ترامب يقترب من إطاحة مولر على طريقة نيكسون

09 نوفمبر 2018
ترامب أمر سيشنز بتقديم استقالته (جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -
مخطئ من ظنّ أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيكمل النصف الثاني من ولايته الأولى، بعد انتخابات التجديد النصفي التي أفرزت تقاسماً للحزبين في السيطرة على مجلسي الكونغرس، بسلوك مختلف عن "العدوانية" التي عُرفت عنه في الداخل الأميركي على الأقل، ناهيك عن الاستفزاز والعدائية أيضاً في الملفات الخارجية. في الداخل الأميركي، شاء ترامب أن يطرد وزير العدل جيف سيشنز فور فوز حزبه بغالبية مجلس الشيوخ، لينفذ بذلك تعهداً قديماً قطعه على نفسه على خلفية ما يعتبره الرئيس الملياردير "انقلاباً" نفذه الرجل ضده على خلفية تحييد سيشنز نفسه عن تحقيقات روبرت مولر في شبهة تدخل روسيا لإنجاح ترامب في انتخابات 2016، وبتورط ترامب نفسه في الشبهة وفي "جرائم" أخرى تتصل بتمويل الحملة بطرق غير مشروعة. طرد كان متوقعاً إذاً بالنسبة لكثيرين باستثناء من عوّل على تغيير ترامب نهجه في التعاطي مع خصومه، وهو ما ظهر أنه تعويل في غير محله، ذلك أن جميع وسائل الإعلام الأميركية ووكالات الأنباء الأميركية أيضاً، اعتبرت أن طرد سيشنز سيكون مجرد بداية لسلسلة إقالات داخل إدارة ترامب لتحل مكان المقالين شخصيات مقربة جداً وبشكل شخصي من ترامب، أكان في وزارة الدفاع في ظل الكلام عن قرب إقالة الوزير جيمس ماتيس، أم لناحية احتمال تعيين ترامب ابنته إيفانكا مندوبة أميركا في الأمم المتحدة بدل نيكي هايلي التي تترك منصبها الشهر المقبل.


لكن الأخطر من كل ذلك، أن ترامب ربما اقترب من الخطوة الأكثر حساسية، وهي احتمال إقالة المحقق روبرت مولر نفسه، وقبله قد يقيل نائب وزير العدل رود روزنشتاين، وهو المشرف رسمياً على التحقيق في قضية التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة، وهو ربما ما قد يكون ترامب مهد له عندما عيّن ماثيو ويتايكر وزيراً للعدل بالإنابة، بدل أن يعين روزنشتاين، علماً أن ويتايكر لم يكن سوى مدير مكتب وزير العدل، ومعروف عنه عدائيته لمولر ولتحقيقاته التي "تجاوزت الحدود"، بحسب تصريحات ومقالات عديدة سابقة له، نصح فيها وزير العدل بمجموعة من الإجراءات والسبل التي يمكن أن يقوم بها سيشنز (قبل إقالته)، لعرقلة تحقيقات مولر، وهو ما رفضه سيشنز، ما أدى إلى وضعه على لائحة "الأعداء" بالنسبة لترامب.

ومع أن سيشنز كان منذ البداية من أشرس داعمي حملة ترامب، إلا أن رسالة استقالته تفتقد إلى مديح الرئيس، وأوضح فيها أن الاستقالة جاءت "بناء على طلبك" (مخاطباً الرئيس). وكتب سيشنز قائلاً "منذ اليوم الأول الذي تشرفت فيه أن أقسم اليمين بصفتي وزيراً للعدل في الولايات المتحدة، كنت أحضر إلى العمل مصمماً على أداء واجبي وخدمة بلدي". وبصفته مدعياً عاماً (وزير عدل) بالإنابة الآن، يمكن لويتايكر انتزاع التحقيق من روزنشتاين  وتوليه بنفسه.


