الجزائر تسابق المغرب باتجاه موريتانيا: إعادة اكتشاف متأخرة

23 أكتوبر 2018
يربط المعبر بين الزويرات الموريتانية وتندوف الجزائرية (Getty)
+ الخط -
دخلت الجزائر سباقاً، سياسياً واقتصادياً، جديداً باتجاه موريتانيا، بعد عقود ظلت الأخيرة فيها على هامش الاهتمام السياسي والدبلوماسي الجزائري، رغم الأهمية السياسية التي تقتضيها العلاقة مع نواكشوط، كونها لاعباً إقليمياً في قضية النزاع في منطقة الصحراء، ومحاولة المغرب استقطاب موريتانيا لصالحه في هذا النزاع، والأهمية الجغرافية بالنظر إلى الحدود البرية الممتدة بين الدولتين ودواعي التنسيق الأمني بسبب نشاطات شبكات الإرهاب والتهريب.

ويبدو تسارع الخطوات الجزائرية باتجاه موريتانيا والمسار الجديد لتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية، وتجاوز تراكمات سياسية وتاريخية معقدة، كمحاولة لإعادة اكتشاف دولة جارة. وتؤشر الخطوات إلى ملامح تحولات استراتيجية في سياسة الجزائر حيال دول الجوار، خصوصاً منذ توصل الدولتين إلى تفاهمات خلال اجتماع اللجنة العليا المشتركة الجزائرية -الموريتانية التي عقدت في الجزائر، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، التي تلتها زيارة وزير الداخلية الموريتاني، أحمدو ولد عبد الله، إلى الجزائر، وزيارة وزير الداخلية الجزائري، نورالدين بدوي، إلى نواكشوط في مايو/ أيار 2017، إذ تم الاتفاق على تنفيذ خطوات سياسية واقتصادية عملية في هذا الاتجاه، كان أبرزها التوقيع على اتفاق لإنشاء معبر بري في الشريط الحدودي بين البلدين هو الأول من نوعه، إضافة إلى معطيات تتعلق بزيادة فرص تعليم الطلبة الموريتانيين في الجزائر، والكوادر العسكرية والأمنية الموريتانية في الأكاديميات العسكرية الجزائرية، وفتح شركات جزائرية لمقرات وأنشطة استثمارية وتجارية لها في نواكشوط. وشكّل فتح المعبر البري الحدودي الذي يربط مدينة تندوف الجزائرية بمدينة الزويرات الموريتانية، والذي دخل الخدمة فعلياً قبل شهرين، تحولاً لافتاً في العلاقات بين الدولتين، إذ شهد إقبالاً كبيراً على حركة عبور الأشخاص (لا يفرض البلدان التأشيرة) والسلع ومضاعفة التبادل التجاري، ما سيساعد الجزائر وموريتانيا على إقامة مشاريع في مجالات تكنولوجيا الإعلام والاتصال والتجارة والفلاحة والصيد البحري، وتسهيل وصول السلع والبضائع الجزائرية إلى السوق الموريتانية، ومنها إلى السنغال ودول أفريقيا الغربية. كذلك عبرت، يوم السبت الماضي، قافلة تضم 139 شاحنة محملة بالسلع والمنتجات الجزائرية، في إطار مشاركة 170 مؤسسة في معرض الإنتاج الجزائري في نواكشوط، الذي سيبدأ في 23 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بعد تسهيلات سياسية وفرتها الحكومة الموريتانية لنظيرتها الجزائرية.

وكان وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، قد برّر، في يوليو/ تموز الماضي، "عدم وجود معبر بري بين الجزائر وموريتانيا لأسباب أمنية"، بسبب تطورات النزاع في قضية الصحراء والقتال الذي كان دائراً بين جبهة البوليساريو، التي تتخذ من تندوف الجزائرية مقراً لها والقوات المغربية حتى عام 1991، ثم تطور وجود نشاط المجموعات الإرهابية في المنطقة خلال العقدين الماضيين. لكن كل هذه المبررات لا تجد لها أساساً في الواقع، مقارنة بوجود معبر بري بين الجزائر والنيجر ومالي برغم الحروب والنشاط الإرهابي في المنطقة. ويدفع ذلك إلى البحث عن تفسير سياسي لتحولات لافتة في الموقف الجزائري المتجه رأساً إلى تطوير العلاقات مع موريتانيا.

