العلاقات الباكستانية ـ الأميركية: كل الطرقات تمر عبر أفغانستان

13 أكتوبر 2018
يتهم خليل زاد باكستان بتأجيج الوضع بأفغانستان (فرانس برس)
+ الخط -
اهتمّ كثر بجولة المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة الأفغانية، زلماي خليل زاد، في أفغانستان وباكستان والسعودية وقطر والإمارات للتباحث بشأن أبعاد المصالحة الأفغانية، أخذاً في الاعتبار الموقف السلبي المعروف لإسلام آباد إزاء تولي خليل زاد هذا المنصب، كونه معروفاً بسياساته المناهضة لباكستان، وصنّفته مراراً بأنه السبب الرئيسي لاستمرار الحرب في أفغانستان. وتنبع أهمية الجولة من أنها حصلت بعد زيارة مهمة لوزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي إلى واشنطن والتي استمرت عشرة أيام.

كان هدف زيارة قريشي أمراً واحداً: محاولة ترميم العلاقات الأميركية ـ الباكستانية، التي شهدت توتراً متواصلاً خلال السنوات الماضية، ولكن ذلك على خلاف رغبات كابول، ذلك لأن إسلام آباد تسعى لجعل واشنطن تعيد النظر في علاقاتها معها من دون النظر إلى القضية الأفغانية وعلاقات باكستان مع الهند، وهو ما أشار إليه قريشي، في تصريحات أدلى بها في مدينة ملتان عقب عودته من واشنطن، وقال فيها: "نطلب من واشنطن، وقد كررت ذلك خلال لقاءاتي مع المسؤولين الأميركيين، ألا تنظر إلى علاقاتها مع إسلام آباد بمنظار أفغاني ـ هندي، وأن تخرج ملف أفغانستان عن العلاقات بيننا كشركاء استراتيجيين". وأشار إلى أن "إسلام آباد مستعدة أن تعمل الكثير لواشنطن في المنطقة شرطَ أن تقبل الأخيرة العرض الجديد". لكنه في الوقت نفسه، كرّر أثناء وجوده في واشنطن أن "أية تسوية في أفغانستان تمرّ عبر باكستان، وأن واشنطن بحاجة إلى دعم باكستان، لذا لا بد أن تحسن واشنطن التعامل مع إسلام آباد".

لكن الأمر يبدو بعيداً كل البعد عن نوايا قريشي، لأن الولايات المتحدة المنخرطة في قضية أفغانستان، والساعية لحلّ القضية لا يمكنها إعادة النظر في علاقاتها مع باكستان بعيداً عن أفغانستان. كما أبدت اعتقادها، وفق تصريحات أركان في إدارة دونالد ترامب، بأن اللاعب الرئيسي وراء استمرار دوامة الحرب في أفغانستان هو باكستان الداعمة الأساسية للجماعات المسلحة. بالتالي، بات ترميم العلاقات الأميركية ـ الباكستانية مرهوناً بالقضية الأفغانية.

ومعلوم أنه على مدى التاريخ، فإن أفغانستان كانت دائماً حاضرة في العلاقات بين باكستان وأميركا، وكانت تشكّل أساس التعاون والشراكة بينهما خلال العقود الأربعة الماضية. وهي بدأت تحديداً بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان (1979 ـ 1989)، حين بدأ الصراع بين الأميركيين والروس، وعليه نفّذت واشنطن مخططاتها من خلال الأراضي الباكستانية. وحين وصلت القوات الأميركية إلى أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، كانت باكستان مرة أخرى الداعمة الرئيسية لها، فقتلت واعتقلت المئات من قيادات وأنصار "القاعدة" وحركة "طالبان" من أجل إرضاء الأميركيين. في المقابل، قدمت الولايات المتحدة لباكستان أموالاً طائلة ودعماً كبيراً على كل المستويات، وهو ما طرح السؤال حول إمكانية فصل العلاقة الأميركية ـ الباكستانية عن المسار الأفغاني.