هكذا، أنهى ترامب عامين من الانتقادات، لا بل من الإهانات ضد سيشنز، عندما أمره بالاستقالة، بحسب ما أعلنه سيشنز نفسه، وهو قرار استشعر فيه الديمقراطيون خطراً كبيراً على تحقيقات مولر لناحية احتمال اقتراب موعد إطاحة المحقق الخاص شخصياً، وهو الذي يحقق منذ مايو/ أيار 2017 مع ترامب ومجموعة كبيرة من المتهمين بشبهات التواطؤ مع روسيا ودول أخرى مثل الإمارات لكي تتدخل في الانتخابات الرئاسية، وصولاً لرشوة ممثلة أفلام إباحية لشراء سكوتها. وإن فعل ترامب ذلك، أي إذا أقال مولر، ربما يكون في طور سلوك طريق سلفه الجمهوري أيضاً، ريتشارد نيكسون، عندما أطاح بالمحقق الخاص بفضيحة تجسس الحزب الجمهوري على نظيره الديمقراطي (قضية ووترغيت)، أرشيبالد كوكس، وهي الخطوة التي كلفت نيكسون لاحقاً منصبه في عام 1974، عندما أثارت إقالة كوكس بأمر من نيكسون للمدعي العام إليوت ريتشاردسون في حينها، غضب العديد من النواب والشيوخ الجمهوريين الذين انقلبوا على رئيسهم فاستقال عندما وصل خيار العزل إلى مجلس الشيوخ، وغادر مستقيلاً استباقاً لاحتمال عزله دستورياً.


اليوم، تبدو الظروف مشابهة، إذ يتوقع أن يطلب ترامب من وزير العدل بالإنابة، أو من وزير العدل الذي سيعينه بدل سيشنز، طرد روبرت مولر وفريقه. عندها، ستكون لموقف النواب والشيوخ الجمهوريين الكلمة الحاسمة في قرار الانقلاب على ترامب من عدمه. ويبدو الجواب على هذين الاحتمالين صعباً اليوم، ذلك أن النواب الجمهوريين المنتخبين أخيراً في التجديد النصفي، كذلك عدداً من الشيوخ الجمهوريين المنتخبين أيضاً أخيراً، لا يُعرف بعد موقفهم من ترامب لكونهم داخلين حديثاً إلى مجلسي النواب والشيوخ، بالتالي يصعب تقدير قرارهم منذ الآن، وإن كان محسوماً أن يحاول الديمقراطيون طرح خيار العزل في حال أقال ترامب القاضي مولر. ويحتاج قرار العزل أولاً لتوصية من مجلس النواب لوحده بغالبية عادية (النصف زائداً واحداً). وفي حال مرّ بهذه الغالبية طلب العزل، يصل إلى مجلس الشيوخ الذي عليه أن يقرر أيضاً بغالبية الثلثين (من أصل 100) في جلسة محاكمة سياسية لاقضائية يرأسها رئيس المحكمة العليا الذي يكتفي بإعلان نتيجة التصويت ولا يشارك فيه، علماً أن الديمقراطيين يمتلكون الغالبية العادية في مجلس النواب (أكثر من 218 نائباً من أصل 435)، في حين للجمهوريين غالبية عادية أيضاً في مجلس الشيوخ (أكثر من 50 سيناتوراً).

وسارع الديمقراطيون إلى دعوة وزير العدل بالإنابة ماثيو ويتايكر لـ"النأي بنفسه عن تحقيقات مولر في مرحلته النهائية"، وفق كلام زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر. أما المرشح الرئاسي السابق اليساري بيرني ساندرز، فقد كتب في تغريدة أنّ "أيّ محاولة للرئيس أو وزارة العدل للتدخل في تحقيق مولر ستكون عرقلة لسير العدالة واتهاماً يستدعي العزل". وانضم السيناتور الجمهوري ميت رومني، وهو مرشح رئاسي سابق ومن أبرز منتقدي ترامب وقد فاز بمقعد في الكونغرس في انتخابات الثلاثاء الماضي، لهذه المطالبة أيضاً. وشكر رومني سيشنز على خدماته، لكنه أكّد أنّه أمر "إلزامي أن يستمر العمل المهم لوزارة العدل وأنّ تتواصل تحقيقات مولر لنهايتها دون إعاقة". وكان سيشنز أول سيناتور أميركي يدعم ترشح ترامب للرئاسة في عام 2016، ما منح قطب العقارات غطاء حزبياً أوصله إلى الرئاسة.
المساهمون