المعادلة الروسية لجنوب سورية: إبعاد الإيرانيين مقابل انسحاب الأميركيين

29 مايو 2018
تلقى النظام تحذيرات بشأن العملية العسكرية في درعا(محمد يوسف/الأناضول)
+ الخط -
تقاطعت المؤشرات والتصريحات أمس الإثنين لتشير إلى محاولات تبذلها الأطراف الفاعلة في الجنوب السوري، تحديداً روسيا والأردن والولايات المتحدة باطلاع إسرائيلي، للتوصل إلى تفاهمات تتيح الحفاظ على المنطقة القريبة من حدود أبرز حليفين لأميركا في المنطقة، إسرائيل والأردن، والتي تتواجد فيها قوات من المعارضة السورية، كمنطقة خفض تصعيد وتجنب أي عمليات عسكرية للنظام السوري فيها، بموازاة إبعاد النفوذ الإيراني عنها، كما تريد إسرائيل، على أن يكون "تنفيذ انسحاب جميع القوات غير السورية بشكل متبادل"، أي الإيرانيين والأميركيين، وأن يكون هذا الأمر بمثابة "طريق ذي اتجاهين"، على حد وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس. 

وقال مصدر رسمي أردني، رفض الكشف عن اسمه، إن بلاده تتواصل مع الولايات المتحدة وروسيا بشأن جنوب سورية، وهناك اتفاق على ضرورة الحفاظ على "منطقة عدم التصعيد". ولفت إلى أن الأردن يعتقد أن منطقة عدم التصعيد "تمخضت عن وقف لإطلاق نار كان الأكثر صموداً في جميع أنحاء سورية". وشدد على أن الأردن يتابع عن كثب التطورات في جنوب سورية وعلى استعداد لحماية مصالحه وأمنه القومي.

وفي موازاة الإعلان الأردني الصريح عن الاتصالات التي تجرى لاحتواء التوتر، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يبعث رسائل حول "الثمن" الذي تريده موسكو مصوباً على التواجد الأميركي في المنطقة تحديداً في معبر التنف جنوب شرقي سورية. وقال لافروف، خلال مؤتمر صحافي عقده في ختام مباحثات أجراها مع نظيره الموزامبيقي جوزي باشيكو، إن الاتفاق حول إقامة منطقة خفض التوتر في جنوب غرب سورية قضى بضرورة خروج جميع القوات الأجنبية من هناك وبقاء القوات السورية فقط. وأضاف: "من المؤكد أنه يجب تنفيذ انسحاب جميع القوات غير السورية بشكل متبادل، يجب أن يكون هذا الأمر بمثابة طريق ذي اتجاهين". وتابع "ينبغي أن تكون نتيجة هذا العمل الذي ينبغي استمراره، وهو مستمر بالفعل، أن ينتهي بوقوف ممثلين عن جيش الجمهورية العربية السورية على الجانب السوري من الحدود مع إسرائيل".

وأضاف لافروف "أنا شخصياً لم أر الأنباء التي تحدثت عن تحضير الولايات المتحدة خطة تتضمن سحب قواتها من قاعدة التنف العسكرية. وكما قلت سابقاً، لقد اختلقت هذه المنطقة بشكل مصطنع ولأسباب غير مفهومة بتاتاً من وجهة النظر العسكرية". وأشار لافروف إلى أن الجانب الروسي خلال اتصالات بين العسكريين الروس والأميركيين يلفت انتباه الجانب الآخر لهذه النقطة.

في غضون ذلك، تضاربت المواقف الصادرة عن النظام والمقربين منه خلال الـ48 الساعة الماضية في انعكاس واضح لعدم حسم المفاوضات بشأن منطقة جنوب سورية. وبعد يوم من تأكيد القائم بأعمال سفارة النظام لدى الأردن، أيمن علوش، أن نظامه ليس بحاجة لعملية عسكرية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة جنوب سورية، وذلك في أعقاب تحذير الولايات المتحدة من أنها ستتخذ "إجراءات حازمة ومناسبة" لحماية وقف إطلاق النار في جنوب سورية، كانت صحيفة الوطن، المحسوبة على النظام تلمح إلى أن الخيار العسكري لا يزال وارداً بحديثها عن "قرب إعلان الجيش بدء عمل عسكري في جنوب البلاد في حال لم يستجب الإرهابيون إلى نداءات المصالحة". بدورها ذكرت صحيفة البعث أن النظام سيواصل "محاربة المتمردين" في البلاد، مشيرة إلى أن التهديد الأميركي يبرز دور الولايات المتحدة "القذر في الحرب الإرهابية" ضد سورية، على حد وصفها.

