"النصرة" تقتل الوجه المدني للثورة السورية في كفرنبل

25 نوفمبر 2018
خلال دفن الفارس والجنيد في كفرنبل الجمعة (فرانس برس)
+ الخط -
قفزت مدينة كفرنبل السورية التابعة لمحافظة إدلب شمال غربي البلاد إلى واجهة الحدث، مع اغتيال ناشطين بارزين كان لهما أثر كبير في الحراك الثوري الذي شهدته المدينة منذ عام 2011، كما كانا مع ناشطين آخرين مثالاً مهماً وعنواناً واضحاً للثورة السلمية التي وسمت المدينة بطابعها، حتى باتت كفرنبل الوجه المدني للثورة السورية برمتها، وهو ما سبب حرجاً للنظام ولقوى متطرفة تريد تعميم صورة سلبية سوداوية عن الثورة السورية للعالم أجمع، لقتل جوهرها الأخلاقي. وفي وضح النهار، أقدم مجهولون الجمعة على اغتيال الناشطين الإعلاميين البارزين في مدينة كفرنبل رائد الفارس، وحمود الجنيد، في خضم فلتان أمني يكتنف محافظة إدلب برمتها، ويدفع الموقف إلى الأسوأ في ظلّ احتقان شعبي يتصاعد على المستويات كلّها.

وتدلّ المؤشرات على أنّ "هيئة تحرير الشام"، وهي القناع الجديد لـ"جبهة النصرة" المتطرفة، هي من تقف وراء عملية الاغتيال التي صدمت الشارع السوري المعارض، خصوصاً أنّ رائد الفارس الذي كان المدير العام لـ"اتحاد المكاتب الثورية"، ومدير راديو "فريش" في مدينة كفرنبل، كان يتلقّى على الدوام تهديدات من قبل جماعات متطرفة مرتبطة بـ"النصرة" حاولت اغتياله، كما أنها أغلقت الراديو في عام 2014، واقتحمته في عام 2015. وكان الفارس من أهم ناشطي محافظة إدلب، معقل "هيئة تحرير الشام"، الذين ظلّوا محافظين على الخطاب المدني السلمي للثورة، رافضين سياسات "الهيئة" وتوجهها للهيمنة المطلقة على شمال غربي سورية.

ولم تكن كفرنبل خلال سنوات الثورة السورية التي بدأت في عام 2011 مجرّد مدينة ثائرة ضدّ نظام مستبد، بل كانت العنوان المدني الأبرز لهذه الثورة، وعلامة فارقة ترنو إليها عيون السوريين في جميع التظاهرات، لأن لافتاتها كانت تعبّر عن الوجدان الثوري السوري، وتعكس رغبته الكبيرة في إحداث تغيير عميق في الحياة السياسية السورية، ونقل البلاد من ضفة الاستبداد الى ضفة الديمقراطية.

كفرنبل الواقعة في جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي كانت من أوائل المدن السورية التي رفعت صوتها ضدّ النظام، وفق أسلوب إعلامي ثوري جديد لفت الأنظار إليها منذ الواحد والعشرين من نيسان/ إبريل من عام 2011، عندما رفعت أوّل لافتة في المدينة. وكانت لافتات كفرنبل تكتب بلغات عدة، بما فيها اللغة الروسية، للوصول إلى الرأي العام الغربي، وتحمل خطاباً وطنياً جامعاً لكل السوريين، وناقداً لكل المظاهر السلبية، بما فيها تلك التي ظهرت في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة. كما كانت تتضمن لافتات المدينة رسائل سياسية لاذعة تنتقد صمت المجتمع الدولي إزاء المجازر التي يرتكبها النظام السوري بحق المدنيين. وكانت هذه اللافتات تقوم على جهد جماعي من فريق متكامل يضم ناشطين مميزين بوعيهم السياسي، وهو ما أعطى هذه اللافتات زخماً إعلامياً كبيراً، إذ كانت كبريات وسائل الإعلام تتوقف عند مضامين لافتات مدينة كفرنبل.

