مفاوضات دوما: "جيش الإسلام" يحاول تفادي استسلام غير مشروط

30 مارس 2018
قوافل التهجير في الغوطة (قصي نور/الأناضول)
+ الخط -

توالت دفعات المهجّرين من غوطة دمشق الشرقية إلى الشمال السوري، مع مواصلة النظام وحلفاؤه إفراغ بلدات غوطة دمشق ومدنها من أكبر عدد ممكن من أهلها وسكانها. وأكدت مصادر أن "أكثر من 135 ألف مدني ومقاتل من المعارضة السورية باتوا خارج الغوطة، وتوزعوا على مراكز إيواء خاضعة للنظام في محيط دمشق، أو اتجهوا إلى الشمال السوري للتمركز في مراكز شبيهة خاضعة للمعارضة السورية". غير أن عشرات آلاف المدنيين في دوما، كبرى مدن الغوطة، ينتظرون نتائج المفاوضات بين الروس وفصيل "جيش الإسلام"، في ظل مخاوف حقيقية من اقتحام تحضّر له قوات النظام، هدفه إنهاء وجود المعارضة في محيط دمشق، وهو ما يعزز الخشية على مصير المدنيين، في ظلّ إصرار قوات النظام على القيام بعمليات انتقام في مناطق المعارضة، وفي ظلّ إعلان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن "عملية مكافحة الإرهاب في الغوطة الشرقية بسورية انتهت تقريباً"، مضيفة، في إفادة أسبوعية، أن "مدينة دوما، وهي المدينة الرئيسية في الغوطة الشرقية، لا تزال تحت سيطرة مقاتلين إسلاميين".

ووصلت، صباح أمس الخميس، الدفعة الخامسة من مهجّري القطاع الأوسط في غوطة دمشق الشرقية، إلى معبر قلعة المضيق شمال غربي محافظة حماة وسط البلاد، من أجل توزيعهم بعد ذلك على مخيمات ومراكز الإيواء في ريف إدلب وفي ريف حلب الغربي.

في هذا السياق، أفاد ناشط معارض لـ"العربي الجديد"، إلى أن "عملية التهجير مستمرة في القطاع الأوسط، والعمل جارٍ على تحضير المزيد من الحافلات في مدينة عربين، لنقل الدفعة السادسة من الرافضين للمصالحة والتسوية مع النظام، إثر الاتفاق الذي فرضه النظام وحلفاؤه على فصيل فيلق الرحمن، أحد أبرز فصائل المعارضة في غوطة دمشق الشرقية". ونقلت وسائل إعلام روسية عن الجيش الروسي، قوله إن "نحو 5300 مقاتل وعائلاتهم غادروا عربين في الغوطة الشرقية، يوم الأربعاء".

من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، مساء الأربعاء، أن "6432 شخصاً غادروا حي جوبر وبلدات عربين وزملكا وعين ترما، يوم الثلاثاء، على متن 102 حافلة، ليصل بذلك عدد الذين خرجوا إلى إدلب، بموجب الاتفاق المبرم بين الجانب الروسي وفصيل فيلق الرحمن خلال الأيام الماضية، إلى 19622 شخصاً". وأشارت الوزارة إلى أنه "يستمر معبر مخيم الوافدين في تمرير سكان مدينة دوما"، موضحة أنه "غادر المدينة 1691 مدنياً، يوم الأربعاء، فيما بلغ عدد النازحين عن دوما 27446 شخصاً، منذ 28 فبراير/شباط الماضي".



ونقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام، أمس، عن مصدر في قوات النظام قوله إن "أكثر من 135 ألف شخص خرجوا من الغوطة الشرقية بريف دمشق حتى الآن"، مشيراً إلى "خروج مئات المدنيين من أهالي منطقة دوما، ومعظمهم من النساء والأطفال عبر الممر الآمن". وادّعى المصدر أنه "تم نقلهم إلى مراكز الإقامة المؤقتة".

بدورها، أكدت مصادر محلية أن "النظام لا يزال يمارس سياسة الإذلال المتعمّد لمهجري غوطة دمشق، الذين تم نقلهم إلى مراكز الإيواء في محيط العاصمة"، مشيرة إلى أن "هذه المراكز بمثابة معتقلات لهؤلاء الذين تركهم العالم يواجهون مصيراً مجهولاً".

في دوما، يسود ترقّب حذِر، في ظل تهديدات روسية باقتحامها، في حال فشل مفاوضات يجريها ضباط روس مع قيادة فصيل "جيش الإسلام"، التابع للمعارضة، والذي يسيطر على المدينة منذ أواخر عام 2012. ويتكتم "جيش الإسلام" على مجريات التفاوض مع الجانب الروسي، مكتفياً عبر مصادر متابعة بالقول لـ"العربي الجديد" إنه "في آخر جولة تفاوض تمّت مناقشة أوضاع المقيمين في مراكز الإيواء، ومتابعة التجاوزات التي تحصل فيها، إضافة إلى تثبيت وقف إطلاق النار، طيلة فترة المفاوضات، والتقدم في المباحثات والوصول إلى التوافق على نقاط مشتركة كأساس تبنى عليها المباحثات في الجولات المقبلة".



