دول جوار ليبيا... مصر جزء من المشكلة أم الحلّ؟

22 مايو 2018
لا مصلحة للدول الثلاث باستمرار الحريق الليبي(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


أخفقت دول الجوار الليبي، الجزائر ومصر وتونس، في توفير إطار إقليمي للمساعدة على حل الأزمة الليبية ودعم الخطة الأممية. ويمثل ازدواجية الموقف المصري من الأزمة الليبية، وانحيازها لطرف ليبي بعينه، اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر ومعسكره، ولعبها دوراً لصالح أجندات خارجية، عامل الإخفاق الرئيس، ومبعث قلق للجزائر وتونس.

ويحكم تباين المواقف السياسية والأجندات الإقليمية لكل طرف من دول الجوار الليبي الثلاث، الجزائر ومصر وتونس، على اجتماع الجزائر، الذي عقد أمس الإثنين، بمشاركة كل من وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، ووزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، بالفشل، ولأن يتحول إلى جلسة لاحتساء الشاي وذات طابع بروتوكولي كالاجتماعات السابقة. ولطالما شددت الاجتماعات الأربعة لدول الجوار الليبي على الوصفة السحرية نفسها التي تدعم مصر مسارات تناقضها تماماً. وكررت اللقاءات السابقة لدول الجوار إعلان التزامها بالحوار والتنسيق لمساعدة الليبيين على حل الأزمة، ودعوة كافة أطراف الأزمة الليبية إلى التوافق الداخلي لتعديل الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر/كانون الأول 2015، وتأييد خطة البعثة الأممية إلى ليبيا، التي يقودها غسان سلامة، لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال العام الحالي، ورفض التدخل الأجنبي والعسكري في ليبيا.

ويؤكد دبلوماسي جزائري، عمل على الملف الليبي لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائر وتونس تدركان عمق الموقف المصري، لكنهما لا تزالان تحاولان إقناع القاهرة بضرورة التزام خط توافقي لحل الأزمة الليبية، وأنه ليس من مصلحة الدول الثلاث استمرار الحريق الليبي". ويضيف "نعتقد أن الموقف المصري مبني على تطورات ما يحدث على الأرض، وهو موقف يستعجل حسم الموقف العسكري بالنسبة لحفتر للذهاب بالأزمة باتجاه الحل الذي يخدم القاهرة"، وهو أمر ترفضه تونس والجزائر، التي اضطرت للتدخل، عبر قنوات خاصة، للحد من تقدم قوات حفتر باتجاه أراضيها، لكون ذلك سيشعل مزيداً من الحرب في منطقة الصحراء، ويؤجج حالة اللااستقرار، ما يفتح الباب لاستدراج المجموعات الإرهابية إلى المنطقة.

وبين يونيو/حزيران 2017 ومايو/أيار 2018، عقدت بين الوزراء الثلاثة، شكري ومساهل والجهيناوي، أربعة اجتماعات تشاورية، في إطار متابعة المبادرة التي أطلقها الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، في ديسمبر/كانون الأول 2016. وفي 20 فبراير/ شباط الماضي، وقعت الجزائر ومصر وتونس، في تونس العاصمة، على "إعلان تونس للتسوية السياسية الشاملة في ليبيا"، لحل الأزمة عبر حوار مباشر بين الأطراف الليبية، لكن هذه الاجتماعات كانت تصطدم بواقع ازدواجية السلوك والموقف المصري في المسألة الليبية. ويعتقد مراقبون لتطورات الموقف الإقليمي أن وجود أجندات سياسية لمصر، كطرف من دول الجوار الليبي، سيزيد من حجم الغموض، ويقلل من احتمال أن تلعب المواقف والتوافقات الإقليمية دوراً حاسماً لجهة حل الأزمة أو دعم مساعي التسوية. وفي هذا السياق، يقول الأستاذ في جامعة باتنة، يوسف بن يزة، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلاف واختلاف وجهات النظر سيكون موجهاً لما يحصل في الكواليس وفق رهانات كل بلد، وعلى ضوء تصرفات ومواقف باقي الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية، خصوصاً الأطراف الخارجية الأخرى التي تنفذ أجندات غير مفهومة وغير واضحة".