يقول الكاتب والصحافي، محمد السلوم، وهو أحد ناشطي كفرنبل البارزين، إنّ الأهمية التي اكتسبتها مدينة كفرنبل خلال سنوات الثورة "تنبع من الوجه المدني الذي حافظت عليه، والهوية المدنية التي كانت دائماً تعمل عليها من خلال اللافتات والحملات والنشاط الإعلامي الذي تقوم به"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، "حاولت مدن سورية أخرى اتباع نهج مدينة كفرنبل، ولكن لافتات المدينة وزخم التظاهرات الأسبوعية، كرّس هذه الصورة لمدينة كفرنبل لدى السوريين". ويشير السلوم إلى أنّه "تمّ استهداف مدينة بشكل مركز بسبب هذه الهوية المدنية"، معتبراً أنّ "وجود هوية مدنية للثورة السورية كان أمراً محرجاً للنظام بداية، ثمّ للقوى المتطرّفة تالياً، ولذلك تمّ التركيز على سحق هذه الصورة لتبقى الصورة السوداوية، صورة التطرّف والإرهاب، هي السائدة".

وعن رائد الفارس، يقول السلوم "كان واحداً من الناظمين للعمل المدني، وأحد الفاعلين الأساسيين في مدينة كفرنبل، والمسؤول عن اللافتات التي رآها العالم ومهندسها الحقيقي"، مضيفاً "ترك فراغاً كبيراً لا شك، ولا يمكن القول إنه يمكن تعويضه".

وتعرّضت مدينة كفرنبل، كما مدن وبلدات محافظة إدلب، للقصف الجوي المركّز من قبل طيران النظام على مدى سنوات الثورة، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات من سكانها، وتدمير جانب من عمرانها، وتشريد عدد من أهلها. وتذكر مصادر محلية لـ "العربي الجديد"، أنّ عدد سكّان مدينة كفرنبل في عام 2011 كان نحو 30 ألفاً، ولكن هذا العدد ارتفع كثيراً خلال سنوات الثورة بسبب نزوح مدنيين إليها من مناطق سورية أخرى. وتؤكّد المصادر أنّ أكثر من 700 شخص من أهالي كفرنبل قتلوا بقصف طيران النظام، مشيرة إلى أنّ المدينة ومحيطها كانا مسرحاً للعديد من المعارك الكبرى بين قوات النظام وقوات المعارضة السورية في ريف إدلب الجنوبي. وتقول المصادر إنّ "المدينة كانت هدفاً دائماً لطيران النظام بسبب مكانتها في الثورة السورية"، مضيفةً "انتقم النظام من كفرنبل بقتل أهلها المسالمين الذين أصرّوا على المحافظة على المبادئ والقيم الأولى للثورة السورية، وهو ما اعتبره النظام الخطر الإعلامي والسياسي الأكبر عليه".

من جانبه، يشير الصحافي أحمد العاصي إلى أنّ مدينة كفرنبل "واحدة من أهم مدن الشمال السوري التي ارتبط اسمها بالثورة، وتحوّلت إلى أيقونة عند السوريين، لما استطاعت أن تتركه من بصمة واضحة في الحراك الثوري السلمي"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أنّ المدينة "عكست من خلال ناشطيها ونشاطاتها الثورية الوجه المشرق للثورة والمعبّر عن وحدة الشعب السوري وحقيقة مطالبه في التخلّص من الظلم والاضطهاد والوصول إلى سورية حرة ديمقراطية تتسع لجميع أبنائها".

ويلفت العاصي إلى أنّ "الشعارات والنشاطات الثورية التي قامت بها مدينة كفرنبل خلال سنوات الثورة، تحوّلت إلى مثال يحتذى من كل المناطق والمدن الثائرة، بل وأصبحت الشعارات التي يرفعها ناشطو المدينة تتداول على مستوى العالم على أنّها التعبير الأمثل عن الشعب السوري وثورته". ويتابع العاصي بالقول إنّ كفرنبل "تحوّلت إلى موجه فعلي للحراك الثوري، وصارت قطعة يتجمّع فيها المتظاهرون من كل المناطق المجاورة في المحافظة، حيث يرددون هتافات الثورة وشعاراتها"، مضيفاً "هي المدينة الوحيدة التي ما زالت محافظة على زخم الثورة الأول من خلال استمرار التظاهرات فيها، حتى في الوقت الذي كانت تتعرّض فيه المنطقة لحملات عسكرية وقصف جوي متواصل". ويختم العاصي بالقول إنّ "أهم نشطاء الثورة كانوا من أبناء مدينة كفرنبل مثل وائل زعتور، وياسر السليم، ورائد الفارس وغيرهم الكثير".

المساهمون