وبدا أن الولايات المتحدة قد رفضت مطلب فصل العلاقة عن المسار، وفقاً لنبرة قريشي بعد عودته من واشنطن. وفي هذا الإطار، كتبت صحيفة "دان" المحلية الباكستانية، أنه "كان للولايات المتحدة طلبان أثناء زيارة قريشي لها وهما: عدم السماح لقيادات طالبان بإدارة الحرب في أفغانستان من الأراضي الباكستانية، وجلب طالبان إلى طاولة الحوار مع الحكومة الأفغانية"، في إصرار أميركي على أن تمر علاقاتها مع إسلام آباد عبر كابول. وهذا ما أكدته زيارة خليل زاد وجعل باكستان إحدى أهم محطات تلك الزيارة. كما أشارت إلى ذلك مجريات زيارة الرجل إلى إسلام آباد وما دار من المباحثات هناك. في هذا الشأن، علّقت السفارة الأميركية، في بيان لها، على زيارة خليل زاد إلى إسلام آباد بالقول إن "خليل زاد طلب من باكستان أن تؤدي دورها في المصالحة الأفغانية، لأن الأمن في أفغانستان يصبّ في مصلحة باكستان والمنطقة بأسرها".

وعُدّت مباحثات خليل زاد جدية للغاية من الطرف الأميركي، إذ أبدى السفير الأفغاني لدى إسلام آباد، عمر زاخيلوال، وهو آخر من التقى به المبعوث الأميركي قبل مغادرته إلى الرياض، تفاؤله بحذر إزاء الأحاديث التي دارت في باكستان بشأن المصالحة الأفغانية، بالقول: "ننتظر الخطوات العملية من باكستان، أما الولايات المتحدة فجديتها والتنسيق بين الإدارات المختلفة فيها إزاء القضية الأفغانية في غاية الإيجابية بالنسبة إلى مستقبل أفغانستان".

وبغض النظر عن التناقضات الموجودة في الموقف الباكستاني عموماً وفي تصريحات وزير الخارجية الباكستاني على وجه الخصوص، إلا أن دعوة باكستان الأخيرة لواشنطن خيبت آمال الأفغان مرة أخرى، إذ كان الأفغان يعتقدون أن باكستان ستؤدي دوراً رئيسياً لجلب "طالبان" للحوار، لكن هذه الدعوة توحي بأن إسلام آباد تريد أن تحذف كابول وترمم علاقاتها مع واشنطن"، ما يعني أنه لا نية للمساعدة في الوصول إلى التسوية، وجلب "طالبان" إلى الحوار. ولعل هذا كان السبب وراء كلام زاخيلوال الذي أشاد بالجدية الأميركية وظلّ حذراً حيال الموقف الباكستاني.

بقدر ما رحبت أفغانستان بتعيين زلمي خليل زاد مبعوثاً أميركياً خاصاً للمصالحة الأفغانية، كانت باكستان مستاءة حيال التعيين. فخليل زاد، الأميركي من أصول أفغانية، اتهم دائماً إسلام آباد بـ"الازدواجية في التعامل مع القضية الأفغانية"، واعتبرها "سبباً وراء استمرار دوامة الحرب، والخسائر التي تكبّدتها القوات الأميركية". كما سبق أن قال أثناء عمله سفيراً أميركياً لدى كابول، إن "على واشنطن القيام بعمليات داخل الأراضي الباكستانية ضد قيادات المسلحين"، داعياً إياها إلى "اتخاذ إجراءات صارمة ضد إسلام آباد لأنها هي التي ستوقعها في مستنقع خطير بأفغانستان". في المقابل، يعتبر تعيين خليل زاد وتصريحات وزير الخارجية الباكستاني وموقف باكستان عموماً، بمثابة نجاح نسبي للقيادة الأفغانية. فدعوة باكستان لواشنطن، لترميم علاقاتها مع إسلام آباد، بعيداً عن القضية الأفغانية، تعني أن كابول استطاعت التأثير في الموقف الأميركي.

المساهمون