ويشير محللون إلى أن وجود تطابق في وجهة النظر الجزائرية والتونسية بشأن التشديد على دعوة كل الأطراف الليبية إلى حوار جدي داخلي، ورفض أي تدخل أجنبي أو عمل عسكري في ليبيا، ووقوف الجزائر وتونس على مسافة واحدة من كل الأطراف، السياسية والعسكرية، واستقبالهما لكل الوجهاء والشخصيات الليبية، لا يقابله الموقف نفسه بالنسبة لمصر، التي حسمت مبكراً موقفها السياسي لصالح دعم حفتر، ونفذت عمليات عسكرية في الداخل الليبي، وتعترض على إشراك الإسلاميين الليبيين في جهود تسوية الأزمة. ويعبر رئيس قسم الشؤون السياسية والأمنية في صحيفة "الخبر" الجزائرية، محمد شراق، عن اعتقاده بأن التوافق الجزائري التونسي بشأن ليبيا لا ينطبق على الموقف المصري المتباين، وأن مصر، التي تشارك في إطار الاجتماع التشاوري الإقليمي لدول الجوار، تمثل جزءاً من المشكلة الليبية أكثر من أنها جزء من الحل الممكن. ويقول، لـ"العربي الجديد"، إن "من الواضح أن الأحداث، وتطورات المشهد الليبي وعلاقته بالتحالفات، أثبتت أن مصر أكبر مشكل في ليبيا مع الإمارات، ولا أعتقد أن اجتماع اليوم (أمس) سيحمل حلاً أو مقترحاً جدياً. إن تباين المواقف واضح، ومصر التي لا تكشف سرها عندما تعلن أنها مع محور حفتر وتدعم موقفه السياسي والعسكري، لا يمكن أن تسوق لمساعي الحوار بين الليبيين".

وثمة رؤية تقرأ في ازدواجية الموقف المصري بشأن ليبيا توجهاً يستهدف منع تركيا من لعب دور فاعل ومؤثر في الأزمة، بحيث تصبح الساحة الليبية زاوية أخرى للصراع بين الإرادات التركية وإرادات الدول الخليجية الداعمة، عبر مصر، لموقف حفتر وحكومة طبرق. ويذهب المحلل السياسي جلال بوعاتي إلى اعتبار أن الموقف المصري المحسوم لصالح جهة في ليبيا عبارة عن مركز متقدم للدفاع عن مصالح جهات أخرى تستهدف أيضاً تقليص الدور التركي في المنطقة. ويقول، لـ"العربي الجديد"، إن "الموقف المصري معروف، ومصر تتعاطى مع الحالة الليبية من جهة مصلحة أمنها القومي ومصلحة بعض دول الخليج البعيدة عن ليبيا، وعلى علاقة بتخوفها من وجود إخوان ليبيا كطرف في الحل، غير أن المخيف هو المواقف الأوروبية المتأرجحة بسبب المصالح، خصوصاً أن فرنسا وإيطاليا أصبحتا أيضاً تحت رحمة المال الخليجي، ولهما مصلحة في دعم الموقف المصري، لتطويق التأثير التركي".

ويقول أستاذ العلوم السياسية عبد الله راقدي، لـ"العربي الجديد"، "لا أعتقد أن مصر المكبلة، أو تونس المتخبطة في مسار غير واضح، يمكنهما أن يؤديا دوراً حاسماً في المسألة الليبية". ويضيف أن مصر رهينة لسياسات تمتد لعقود، وهي تؤدي دوراً أساسياً في مشاريع تغيير المنطقة، في ليبيا وغيرها. ويشاطره بهذا الموقف أستاذ العلوم السياسية في جامعة ليون، مقداد إسعاد، الذي يؤكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الموقف الإقليمي بشأن ليبيا  تقدره المصالح الخارجية وليس ما تتطلبه مصلحة شعوب المنطقة. إن القوى الغربية تعمل اليوم بطريقة مكشوفة في ليبيا. إن لدى الجزائر فرصة أن يكون لها الوزن الكبير والمؤثر في ليبيا، ومصر محكومة من الخارج، وتونس ضيعت فرصة استغلال التواصل الشعبي مع ليبيا بفعل التواجد الدائم للكوادر الليبية الفاعلة في تونس. هذا التراجع الثلاثي يتيح لفرنسا مثلاً دورا أكبر في ليبيا، في السلم والحرب".

المساهمون