انتصار اليمين الشعبوي بالمجر يعزز مناهضي الاتحاد الأوروبي

09 ابريل 2018
قاربت نسبة المشاركة في انتخابات المجر 70 بالمائة(لازلو بالوغ/Getty)
+ الخط -
كيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن يواجه تمدد اليمين الشعبوي؟ سؤالٌ بات أكثر إلحاحاً خلال السنوات الماضية في القارة العجوز. واليوم يعاد طرحه، بعد فوز حزب "فيدز" اليميني في المجر، بأغلبية الثلثين في الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس الأحد، بعد نسبة مشاركة لافتة قاربت 70 في المائة.

بموجب هذه النتائج، سيبقى رئيس الحزب ورئيس الوزراء المجري الحالي، فيكتور أوربان، في السلطة لأربع سنوات إضافية، وقد تحدث اليوم عن "نصرٍ تاريخي" سيعطي المجريين فرصة للدفاع عن أنفسهم وبلادهم، بعدما قاد سياسة مناهضة للهجرة وقدّم نفسه كمدافع عن السيادة الوطنية وأوروبا المسيحية، على غرار باقي الأحزاب اليمينية الشعبوية، التي تمددت على مساحة القارة، من الدول الاسكندينافية، إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا.

إذاً، كيف لأوروبا ولاتحادها أن يواجها هذا التمدد الشعبوي؟ في هذا الشأن، يرى خبراء في العلاقات الأوروبية أن وضع معسكر الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي يمرُّ في أفضل ظروفه، مع تجمع المزيد من المكتسبات، وتحقيق الانتصارات في الانتخابات البرلمانية على مستوى دول الاتحاد، مقابل إخفاق الأحزاب التقليدية المؤيدة للتكتل.

ويعتبر الخبراء أن انتصار أوربان سيعزز دور القوى التي تضحي بالنمو المشترك لأوروبا على مذبح قومياتها مستفيدة من بطء تفعيل الإصلاحات ما أكسب اليمين الشعبوي المزيد من الحضور والمصداقية في طروحاته، توازياً مع المكابرة والتراخي في أروقة بروكسل لمعالجة الأزمات.

وكان لافتاً في هذا الصدد، تراكم الأزمات، خصوصاً في الدول الأكثر تأثيراً داخل الاتحاد، بدءاً من أزمة ألمانيا خلال الأشهر الستة الماضية بعد انتخابات البوندستاغ، قبل أن تتمكن المستشارة أنغيلا ميركل أخيراً من تشكيل الائتلاف الحكومي مع "الاشتراكي الديمقراطي" وانتظام عمل المؤسسات الدستورية الألمانية، مروراً بفرنسا إيمانويل ماكرون المتحمس للاصلإحات داخل الاتحاد، رغم التخبط الاقتصادي والإضرابات التي تعيشها باريس اليوم، إلى الاختلافات بشأن اللاجئين وأزمة "بريكست".

هذه الأمور ساهمت، بحسب الخبراء، في صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية. أما الدليل فهو النتائج التي تحققت أخيراً في إيطاليا، بعد تقاعس الاتحاد الأوروبي عن دعم روما جدياً في أزمة اللاجئين، ما أدى إلى تراجع المقدرات الاقتصادية للبلاد. كذلك، سيطرة أوربان في المجر اليوم على الأغلبية البرلمانية، ومشاركة أول حزب يميني في حكومة النمسا. جميعها عوامل ستساهم أكثر في صياغة سياسات مناهضة للاتحاد الأوروبي.

ويعتقد الخبراء أنه ينبغي على قادة الاتحاد الأوروبي عدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذا الواقع، لأنه حان وقت المواجهة، وربما العودة للحديث عن فرض عقوبات، وفقاً لمعاهدات الاتحاد، ضدّ من يريد انتهاك القرارات ومعارضة المقترحات الأوروبية، وعدم التضامن في توزيع اللاجئين.


في المقابل، يتخوف الخبراء من أن يبقى الوضع على منواله، في ظلّ الخلافات والاختلافات في أوروبا، حيث يتحضر الجميع للانتخابات الأوروبية المقررة في مايو/ أيار 2019. ينبهون أيضاً إلى أن الوقت ينفذ أمام ميركل وماكرون ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، لإجراء الإصلاح المنشود، وبناءً عليه، فإن فرص اليمينيين الشعبويين في تحقيق نجاح في الانتخابات الأوروبية ستكون أكثر من جيدة.

فرص ستتعزز في ظلّ غياب آفاق لنجاح خطط الاصلاح، وصعوبة المواءمة بين المعايير، منها المطالبة بوجود وزير مالية للاتحاد الأوروبي، وسلطة أوروبية موحدة للجوء، رغم الاعتراف بالحاجة الملحة لاتخاذ قرارات مهمة في الاتحاد، منها التخطيط المالي طويل الأجل، وإصلاح قانون اللجوء لإقناع بعض الزعماء السياسيين بقبوله، مع اعتماد تدابير صارمة لمكافحة الهجرة.

وعن فوز أوربان للمرة الثالثة على التوالي، يعتبر المحللون أنه انتصار لمنطقة وسط وجنوب شرق أوروبا كلها، وهو أمرٌ لم يحدث في المجر منذ انتهاء زمن الدكتاتوريات الشيوعية، ويحمل دلالات تشير إلى تحرر أوروبا الشرقية من قبضة الاتحاد الأوروبي، حيث ساهمت البطالة والهجرة الجماعية في تنصيب أوربان نفسه قائداً للدفاع عن أوروبا المسيحية في وجه اللاجئين أو "الغزاة المسلمين"، حسب وصف أوربان.

إلى ذلك، ينبّه المراقبون إلى أنه في كل أنحاء أوروبا بُنيَت الشعارات الانتخابية للأحزاب اليمينية في السنوات الأخيرة، على قضية الهجرة، مع تضاؤل الإجماع على المصلحة العامة المشتركة. وفي حالة رئيس الوزراء المجري، فإن الجميع يعلم أنه "فاسد وسيئ السمعة"، وهناك استياء في البلاد من سوء التعليم والخدمات الطبية والإدارية. ولكن الناخب المجري صوّت لمن يحمي بلده من المهاجرين، أي حيث استطاع أوروبان أن يصيغ أهدافاً كثيرة، وقدم هوية وطنية قوية لغالبية المجتمع، طارحاً خطاباً ممزوجاً بالكثير من الكراهية للأجانب. والأنكى من ذلك، أن رئيس الوزراء المجري أصبح نموذجاً لليمينيين الشعبويين الأوروبيين، وهو يجد المزيد من الحلفاء داخل الاتحاد الأوروبي.

المساهمون