الانتخابات التركية (2/7): أمل المعارضة بجولة ثانية وبغالبية برلمانية

19 يونيو 2018
يسعى أردوغان لحسم الانتخابات من الجولة الأولى(أريس مسينيس/فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي تستعد فيه تركيا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، والتي تجرى الأحد المقبل، تتصاعد المنافسة على منصب رئيس الجمهورية بين 6 مرشحين، وهي ستكون المرة الثانية التي يقترع فيها الناخبون مباشرة لاختيار رئيس، بعدما كان ذلك محصوراً بالنواب مثلما يحصل في معظم الأنظمة البرلمانية، قبل أن يصبح الاقتراع الشعبي مباشراً في تعديل الدستور عام 2014، والذي مهّد عملياً لتغييرات عام 2017 وانتقال تركيا إلى نظام رئاسي. الانتخابات الحالية ستكون الأولى التي تجرى بعد التحوّل في النظام بموجب التعديلات الدستورية الشاملة التي أُقرت العام الماضي، وفيها سُمح للرئيس بأن ينتمي لحزب سياسي، فيما كان ملزما بالاستقالة من حزبه قبل موعد الاستحقاق.

اليوم، تُقدّم الأحزاب السياسية مرشحيها بشكل مباشر، سواء الأحزاب الممثّلة في البرلمان، أو المرشح الذي يتمكّن من جمع مائة ألف توقيع من الشعب. وبناء على هذه المعطيات، جرى تقديم أسماء عدة، وافقت الهيئة العليا للانتخابات على 6 منهم، هم الرئيس الحالي، مرشح حزب "العدالة والتنمية"، رجب طيب أردوغان، ومرشح حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة، محرم إنجه، فضلاً عن مرشحة "الحزب الجيد" المنشق عن "الحركة القومية" (اليميني القومي المتطرف)، ميرال أكشنر، ومرشح حزب "السعادة" (إسلامي) تمل كراموللا أوغلو، إضافة إلى مرشح حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي صلاح الدين دميرطاش (المعتقل بتهمة دعم الإرهاب)، ومرشح حزب "الوطن" (قومي) دوغو بيرنجي.

ووفق النظام الرئاسي الجديد، فإن الانتخابات الرئاسية ستكون على جولتين، فإذا لم يتمكّن أي مرشح من الحصول في الجولة الأولى على ما نسبته 50 في المائة +1 من الأصوات، أي أكثر من النصف، فإن الانتخابات تعاد في مرحلة ثانية بعد أسبوعين (أي في 8 يوليو/تموز المقبل) بين المرشحَين الحاصلين على أعلى نسبة من الأصوات. يُذكر أنه في انتخابات عام 2014، لم تُجر جولة ثانية، بعدما تمكن أردوغان من حسم الانتخابات في الجولة الأولى بحصوله على 52 في المائة من الأصوات، في وجه مرشح المعارضة حينها، أكمل الدين إحسان أوغلو.

ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، تتباين استطلاعات الرأي والتوقعات لحظوظ المرشحين في الانتخابات الحالية. ويظهر انقسام واضح وتشكيك بإمكانية حسمها من المرحلة الأولى، في ظل أرقام تتضارب بين جبهتي المعارضة والحكومة، إذ يُقدّم كل طرف أرقاماً لا تتطابق مع معطيات الطرف الآخر، خصوصاً مع تفرق الأصوات بين ستة مرشحين. أما إذا حصلت جولة ثانية، فمن المرجح أن يتمكن أردوغان من حسمها لأنه الأوفر حظاً كما يبدو، ولكنه يبدو مرشحاً حتى اليوم لحسمها من الجولة الأولى، بعد التحالف مع حزب "الحركة القومية"، فيما اتفقت 4 أحزاب في المعارضة، هي "الشعب الجمهوري"، و"الجيد"، و"السعادة"، و"الديمقراطي"، على إعطاء كل أصواتها للمرشح الذي ينتقل إلى الجولة الثانية لمواجهة أردوغان، في حال حصل ذلك.

وقبيل تقديم أسماء المرشحين، سعت بعض أطراف المعارضة، للتوافق على اسم واحد، وطُرح اسم الرئيس السابق عبدالله غول، من قبل حزب "السعادة". ولكن باقي أطراف المعارضة لم تقبل به، فأعلن غول رفضه هذا العرض لعدم حصول توافق واسع في المعارضة، وسط إصرار كل حزب على طرح مرشحه، وهو ما يضرب فعلياً حظوظ المعارضة في كسر حكم "العدالة والتنمية" المستمر منذ نهاية عام 2002، نظراً لما يحظى به غول من شعبية واحترام عابر للانقسامات القومية والسياسية في تركيا. كما فشل الحليفان "الشعب الجمهوري" والحزب "الجيد"، في التوافق على مرشح واحد، فقدّم كل حزب مرشحه للرئاسة.