ويضع مراقبون سياسيون التحرك الجزائري باتجاه موريتانيا ضمن سياق خطوات سياسية واستدراكية تقوم بها الجزائر، في مقابل منافسة سياسية واقتصادية مع المغرب على الموقف والسوق الموريتاني، ومحاولة استغلال التوترات بين الرباط ونواكشوط لإقامة تعاون استراتيجي شامل مع موريتانيا، لا يأخذ بعين الاعتبار موقف الأخيرة من النزاع في الصحراء فقط. ويطرح البعد الاقتصادي كعامل مكمل للعامل السياسي، في علاقة بالنزاع الجزائري مع المغرب على النفوذ في موريتانيا وأفريقيا.

وقال الباحث في كلية العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر، مبروك كاحي، لـ"العربي الجديد"، إن "العلاقات الجزائرية الموريتانية أفضل حالاً منذ الانقلاب الذي قام به الجنرال ولد فال الذي تلقّى تدريبه في الأكاديمية العسكرية الجزائرية، وأنهى حكم ولد سيدي أحمد الطائع. لكن المؤسف في السنوات الخمس الأخيرة أنه في الوقت الذي نشط فيه ملك المغرب (محمد السادس) وضاعف من زياراته إلى تلك المنطقة كان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مريضاً والدبلوماسية الجزائرية عاجزة عن مسايرة التحرك المغربي". وأضاف أن "فتح المعبر جاء رداً على محاولة المغرب فتح معبر في منطقة القرقرات العازلة على بعد 5 كيلومترات على الحدود الموريتانية. إن موريتانيا هي خط عبور لأسواق دول غرب القارة الأفريقية أو مجموعة الإيكواس، وهذه حسابات اقتصادية مهمة تدخل ضمن خطة استراتيجية لخنق المغرب ومحاصرته، بعدما قام باستثمارات ضخمة في تلك المنطقة. إن فتح المعبر سيساهم بدعم التبادل أكثر والسماح للسكان على حدود البلدين، الذين تربطهم علاقات قرابة ومصاهرة، بالتنقل بطرق رسمية، وقد سبق للجزائر تقديم مساعدات للجانب الموريتاني، من مولدات كهربائية ومواد غذائية وحتى تجهيزات مصانع، رغم عدم وجود أي معبر حدودي مشترك. غير أن العملية كانت تشرف عليها الهيئات العسكرية لكلا البلدين، وأعتقد انه قد يجرى التفكير في دعم المعبر الحدودي بخط حديدي من تندوف الجزائرية إلى نواكشوط، وخط مزدوج سياحي وتجاري يقضي تماماً على طموحات المغرب".


لكن الباحث الجزائري سعيد هادف، الذي يتشاطر الموقف مع تحليلات تذهب في اتجاه محاولة الجزائر إعادة اكتشاف موريتانيا، يلمح إلى أن الجزائر تأخرت كثيراً في علاقاتها مع موريتانيا، في خضم صراع بينها وبين المغرب على النفوذ في المنطقة. وقال هادف، لـ"العربي الجديد"، "فعلاً الجزائر تسعى لإعادة اكتشاف موريتانيا، لكن محاولة استقطابها ليست بالأمر السهل في ظل غياب تخطيط استراتيجي بالنسبة للسياسات الجزائرية، وفي سياق التنافس مع المغرب". وأضاف "عندما سمعت بالمشروع الجزائري الموريتاني المتعلق بالمعبر البري استغربت، فقد كنت أعتقد أن التواصل البري قائم بين البلدين. وتساءلت لماذا بقي البلدان حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 ليبرما اتفاقاً يقضي بفتح أول نقطة عبور على الحدود بينهما منذ استقلالهما عن الاستعمار الفرنسي، في مقابل أن المغرب قطع شوطاً مهماً في علاقته مع موريتانيا. ورغم وجود التأشيرة بين الدولتين، فإن هناك رواجاً على مستوى التعامل البري، بل إن الاستثمارات المغربية في موريتانيا في ازدياد إزاء غياب جزائري ملحوظ".

وأعرب هادف عن اعتقاده بأن الخطوات الجزائرية الأخيرة باتجاه نواكشوط تحمل، إضافة إلى البعدين السياسي والاقتصادي، ملفاً أمنياً، قد يساعد على إيجاد حركة اقتصادية وتجارية في المناطق الحدودية منعاً للفراغ الذي استغلته المجموعات المسلحة وشبكات التهريب لسنوات. وأكد أن "بعث حركة اقتصادية وتجارية جديدة خدمة للطموحات الاقتصادية والاجتماعية للشعبين مشروع واعد، وهو أمر يستحق الاستثمار مهما كانت خلفيته الأمنية، خصوصاً إذا علمنا أن الجيش الموريتاني كان قد أعلن المنطقة الصحراوية، التي تفصل تندوف عن شوم، منطقة عسكرية مغلقة أمام الأفراد، بوصفها ملاذاً لعمليات التهريب وتحركات جماعات مسلحة. وأعتقد أن التواصل البري يساهم في إنعاش المنطقة واستتباب الأمن، في انتظار ما قد يترتب على المساعي الموريتانية الرامية إلى تلطيف الأجواء بحثاً عن حل لنزاع الصحراء".

