيير الكردية وأحزاب معارضة كردية في إقليم كردستان بقرار المحكمة. وأوضح القيادي في تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لمليشيات "الحشد الشعبي"، أحمد الأسدي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "القضاء سلطة محترمة من قبلنا، وكل ما صدر عنه نحترمه". وأضاف "نحن لسنا متخوفين من أي تغيير بالنتائج، ولا أعتقد أنه ستكون هناك مفاجأة في النتائج، وننتظر الآن التوضيحات من القضاة المنتدبين كيف سيبدأون ومتى وما هي الآلية التي ستعتمد" في عملية العد والفرز. وتضع قرارات المحكمة الاتحادية في العراق نهاية لأبرز عقد الأزمة السياسية الحالية في البلاد، إذ من المقرر أن تنطلق فعلياً عملية العد والفرز خلال الأيام القليلة المقبلة، ما يتيح للكتل السياسية العراقية وقتاً أكبر في مشاورات تشكيل الكتلة الكبرى بالبلاد، التي ستناط بها مهمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.