مؤتمر إخوان الجزائر... على مفترق ثلاثة اتجاهات

12 مايو 2018
يقود مقري تيار المعارضة حالياً (العربي الجديد)
+ الخط -

بدأ إخوان الجزائر، الخميس الماضي، المؤتمر العام السابع لحزبهم حركة مجتمع السلم، وسط زخم إعلامي وسياسي كبير. لكن هذا الزخم والصورة الاحتفائية المبهرة تخفي في كواليسها صراعاً حاداً يحسم اليوم السبت، بين ثلاثة تيارات سياسية متباينة ومتباعدة تماماً في مواقفها والخط والنهج السياسي، كما أنها تتنافس بشكل حاد على القيادة والتوجهات.

وعادة تقف الأحزاب والتيارات السياسية في الجزائر بين خيارين، لكن إخوان الجزائر يقفون في المؤتمر عند مفترق ذات ثلاثة اتجاهات متباينة. وسيكون على المؤتمرين تقرير ما إذا كانت الحركة ستواصل التمسك بنهج المعارضة والاستمرار في الخيار الجديد الذي تبنته منذ يونيو/حزيران 2012، بعدما قطعت مسيرة 18 سنة من التحالف السياسي مع السلطة والمشاركة في الحكومة، والتي بدأها المؤسس التاريخي للحركة الراحل، محفوظ نحناح، في العام 1994. ويقود تيار المعارضة حالياً الرئيس الحالي للحركة، عبد الرزاق مقري، والذي يتمسك بخط البقاء خارج الحكومة، ومعارضة سياسات السلطة، في مقابل عرض مسار للتوافق السياسي بين السلطة والمعارضة، عبر إقرار مرحلة انتقالية تكون فيها الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع العام 2019 بداية لها. ويبرر هذا التيار موقفه بالخسائر السياسية والمالية الفادحة التي لحقت بالبلاد في العقد الأخير، جراء السياسات الخاطئة للحكومة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتنامي شبكات الفساد المتصلة بمنظومة الحكم وهيمنة "الكارتل" المالي، والإخفاق الاقتصادي الذي انتهت إليه البلاد.

وفي مقابل ذلك، يطرح تيار "المشاركة الناصحة"، ويقوده رئيس الحركة السابق، أبو جرة سلطاني، نفسه أمام المؤتمرين، ويراهن على العودة إلى الحكومة مجدداً، بسبب التباعد الكبير الذي انتهت إليه الحركة وخسارتها لثقل مؤثر داخل الحكومة وخروجها من دائرة التوازنات السياسية في البلاد. ويرى سلطاني ضرورة تعديل خط حركة مجتمع السلم وإخراجها من صف المعارضة والعودة إلى بحث خيارات التحالف مع الحكومة وأحزاب السلطة وانتقاد الحكومة من داخلها، ومحاولة تغيير الأوضاع وإصلاحها من داخل الحكومة. ويبرر هذا التيار رؤيته بما يعتبره تراجع الدور السياسي للحركة في المشهد العام وانفصالها عن واقع الحكم وإدارة الشأن العام بسبب خروجها من الحكومة، ناهيك عن قطع مسار كان يتيح تدريب كوادر الحركة على الحكم توخياً للمستقبل.

وبين تيار المعارضة وتيار المشاركة، يبرز خط ثالث لكتلة من القيادات تدفع باتجاه خط سياسي وسطي، سمي "المشاركة المشروطة"، ويطرح فكرة المشاركة السياسية والتعاون مع السلطة بشروط وتوافقات محددة، ترتكز على تعديل الموقف من العلاقة مع السلطة والعودة إلى الحكومة بشروط، مع الاحتفاظ بهامش كبير لنقد السياسات الحكومية. وعلى الرغم من أن هذا التيار تأخر كثيراً في البروز وفضل العمل في الكواليس، إلا أنه يدفع بحظوظه باتجاه التحالف مع تيار "المشاركة الناصحة"، للفوز بقيادة الحركة، كما يحظى بدعم من الرئيس السابق للحركة، عبد المجيد مناصرة، الذي أعلن رسمياً عدم دعمه لمقري للفوز بولاية ثانية على رأس حركة مجتمع السلم.




ويقول المرشح لرئاسة الحركة، الذي يقود تيار "المشاركة المشروطة"، نعمان لعور، لـ"العربي الجديد"، إن "تيار المعارضة الراديكالية قاد حركة مجتمع السلم إلى موقف سياسي متشنج إزاء السلطة، وإلى مواجهة سياسية لا تملك الحركة أدواتها، بينما تيار المشاركة قبل 2012 دفع بالحركة إلى التماهي مع السلطة إلى حد بعيد، ولذلك نحن فكرنا في أن نطرح على المؤتمرين رؤية سياسية ترتكز على المشاركة في الحكومة والتعاون مع السلطة بشروط، بمعنى أننا لا ندخل في صراع سياسي مباشر مع السلطة، ولا ننفصل عن المعارضة البناءة"، مضيفاً "إذا حاز هذا التصور على القبول لدى المؤتمرين، فإننا سنتقدم للترشح لقيادة الحركة". وتتنافس على رئاسة أكبر وأبرز حزب إسلامي في الجزائر، ثلاث شخصيات قيادية، وهي الرئيس الحالي عبد الرزاق مقري، الذي تدعمه كتلة كبيرة من المؤتمرين وأعضاء مجلس الشورى ويتكأ على نجاحه في إعادة لم الشمل وتحقيق الوحدة مع كتلة التغيير التي انشقت في العام 2008، والرئيس السابق للحركة أبو جرة سلطاني، المدعوم من عدد من القياديين ودوائر من السلطة ترغب في استعادة الحركة إلى صف الحكومة، فيما يدفع النائب السابق لرئيس الحركة نعمان لعور بنفسه كخيار ثالث بين المتنافسين.