لكن متابعين لتطورات العلاقات المغاربية، يضعون مجمل ما يحدث في سياق تطورات اقتصادية دفعت الجزائر للتحول نحو موريتانيا، ومحاولة الارتكاز عليها كمحور للتوغل في أفريقيا. وفي السياق، غلب الباحث في شؤون التنمية الحدودية ورئيس جمعية يوغرطة للاندماج المغاربي، مقداد إسعاد، المبررات الاقتصادية للخطوات السياسية المتخذة من قبل الجزائر باتجاه موريتانيا. وأشار، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه لا يفضل وضع ذلك في سياق استقطاب جزائري مغربي لموريتانيا، مضيفاً "لا أفهم الوضع على هذه الصورة. إن فتح المعبر البري بين البلدين مؤشر على استعداد الجزائر لتكون منطقياً المعبر لأفريقيا، وحجم المعبر دليل على ذلك، فهو الآن المعبر الجزائري البري الأكبر مقارنة مع باقي المعابر الحدودية، ولم يكن كذلك لو لم تكن أفريقيا هي الهدف بالنسبة للجزائر". وأشار إلى أن "الجزائر فهمت أخيراً أن أفريقيا هي المجال السهل والمضمون لكل دولة، والأكثر منفعة على كل المستويات، أمنياً واقتصادياً وسياسياً، وأعتقد أن هذا المعبر ليس الهدف الأول بل هو مكمل لخيارات أخرى، كالطريق العابر للصحراء. كما أنه يمكن تمرير البضائع عبر موريتانيا إلى أفريقيا وموانئ أخرى في السنغال وساحل العاج ونيجيريا وغيرها". وأعرب إسعاد عن اعتقاده أن الجزائر تتجه، في الوقت ذاته، إلى السيطرة على منطقة تندوف الحدودية التي تتقاطع حدودياً مع موريتانيا وأيضا مع المناطق الصحراوية التي تسيطر عليها جبهة البوليساريو، موضحاً أن منطقة تندوف محاصرة عسكرياً بسبب وجود "حكومة الجمهورية الصحراوية" ومخيمات اللاجئين الصحراويين فيها. وقال "لا يجب أن ننسى أيضاً الوزن الجيوستراتيجي لمنطقة تندوف سياسياً واقتصادياً، وهي منطقة لم تدخلها فرنسا إلا في عام 1937، وعلى خلاف باقي المناطق الجزائرية، فقد جاءها الجيش الفرنسي من الجنوب، انطلاقاً من موانئ ساحل العاج واجتاز الساحل ليصل إليها. كما يجب ألا ننسى وجود غار جبيلات، المنجم المفتوح للحديد، الذي لم يدخل الإنتاج بعد".

وخلال فترة حكمه، منذ عام 1999، لم يقم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بأية زيارة إلى نواكشوط، إذ كانت موريتانيا، برغم عامل الحدود، على هامش الخريطة الدبلوماسية في الجزائر، لكن الأخيرة انتبهت، في الوقت الضائع، لضرورة إعادة اكتشاف بلد غفلت عنه لعقود لصالح المغرب، الغريم السياسي في المنطقة، وبات ممراً ضرورياً للعبور بأقل كلفة سياسية واقتصادية إلى أفريقيا. ويشار إلى أنه في إبريل/ نيسان عام 2015، توترت العلاقات الجزائرية الموريتانية، بعد قرار نواكشوط طرد الدبلوماسي الجزائري، بلقاسم شرواطي، الذي كان يشغل منصب المستشار الأول لسفير الجزائر بنواكشوط. وزعمت موريتانيا وقتها أنه يقف وراء تسريب معلومات خاطئة إلى مواقع إخبارية موريتانية تتعلق بالعلاقات مع المغرب. واعتبرت السلطات الموريتانية أنها تقارير تهدف إلى الإضرار بالعلاقات الموريتانية المغربية، وردت الجزائر على القرار بقرار مماثل، إذ قررت طرد السكرتير الأول للسفير الموريتاني في الجزائر. وسبق هذا التوتر استياء نواكشوط من موقف الجزائر الرافض للانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب حينها سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي حمل الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى الحكم في نواكشوط في أغسطس/ آب 2008.