فرنسا: حزب "الجمهوريون" بزعامة فوكييز نحو مزيد من العزلة

19 يونيو 2018
يذهب فوكييز بحزبه نحو مزيد من العزلة (فرانس برس)
+ الخط -
يمضي مسلسل تفكيك حزب "الجمهوريون"، الذي يمثّل يمين الوسط في فرنسا، على قدم وساق، والعوامل مختلفة؛ بعضها من داخل الحزب، وأخرى ليست بعيدة عن قياديين سابقين غادروا الحزب وانضموا، بطريقة أو بأخرى، إلى أغلبية الرئيس إيمانويل ماكرون.

ولا يفوّت لوران فوكييز، رئيس "الجمهوريون"، الفائز في انتخابات حزبه بأغلبية ساحقة، أي فرصة لوصم منافسيه وخصومه داخل الحزب، ولفرض خطه السياسي والأيديولوجي عليه، بشكل يجعله يستولي على أفكار وبنود كثيرة في برنامج حزب يميني آخر، وهو حزب "التجمع الوطني".

وقد كان فوز فوكييز بقيادة الحزب دافعاً لكثيرين من القادة التاريخيين إلى مغادرته أو تجميد نشاطهم فيه، في انتظار ساعتهم، أو بانتظار عروض مغرية من قبل الرئيس ماكرون للانضمام إلى أغلبيته الرئاسية. ومن بين الذين غادروه، كزافيي برتران، رجل الشمال القوي، وألان جوبيه، رجل بوردو القوي والأب الروحي لرئيس الحكومة الفرنسي، فيما فضّل آخرون نوعاً من الابتعاد، وعلى رأسهم رئيسة جهة باريس الكبرى، فاليري بيكريس، ورئيس الوزراء الأسبق، جان-بيير رافاران، وفرانسوا كوبي، وآخرون.

وينظر كثرٌ من قيادات اليمين الفرنسي التقليدي، بكثير من الأسى والغضب، إلى المواقف التي يصرح بها فوكييز، وأيضًا التحوّلات التي يقدم عليها رئيس الحزب الجديد، الذي لم يَعُد لديه من مُقرَّبين ومستشارين سوى بعض الأوفياء لرئيس الجمهورية الأسبق، نيكولا ساركوزي، وعلى رأسهم إيريك سيوتي، الذي لا تتوقف تصريحاته العنصرية والمعادية للمهاجرين والإسلام عن الرنين، وبريس هورتوفو، وهو من أكثر الشخصيات وفاء لساركوزي.

ومن نتائج انعزال الرئيس الجديد، خفوتُ حزبه في مجلسي النواب والشيوخ، رغم مقاعده المئة في البرلمان، وأغلبيته الكبيرة في مجلس الشيوخ، ومن ثمّ عجزه عن لعب دور المُعارض الأول للرئيس ماكرون، بسبب حركية ودينامية جان لوك ميلانشون، رئيس حركة "فرنسا غير الخاضعة" ونوابه الستة عشر، وهو ما يدفعه إلى المزيد من إحراج حلفائه في الوسط، الذين استطاع ماكرون استمالة كثيرين منهم، والتخندق في اليمين، في تنافس شديد مع أطروحات مارين لوبان وحزبها "التجمع الوطني".


وفي هذا الصدد، كان فوكييز، وقلة من مستشاريه، وراء توزيع منشور، يحمل عنوان: "كي تظل فرنسا هي فرنسا"، يومي 9 و10 يونيو/حزيران، أثناء لقاء "ربيع الجمهوريين". ومن يقرأ هذا المنشور يتصور أنه من وثائق حزب "التجمع الوطني"، بسبب كراهيته للاتحاد الأوروبي ومواقفه المتطرفة والمعادية للمهاجرين.

كما أن رئيس الحزب وقّع بمعية مقربين منه، وهم برونو ريتايو، نائب مجلس الشيوخ، وكريستيان جاكوب، رئيس المجموعة البرلمانية لحزب "الجمهوريون"، وفرانك بروست، النائب في البرلمان الأوروبي، على بيان، نشرته صحيفة "لوفيغارو"، يوم 5 يونيو/حزيران، يندد بالاتحاد الأوروبي، الذي يصفه البيان بأنه "مختَبر لعَولمة مُقْتَلَعَة الجذور وعديمة الجنسية"، ويصبو إلى "أوروبا فخورة بنفسها، وذات جذور إغريقية-جرمانية ويهودية-مسيحية".