ويعتقد المحلل السياسي، محمد باشوش، أنه مهما كان الصراع بين قيادات الحركة فإن "هذا ليس هو المهم، المهم أن تبقى حركة مجتمع السلم الحزب الذي تسود فيه قرارات المؤسسة وليس قرارات الزعيم. إن المنظومة الحزبية في الجزائر تكاد تنهار، وعلى حركة مجتمع السلم أن تبقي بصيص الأمل في إمكانية إعطاء النموذج السياسي". لكن مراقبين يخشون وجود تأثيرات من خارج المؤتمر على التوجه العام الذي سيقرره المؤتمرون، خصوصاً أن أطرافاً كثيرة في السلطة تبدو أكثر اهتماماً ومتابعة لتطورات الموقف داخل المؤتمر وتوجهات المؤتمرين، وتتطلع لما ستؤول إليه النتائج والجهة التي ستمسك بحزب إخوان الجزائر. وتبدو السلطة حريصة على استدراج إخوان الجزائر مجدداً إلى صفها، خصوصاً أنها ستكون بحاجة إلى قوى سياسية مؤثرة محلياً وذات ارتباطات دولية متعددة في المرحلة المقبلة، التي تبدو صعبة على الصعيد السياسي، بسبب الاستحقاق الرئاسي وإمكانية حدوث تسليم للسلطة من قبل بوتفليقة لوريث سياسي، والاقتصادي بسبب التداعيات الخطيرة للأزمة المالية جراء تراجع عائدات النفط، وبروز جملة من التوترات الاجتماعية والقلاقل ذات النزعات العرقية.

ولفترة طويلة تبنى إخوان الجزائر خيار المشاركة والبراغماتية السياسية، بهدف دفع التصالح مع منظومة الحكم، وإنهاء العداء الأيديولوجي والامتداد داخل المؤسسات الحكومية وتدريب كوادر الحزب على فنون الحكم والتسيير وعلى التعايش، والحفاظ على تماسك الدولة والمجتمع عندما يتعرضان لحالة انقسام حادة. لكن المحلل السياسي المهتم بتطور الأحزاب الإسلامية في الجزائر، عبد النور بوخمخم، يعتقد أن الحركة دفعت في مقابل ذلك ثمناً باهظاً، وتأثرت سياسياً وتنظيمياً على خلفية أن تحقيق مجمل هذه الأهداف عبر المشاركة مع الحكومة لم يكن دون فاتورة سياسية وتنظيمية دفعتها الحركة، بينها حدوث انشقاقات وانقسامات في صفوفها في العامين 2008 و2012. ويضيف بوخمخم أن "السؤال الجوهري هو ما الذي تحقق من أهداف، وما هو حجم الأضرار المتوقعة؟ أعتقد الإجابة واضحة جداً خلال عقدين من المشاركة السياسية، خصوصاً بعد سنة 2000"، مشيراً إلى أن الكلفة تتعلق "بالتحول إلى مجرد أداة تستخدمها منظومة الفساد لإظهار أن الكل معها، وتشويه صورة البديل في أعين الناس وبالتالي زيادة حالة الإحباط وفقدان الثقة لديهم بالتغيير، وتحول كوادر الحزب، الذي يحمل مشروع التغيير، إلى مجرد متواطئين أو مشاركين في الفساد والريع، ونقل صراعات التموضع والنفوذ والمصالح الضيقة إلى داخل مؤسسات الحزب، وقتل روح النضال والتغيير فيه بعد أن أصبح هو السبيل للوصول إلى مغانم السلطة".

لكن الخطاب الراديكالي، الذي تبنته قيادة الحركة منذ العام 2012 بعد التحول إلى خيار المعارضة، بقيادة مقري، وصل إلى حد المطالبة، ضمن "وثيقة مزفران" التي تبناها مؤتمر المعارضة الجزائرية في يونيو 2014، بإعلان شغور منصب رئاسة الجمهورية بسبب مرض بوتفليقة في إبريل/نيسان 2013، وانخراطها في تنسيقية المعارضة، وضع الحركة ضمن سياقات متناقضة مع حالة تطور سياسي وتقدم في الحكم لعدد من الأحزاب الإسلامية المنتمية إلى تيار جماعة الإخوان المسلمين في دول الجوار، مثل حركة النهضة في تونس، وجبهة العدالة والتنمية في المغرب، ما ولد لدى إخوان الجزائر شعوراً عاماً بضرورة إحداث مراجعات سياسية وإعادة ترتيب خطوط الفعل السياسي ومحددات الموقف. كثيرة هي حسابات الربح والخسارة التي سيستغرق أكثر من 1800 مندوب من إخوان الجزائر في عدها خلال المؤتمر، الذي يعقد تحت شعار "التوافق الوطني، الانتقال الديمقراطي وتطوير السياسات"، وبحضور قادة أحزاب سياسية جزائرية وأجنبية وشخصيات دولية مهمة. لكن الخيارات المطروحة والصعوبات السياسية والتحديات الداخلية ستعقد الموقف. ووحدها نهاية المؤتمر ستكشف عن الخط الذي سيقرره إخوان الجزائر.

المساهمون