وتشير المصادر إلى أنه "تمّ التوصل في الجولات التفاوضية إلى نتائج إيجابية متقدمة"، ولكنها لم توضح أبعاد ومآلات هذه النتائج على دوما والغوطة الشرقية برمّتها. وتنوّه المصادر إلى أن "الحوار تطرق مع الجانب الروسي حول تبادل جثث الضحايا من موقوفي عدرا العمالية، الذين كانوا لدى جيش الإسلام وقضوا تحت القصف الذي استهدف أماكن احتجازهم. وأنه عقدت جلسة مفاوضات يوم الأربعاء، وكانت النتائج إيجابية"، مضيفة أنه "تم فتح قنوات إضافية للتفاوض على الملفات العسكرية".

من جانبها، ذكرت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، أمس، أن "جيش النظام استكمل تحضيراته لأي عمل عسكري باتجاه مسلّحي دوما، في حال رفضهم الانصياع لاتفاق مصالحة، كما حصل في البلدات المجاورة"، مدّعية خروج تظاهرات وصفتها بـ"الحاشدة" في دوما، مطالبة بدخول قوات النظام ومؤسساته "لتحييدها عن العمل العسكري وبقاء أهلها فيها، وخروج مسلحي جيش الإسلام منها"، وفق الصحيفة.

ومن الواضح أن جيش الإسلام يحاول التوصل إلى تسوية "غير مؤلمة" له يضمن من خلالها إبقاء أكبر عدد ممكن من مقاتليه في مدينة دوما، على أن تعود مؤسسات النظام إلى المدينة، خاصة الخدمية والإدارية، على أن يتحول "الجيش" إلى "قوات حماية داخلية" تحت إشراف روسي. كما يسعى "جيش الإسلام" إلى إبعاد قوات النظام ومليشيات إيرانية عن مدينة دوما، خشية قيامها بعمليات انتقام واسعة النطاق تطاول نحو 200 ألف مدني موجودين في المدينة.

وتتصاعد المخاوف من استباحة قوات النظام للمدينة لدى سكان مدينة دوما، في ظل إصرار الجانب الروسي على إنهاء أي وجود عسكري للمعارضة في محيط العاصمة دمشق، يمكن أن تشكّل خطراً على نظام بشار الأسد. ويطبّق النظام وحلفاؤه سياسة الانتقام من مدنيي غوطة دمشق، فتؤكد مصادر محلية أن "ضباطاً في جيش النظام سمحوا للمليشيات بفعل كل شيء في الغوطة، بما فيها عمليات اغتصاب، وتصفيات، ونهب وسرقة، وهو ما حوّل الغوطة إلى جحيم على الأرض".



وأفاد ناشطون إعلاميون من الغوطة لـ"العربي الجديد"، عقب وصولهم إلى الشمال السوري، بأن "ما قامت به قوات النظام والمليشيات موجع وصادم". وأضافوا أنه "كنا نعرف أن قوات النظام همجية، ولكن لم نكن نتخيل أنها وصلت إلى هذا الحد من الإجرام الممنهج".

و"جيش الإسلام" الذي أُعلن عن تشكيله في عام 2013، أبرز فصائل المعارضة السورية في الغوطة الشرقية. وفي التشكيل آلاف المقاتلين الذين خاضوا معارك ضارية مع قوات النظام تكللت، في أواخر عام 2015، في معركة "الله غالب"، فكانوا على وشك محاصرة العاصمة دمشق لولا التدخل الروسي. ووضع الروس كل ثقلهم من أجل التخلص من قائد هذا الجيش حينذاك، زهران علوش، وهو ما تحقق في 25 ديسمبر/كانون الأول عام 2015، عقب غارة جوية، وتم اختيار أبوهمام البويضاني خلفاً له، إلا أن "جيش الإسلام" بدأ رحلة تراجع، منذ مقتل مؤسسه. رحلة اعتبرها مراقبون أنها "من المتوقع أن تنتهي باختفائه عن ساحة الصراع على سورية"، وهو ما حاولت قيادة "جيش الإسلام" تفاديه من خلال التفاوض مع الجانب الروسي.

ولا يبدو أن موسكو في وارد الإبقاء على "جيش الإسلام" في غوطة دمشق، حتى لو كان "منزوع الأنياب"، إذ تضغط على مفاوضي هذا الجيش من أجل القبول بحل هو بمثابة إعلان استسلام غير مشروط شبيه بما تم الاتفاق عليه مع "فيلق الرحمن" وحركة "أحرار الشام". ومن الواضح أن موسكو تحاول ترتيب الأوضاع في محيط العاصمة لصالح النظام لفرض تسوية سياسية على المعارضة تضمن بقاء النظام، في حال العودة إلى مفاوضات جنيف المتوقفة.

وعلى إثر مجريات غوطة دمشق الشرقية، لم تعد المعارضة تملك أي أوراق تفاوضية، ما خلا حاجة المجتمع الدولي إلى طرف يوقّع على أوراق تسوية تُحقّق إلى حد بعيد المصالح الروسية في سورية، التي تقوم على المحافظة على نظام يرسخ هذه المصالح. بالتالي، تتحوّل سورية إلى منطقة نفوذ كبرى لروسيا، التي تعتبر سورية ورقة ضغط رابحة على الأوروبيين، والأميركيين.