وتقول أوساط مطلعة من "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة)، لـ"العربي الجديد"، إن أولوية المعارضة لا تتركز على الانتخابات الرئاسية، مع أن الأمل غير معدوم في احتمال مرور مرشح معارض إلى جولة ثانية تعيد خلط كل الاحتمالات. لكن مبدئياً، تدرك أحزاب المعارضة أن منافسة أردوغان رئاسياً لن تكون سهلة، وأن المعركة الحقيقية ستكون في الانتخابات البرلمانية، عبر الحصول على أغلبية تشريعية تعقّد جدياً من صلاحيات الرئيس، لأن النظام الرئاسي يترك صلاحيات واسعة للسلطة التشريعية. وأكثر ما يخشاه أردوغان، هي صلاحية سحب البرلمان الثقة من الرئيس بشرط توفر غالبية الثلثين، وهو الأمر الذي دفع به إلى الاستنفار في خطاباته الانتخابية وتخصيص جزء كبير منها لحشد الأصوات لمرشحي حزبه إلى الندوة النيابية.

وتكشف مصادر "الشعب الجمهوري" لـ"العربي الجديد" أن مسؤولين في الحزب، قالوا لتجار في زيارات ميدانية قبل أيام من ضمن الجولات الانتخابية، ما مفاده أنه لا بأس إن صوّتوا لأردوغان في الاقتراع الرئاسي، شرط أن ينتخبوا مرشحي الحزب في التصويت البرلماني.

أما في ما يتعلق بأرقام استطلاعات الرأي التي تجريها شركات متخصصة في عدد من الولايات التركية خلال فترات زمنية تتراوح بين أسبوع وعشرة أيام، فمعظمها يظهر أن أردوغان يسير في الانتخابات الرئاسية باتجاه الحصول على 50 أو 51 في المائة من نوايا التصويت، مما يضعه في موقف صعب إزاء حسم الانتخابات من الجولة الأولى. فيما تُظهر هذه الاستطلاعات محرم إنجه كأبرز منافسي أردوغان عند حدود 25 في المائة من الأصوات، في حين تحتل ميرال أكشنر المرتبة الثالثة برقم يقارب 12 في المائة من الأصوات المحتملة. أما المرشح الكردي صلاح الدين دميرطاش، فشعبيته تتراوح بين 9 و10 في المائة، فيما أرقام مرشحَي "السعادة" و"الوطن" ضعيفة جدا وفرصهما تبدو معدومة.

وبناء على استطلاعات الرأي هذه، فإن الانتخابات الرئاسية، إن لم يحسمها أردوغان لصالحه في الجولة الأولى، تسير باتجاه مواجهة تجمعه بإنجه في المرحلة الثانية، وعندها ستحتد المنافسة بينهما، لأنه حينها ربما يعطي كل المعارضين لأردوغان، أو معظمهم، أصواتهم لإنجه، على الرغم من التناقض في صفوف المعارضة، بين أحزاب يسارية وقومية وإسلامية، كما هو الحال بين حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي، والحزب "الجيد" القومي، و"الشعب الجمهوري" العلماني الكمالي، و"السعادة" الإسلامي (وهو إرث رمز الإسلام السياسي التركي، نجم الدين أربكان).

أما الأرقام التي تقدّمها الأحزاب، فتُظهر تفاوتاً بين حزب "العدالة والتنمية"، و"الشعب الجمهوري". فالحزب الحاكم أكد غير مرة على لسان المتحدث باسمه ماهر أونال، أن أرقام أردوغان تتراوح بين 55 و56 في المائة. وفي الانتخابات البرلمانية سيحصل الحزب على أكثر من نصف أصوات البرلمان، أي بين 300 و330 مقعداً من أصل 600. ومع حليفه "الحركة القومية"، فإن الرقم قد يزيد بالنسبة لـ"التحالف الجمهوري" (العدالة والتنمية مع الحركة القومية).
في حين أن "الشعب الجمهوري" أكد على لسان رئيسه كمال كلجدار أوغلو قبل أيام، أن مرشحه محرم إنجه تجاوز حاجز 35 في المائة، وهو في تصاعد مستمر، مشيراً إلى أن ذلك يعطي رسائل جيدة لحظوظ الحزب في المنافسة.