سورية الأسد... صور اليرموك وتعفيش البلد

28 مايو 2018
عملية التصوير داخل المخيم مقصودة (فيسبوك)
+ الخط -

قالت الصور التي خرجت من مخيم اليرموك، في الأسبوعين الأخيرين، الكثير عمّا حل بسورية وما ينتظرها من فصول مأساوية. ومن المؤكد أن عملية التصوير داخل المخيم لآثار الدمار وعمليات التعفيش مقصودة وليست عفوية، وهي تحمل رسائل متعددة الأبعاد والأهداف، ولذا فإنها مرسَلة إلى أكثر من طرف محلي وخارجي.

الملاحظة التي لا مفر منها هي أن الدمار في اليرموك يفوق الذي لحق الغوطة بأضعاف كثيرة، رغم أن المعارك في الغوطة استمرت فترة زمنية أطول، ودارت على مساحات من الأرض أوسع، وشاركت فيها أطراف عسكرية وقوات تفوق التي خاضت معركة المخيم بأضعاف. وكان واضحاً أن المشاركة الروسية المباشرة مختلفة في المعركتين، ففي حين قاد معركة دوما جنرال روسي، وشارك فيها الطيران الروسي بكثافة، لم يشكل الدور الروسي في اليرموك فارقاً كبيراً.

اتّبع النظام وحلفاؤه الإيرانيون منهجاً يقوم على رفع منسوب الوحشية والعنف من معركة لأخرى. ومع التقدم الذي حققوه، بدعم روسي مباشر، في المعارك الأخيرة، رموا كل ما لديهم من أسلحة فتاكة، ومارسوا، عن سابق إصرار وعلى نحو متعمّد، كل الممارسات المشينة التي تنهى عنها قوانين الحرب، وتصنفها في عداد جرائم الحرب، ومن هنا يبدو أن تسريب الصور من اليرموك لأمر مدروس، وغير عشوائي، أو خاضع للمصادفة.



تريد الصور التي جرى نشرها على وسائل التواصل أن تنسف صورة المخيم السابقة، وتحل محلها الصورة الجديدة. والمقصود هنا موقع المخيم في سورية ولدى السوريين، ودور المخيم في الربط بين فلسطين وسورية.

وبات واضحاً أن المخيم الذي يعتبر عاصمة فلسطين في الشتات صار ركاماً، وسيتم جرفه بعد أن تنتهي عملية تعفيشه، ولن تأخذ عملية إعادة الإعمار لهذا الحيز المكاني في عين الاعتبار مخيم اليرموك الذي كان هنا، وسيكون المستقبل على غرار ما حل بمخيم تل الزعتر في لبنان. ويشكل موقع المخيم هدفاً مثالياً للاستثمار العقاري الذي يجري الصراع على حصصه في الكواليس بين النظام وإيران وروسيا.

تقول الصورة هذا هو نظام الأسد بعد حوالي 7 أعوام من الحرب ضد السوريين، وهو إذ يرسل هذه الصورة العارية التي لا تحتمل أي تأويل، فهو يريد أن يقول هذا ما لدينا، ولا تنتظروا منا غير ذلك، ولذلك أطلق العنان لجيشه ومليشياته لاستباحة المخيم ونهب بيوت الناس، وهذا ليس جديداً، ولكنه أراد أن يحصل على الملأ، وأن تنقل الصورة ما شاء لها من حمولة بصرية، وما تثيره من إيحاءات، أو إحالات، ولكنها تترجم بصدق القانون رقم 10 الذي أصدره رئيس النظام بشار الأسد، في مطلع إبريل/نيسان الماضي، والرامي إلى وضع مخطط تنظيمي عام في المناطق التي هُدّمت بفعل الحرب السورية، داعياً السوريين إلى تسجيل أملاكهم خلال شهر واحد، وإلا ستقوم الدولة بمصادرتها.

واعتبرت أوساط حقوقية سورية أن هذا القانون عبارة عن تشريع للتهجير القسري، ولم يسلم من انتقادات قاسية، حتى من قبل أطراف إقليمية ودولية. واللافت أن حليف "حزب الله" وزير خارجية لبنان، جبران باسيل، وجّه رسالتين إلى نظيره السوري وليد المعلم، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، عبّر فيهما عن "خشية لبنان من أن تعيق شروط تطبيق هذا القانون عودة عدد غير قليل من هؤلاء النازحين إلى مناطقهم"، في حين اعتبر رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري "هذا القانون يقول للنازحين ابقوا في لبنان".

ووصل الصدى نفسه إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي أثارت الأمر خلال لقائها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم 18 مايو/أيار، وطالبته بـ"الضغط على الأسد لمنعه من مصادرة منازل السوريين".


تُجمع الأطراف الخارجية والمحلية على أن القانون لن يمنع فقط عودة قرابة 8 ملايين لاجئ، بل تعفيش ممتلكاتهم بصورة قانونية. وحذَّرت شخصياتٌ حقوقية معارضة للنظام من آثاره، فتحدَّث الحقوقي البارز ميشال شماس على "فيسبوك" قائلاً، إنّ القانون "يفتح الباب على مصراعيه أمام تغيير ديمغرافي وتشريع مصادرة ممتلكات ملايين المهجرين والنازحين". يهدف بشكل أساسي إلى "منع عودة النازحين والمهجَّرين واللاجئين إلى بيوتهم".

لا يمكن تفسير ما حصل في اليرموك إلا على ضوء القانون الذي يحدد خارطة طريق لتغيير ديمغرافي، وتجريداً لملايين من اللاجئين المطلوبين أمنياً من أملاكهم، وهذا أمر يجد تأكيده في توقيت صدور القانون من قبل النظام الذي يعتبر أنه سيطر على ما يُعرف بـ"سورية المفيدة".