في هذه الأثناء كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يجدد تأكيد رفض الوجود الإيراني في سورية. وقال لكتلته في البرلمان في تصريحات بثها التلفزيون "موقفنا بشأن سورية واضح: نعتقد أنه لا مجال لأي وجود عسكري إيراني في أي مكان في سورية". لكن حدود التسوية المطروحة بشأن القوات الإيرانية في سورية تطرق إليها معلق الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عاموس هرئيل، بقوله إن الانطباع المتبلور لدى القيادات السياسية والأمنية في إسرائيل يشير إلى أن روسيا ستكون على استعداد لتغيير موقفها بشأن مطلب إسرائيل بإبعاد القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها، إلى مسافة 60 كيلومتراً عن الحدود الحالية مع هضبة الجولان المحتل. علما بأن روسيا سبق لها أن عارضت في الاتفاق الذي تم التوصل إليه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بشأن مناطق خفض التوتر في جنوب سورية، المطلب الإسرائيلي بإبعاد القوات الإيرانية 60 كيلومتراً عن الحدود مع الجولان، وهو الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين روسيا والولايات المتحدة والأردن. وبحسب صحيفة هآرتس فإن التغيير المرتقب في الموقف الروسي بحسب التقديرات الإسرائيلية، بات يلوح في الأفق في الأسابيع الأخيرة، على أثر القصف الإسرائيلي الذي استهدف أكثر من 52 موقعاً إيرانياً وأخرى للدفاعات السورية في العاشر من الشهر الحالي رداً على إطلاق المليشيات الإيرانية أكثر من 20 صاروخاً استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية في الجولان المحتل. ولفتت الصحيفة إلى أن القصف الإسرائيلي المذكور أثار لدى موسكو مخاوف من أن مواصلة إسرائيل لهذه الهجمات على الأرض السورية من شأنها أن تعرض استقرار نظام بشار الأسد للخطر، خصوصاً أن مسؤولين إسرائيليين حذروا آنذاك، أن من شأن إسرائيل أن تتحرك لإسقاط نظام الأسد كلياً في حال استمر الوجود العسكري الإيراني على الأراضي السورية. وبحسب "هآرتس" فقد استأنفت روسيا أخيراً جهودها لمحاولة دمج وإشراك الولايات المتحدة الأميركية في الاتفاقيات الرامية لتكريس استقرار النظام في سورية، وبالتالي فإن روسيا، ومن ضمن هذه المساعي، قد تبدي استعداداً لإبعاد إيران عن الحدود مع إسرائيل، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة إخراج كافة القوات الموالية لها وتلك المحسوبة عليها والمتواجدة على الأراضي السورية.

وبحسب هرئيل فإن روسيا لم تستأنف لغاية الآن مباحثات مباشرة بشأن التسوية لمستقبل سورية، لكن الروس أطلقوا مؤشرات لجهة استعدادهم لدراسة وفحص مواقفهم السابقة أيضاً في سياق الوجود الإيراني في سورية. وتعتقد الحكومة الإسرائيلية أنه في ظل الظروف الجديدة التي نشأت بعد العدوان الإسرائيلي على المواقع المذكورة في العاشر من شهر مايو/أيار الحالي وتواصل الغارات الإسرائيلية على مواقع مختلفة في سورية، سوية مع التأييد الكامل من قبل إدارة دونالد ترامب لإسرائيل، من شأن روسيا أن توافق على إبعاد القوات الإيرانية إلى شرقي طريق درعا دمشق وبما يوافق الشرط الإسرائيلي وربما أيضاً وراء ذلك الخط.

دلالات