كشف وزير الداخلية التونسي هشام الفوراتي عن شروع القوات الأمنية في تنفيذ خطة هجومية استثنائية لملاحقة المسلحين المتحصنين في المرتفعات الغربية على الحدود التونسية الجزائرية.
وأعلن الفوراتي، أمس الخميس، عن تغيير في استراتيجية وزارة الداخلية التي كانت قائمة على خطة دفاعية ترتكز على "التصدي للهجمات الإرهابية بالأساس، والعمل على محاصرة الإرهابيين المتحصنين في المرتفعات الغربية على الحدود التونسية الجزائرية، وأساساً في جبال محافظات جندوبة والكاف والقصرين".
وقال رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب مختار بالنصر، لـ"العربي الجديد"، إن "تونس مرت إلى المرحلة الاستباقية والهجومية، إذ تغيرت معادلات وموازنات القوى بين القوات الأمنية والعسكرية".
وكشف بالنصر أن "الجهد الذي بذل على مستوى الرصد والتعقب وتحليل المعلومات هام وجبار، حتى إن القوات المختصة اليوم تمتلك خرائط حول أماكن وجود الإرهابيين، وهي أربع مناطق يتحرك فيها عدد محدود، لذلك حاولوا في أكثر من فرصة إرباك البلاد، وتنفيذ بعض العمليات من أجل فك الخناق عليهم، والإيهام بأهمية حجمهم ونشاطهم".
وأوضح المتحدث ذاته أن "تونس مرت، بمساندة شركاء دوليين، إلى مرحلة تكثيف الجهود من أجل القضاء على الإرهابيين نهائيا، وذلك عبر تطوير تجهيزاتها وإعطاء الأولوية للقوات الأمنية في الموازنات والنفقات، تدعيما لمجهودها في القيام بعمليات استباقية".
وأضاف أن "الفترة القادمة ستبين للجميع انحسار نشاط هذه العناصر، والسيطرة عليها من قبل الدولة التونسية".
أما عن العائدين من مناطق النزاع، فقد بيّن رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب أن تونس "حددت منهج تعاملها معهم وخولت للقضاء فقط البت بشأنهم".
وسجل عودة تسعمئة وعشرين "متطرفاً من بؤر التوتر"، وفق تقديرات رئيس اللجنة، وقد وضع بعضهم تحت المراقبة الإدارية والأمنية، فيما تمت محاكمة آخرين وإيداعهم بالسجون، مضيفاً أن "الإدارة العامة للسجون تتولّى مسألة الإحاطة بهؤلاء عبر خطة نوقشت داخل اللجنة، كما ستتولى الإحاطة من قضوا عقوباتهم تفادياً لعودتهم للتطرف".
وأكد بالنصر على خصوصية التجربة التونسية في هذا المجال، معتبراً أنه "إلى غاية الآن لا داعي للحديث عن خطط المناصحة أو الوئام، إذ أثبتت الاستراتيجية التونسية نجاعتها ونجاحها في تطويق ومحاصرة هذه الظاهرة".
وتُقدر السلطات عدد المسلحين المتحصنين في المرتفعات بما يناهز 100 عنصر، بحسب التقارير الأمنية، وتتنقل في مجموعات لا تتجاوز 5 عناصر على أقصى تقدير، وهي تشكو من قلة العتاد والأغذية بسبب إحكام القوات الأمنية الحصار عليها.
وتتركز "المجموعات الإرهابية" أساساً في أكبر المرتفعات الجبلية، وفي مقدمتها جبال محافظة القصرين، بين جبل الشعانبي والسلوم وسمامة، وفرنانة في جندوبة، وورغة والطويرف في الكاف، في وقت تنتسب غالبية أفراد هذه المجموعات إلى تنظيم "داعش" أو إلى تنظيم "القاعدة بالمغرب العربي" الذي ما زال نشطاً في تونس.
وفي السياق نفسه، أكد وزير الداخلية، خلال وجوده بمدينة طبرقة من محافظة جندوبة شمال غرب البلاد، أنه سيتم "قريباً إطلاق خطة هجومية استثنائية خاصة في القصرين والكاف وجندوبة، تقوم على الاستباق والتوقي والهجوم كبديل للخطة الدفاعية الحالية".
وأوضح الفوراتي، خلال زيارة تفقدية أداها للمعبر الحدودي ملولة بطبرقة، ومركز الحرس الوطني النموذجي بفرنانة، ومعتمدية غار الدماء، أن "الخطة تهدف إلى توفير ضمانات النفاذ إلى مخابئ المجموعات الإرهابية المتحصنة بالجبال الحدودية وملاحقتها والقضاء عليها، وإحكام مراقبة مداخل المدن ومخارجها ودعم الأجهزة الاستعلامية".
ولفت الوزير إلى أن هذه الخطة "سينطلق تنفيذها في مرحلة أولى بمحافظة القصرين، في انتظار أن تشمل لاحقاً محافظتي الكاف وجندوبة"، مبيناً أنها ستنطلق بـ"تعزيز الموارد البشرية عددا وعدة، وتدريبها بالشكل الذي يضمن تحقيق الأهداف المحددة والمتعلقة بتعزيز مقومات الأمن والاستقرار"، على حد قوله.
وأكد أن الخطة تقوم على "التكامل بين الأمني والتنموي، وقد فرضتها جملة من الظروف الطبيعية والأمنية في هذه المناطق، من بينها تمركز المجموعات الإرهابية بها واعتمادها مبدأ المباغتة، وعدم بلوغ المعدات الخاصة والنوعية المتوفرة إلى الأهداف التي تضمن الوصول إلى تلك المجموعات في مخابئها والقضاء عليها، فضلاً عن الخصوصية التضاريسية للجهات الحدودية، وما تتسم به من جبال وغطاء نباتي كثيف، تستوجب سيارات وتجهيزات ذات خصوصية عالية، وهي عوامل سيتم العمل عليها في إطار هذه الخطة الاستراتيجية".
وشدد على "ضرورة تكثيف الدوريات الأمنية، سواء تعلق الأمر بالمناطق الحدودية أو بالطرقات، لتأمين ما تبقى من العطلة المدرسية والاحتفالات برأس السنة الإدارية الجديدة، وتحسين إجراءات استقبال الوافدين الجزائريين عبر المعابر الحدودية الثلاثة بالجهة، وتعزيز منظومة التأمين الذاتي لدى الوحدات الفندقية".
ويرى خبراء الشؤون الأمنية أهمية تغيير السلطات الأمنية في تونس لتحركاتها وخططها الأمنية، تماشياً مع التطور السريع الذي تعرفه المجموعات المسلحة من العمليات القائمة على "المباغتة" إلى نصب "الكمائن" إلى المداهمات للتزود بالمؤن، إلى ما يعرف بـ"الذئاب المنفردة"، من خلال تجنيد انتحاريين لاستهداف المدن والمؤسسات.
ورفعت تونس موازنة وزارة الداخلية لعام 2019 بأكثر من 7.4 بالمائة مقارنة بالعام الماضي، بهدف شراء معدات وانتداب عناصر للشرطة والدرك في إطار الحرب على الإرهاب.