وقد تسببت هذه المواقف، التي اتخذها رئيس الحزب في إطار مجموعة مصغرة من أعضاء مكتبه، في غضب نائبته فيرجيني كالميلس، التي صرحت: "أنا أنتمي إلى يمين متخلّص من عُقَده، ولست مع يمين شعبوي أو متطرف"، و"ثمة خطوط، لا أستطيع الدفاع عنها". واعتبرت أن فوكييز: "يدافع، قبل كل شيء، عن أفكاره السياسية، حتى إن كانت لا تتأقلم مع الجميع"، أي "يدافع عن خطه السياسي والأيديولوجي"، عن "يمين شعبوي وهويّاتي". وشدّدت على أن من الضروري لفرنسا أن "تكافح ضد كل نزوع جماعاتي وضد الهجرة"، وأن "علينا أن نختار المهاجرين الذين نريد، وعلينا أن نضع سياسة المحاصصة".

وقد تسببت هذه الانتقادات العلنية، التي تعرّض لها فوكييز من نائبته، التي كانت مقربة جدًا، ولا تزال، من عمدة بوردو، ألان جوبيه، في غضبه، فقرر التخلص منها وتعيين جان بيونيتي، عمدة مدينة أنتيب، ورئيس المجلس الوطني، مكانها.

وبعد إزاحة فريجيني كالمليس، خلا الجوّ لتيار فوكييز في الحزب، لكن قراره أغضب الكثيرين، ومن بينهم نيكولا ساركوزي، الذي اعتبَرَ أن الحزبَ لن يفوزَ إلا عبر توحيد مكوناته وحساسياته. أما ألان جوبيه فقد امتدح "شجاعة" كالميلس و"قناعاتها"، في أكد برونو لومير، القيادي السابق في حزب "الجمهوريون"، ووزير الاقتصاد في حكومة ماكرون، أن "يمين حزب الجمهوريون يمينٌ هويّاتي". إلا أن قيادة الحزب سارعت إلى التخفيف مما جرى، معتبرة أن قرار إقصاء كالمليس جاء "تجنّبًا لأزمة صغيرة تسببت فيها مواقفُ فيرجيني المعزولة".



تشدد الحزب يخدم ماكرون

وبينما تستعد الأغلبية الحكومية لتحقيق اختراق كبير في الانتخابات الأوروبية، يعوّل ماكرون، على البرلمان الأوروبي، واجهةً لترويج وجهة نظره في مسألة البناء الأوروبي، وبناء التحالفات. وهي، لهذا السبب، لم تُخفِ رغبتها في التنسيق مع بعض الشخصيات اليمينية، التي تبادلها الموقف من أوروبا، وهو ما عبّرت شخصيات يمينية، من حزب "الجمهوريون" عن الترحيب به ودراسته.

ولعلّ ألان جوبيه، الأب الروحي لرئيس الحكومة الحالي، من المدافعين عن هذا الاتجاه، وهذا التفاهم المشترك، مدعومًا بشخصيات يمينية كثيرة، بعضها في الحكومة وبعضها الآخَر في البرلمان.

ولا بدّ أن تكريس خط فوكييز المتطرف، والمتوجس من الاتحاد الأوروبي (أصدر قبل سنوات كتيّبا ضد الاتحاد الأوروبي ولم يتبرأ منه)، سيساهم في دفع كثير من قيادات الحزب، لالتقاط يد "الجمهورية إلى الأمام" الممدودة، ومن بينهم فرانسوا كوبي وفرانك ريستر وتيري سولير وجان بيير رافاران وغيرهم، الذين يشددون على أنهم "أوروبيّو الهَوى". خصوصًا أنّ قناعة الكثير من زعماء اليمين، مدعومين بأغلبية الشعب الفرنسي، ترى أن حكومة إيمانويل ماكرون تنفّذ سياسة يمينية حقيقية، وبالتالي فلا ضير في مساعدتها وتمني نجاحها.​