وصلت الحكومة الإيرانية المعتدلة لغايتها، بعد أن صوّت مجلس الشورى الإسلامي بالموافقة على انضمام طهران لاتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب، عقب إجراء تصويت غير علني على مشروع يخصها، تحوّل بدوره إلى قانون لن يصبح نافذاً إلا بموافقة لجنة صيانة الدستور. وبهذا يكون المعتدلون ومؤيدوهم قد حققوا نسبياً ما يبتغون قبل عشرة أيام فقط من انتهاء المهلة التي منحتها مجموعة العمل المالي لمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، المسماة اختصاراً "فاتف"، لتطبيق توصياتها علّ إيران تحقق الشفافية في نظامها المالي والمصرفي.
واتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب، المقرة في 1999، هي واحدة من اللوائح الأربع التي يتوجب على إيران إقرارها داخلياً لكي تشطب اسمها من على القائمة السوداء لذات المجموعة المؤسّسة في باريس في 1989، إلى جانب ضرورة انضمامها لاتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة (باليرمو) وتعديل قانوني مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.
لكن ما حصل في البرلمان، وفي مجلس صيانة الدستور، وما تخلل الجدل بين ساسة التيارات الداخلية حين ناقش هؤلاء شروط مجموعة العمل المالي، دلّ على وجود شرخ وخلاف جديد. فالمؤيدون يرون أن الانضمام لكل تلك التوصيات يساعد طهران في الحفاظ على حياة الاتفاق النووي وحصد مكتسباته من خلال تسهيل التعاملات المالية والمصرفية معها، وهو ما سيؤدي بالنتيجة لعدم تحقيق رغبة واشنطن، التي لا تريد الاكتفاء بالانسحاب من الاتفاق مع طهران وحسب، وإنما تسعى لزيادة الضغط اقتصادياً عليها. وعلى الضفة الثانية، يقف المحافظون، وبالدرجة الأولى من رافضي الثقة بالمؤسسات الغربية ممن يرون أن تجربة الاتفاق النووي كانت كافية لتتعلم طهران أن كل ذلك لن يؤدي لأي مكتسبات اقتصادية حقيقية، ناهيك عن أن الانضمام لهذه الاتفاقيات سيفرض على البلاد أن تقدم معلومات عن مؤسساتها بداعي الشفافية، وهو ما قد يعني احتمال استخدامها ضدها مستقبلاً. وينوه هؤلاء أيضاً إلى مسألة قد تكون في غاية الحساسية بالنسبة للسياسة الخارجية الإيرانية، فمجموعة العمل المالي تقوم أساساً على مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، فيقف المنتقدون عند تعريف "الإرهاب" الذي قد يكون بالنسبة لبعض أطراف الغرب شاملاً لأذرع إيران في المنطقة وفصائل المقاومة، وهو ما يعني صراعاً بين العنوانين الرئيسين اللذين تستند إليهما سياسة طهران الخارجية، الأول يقوم على الانفتاح لتحقيق مكتسبات اقتصادية وبناء جسر ثقة مع الآخرين يقوم على الشفافية ما يهدف أساساً لمواجهة أميركا، والثاني يتخوف من محاولات محاصرة دور إيران إقليمياً والتأثير على علاقاتها مع الحلفاء.