مؤتمر سوتشي بلا المعارضة: روسيا تبحث عن بديل للهيئة العليا السورية

28 يناير 2018
الحريري: القرار يمثل قوى الثورة والمعارضة السورية (آكن كياغان/الأناضول)
+ الخط -
بعد طول تردد، حسمت المعارضة السورية موقفها لمصلحة عدم المشاركة في مؤتمر سوتشي الذي دعت إليه موسكو نهاية يناير/ كانون الثاني الحالي، في خطوة قد تباعد بينها وبين روسيا وتفتح على تصعيد من جانب الأخيرة ضد هذه المعارضة، وهو ما سارعت قاعدة حميميم الروسية بالفعل إلى التلويح به. لكن القرار يعيد التأكيد على الدور المحوري للمعارضة في أية تسوية سياسية، إذ يضع قرار المقاطعة مؤتمر سوتشي في مهب الريح، ويفقد قراراته كثيراً من أهميتها، في ظل غياب التغطية لها من جانب المعارضة الرئيسية، فضلاً عن غياب التغطية الدولية، المتمثلة خصوصاً في موقف الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية. وذكرت وكالة الإعلام الروسية أمس السبت أن المؤتمر "سيدعو الشعب السوري لتقرير مستقبله في تصويت شعبي من دون أي ضغوط خارجية". ونقلت وكالة الإعلام عن مسودة بيان المؤتمر قولها إنها ستدعو إلى "بقاء سورية دولة موحدة وإجراء تصويت على مستقبل البلاد". وتتابع الوثيقة: "يحدد الشعب السوري مستقبل بلاده ديمقراطياً من خلال التصويت". 

وقد عبّر رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة، نصر الحريري، عن هذا المزاج الذي يجعل قرار المعارضة هذه المرة مستنداً إلى زخم دولي وشعبي يتيح للمعارضة جداراً قوياً لصد أية عواقب أو ضغوط قد تمارس عليها نتيجة هذا القرار. وقال الحريري، خلال مؤتمر صحافي أمس السبت، إن قرار الهيئة بعدم المشاركة في مؤتمر سوتشي جاء بعد "محاورات جادة تناولت أدق تفاصيل مؤتمر سوتشي وجولة لوفد الهيئة شملت كثيراً من دول العالم". وأكد أن قرار هيئة المفاوضات السورية "يمثل قوى الثورة والمعارضة السورية، التي تمثل أكثر من مليون شهيد، ومئات آلاف المعتقلين الذين يقبعون في سجون النظام، وعشرات آلاف المغتصبات، والمعتقلات، ومئات آلاف الأطفال الذين استهدفوا جسدياً ونفسياً، ونمثل مئات آلاف الشباب السوري". واعتبر الحريري أن جولة فيينا الأخيرة كانت اختباراً لمدى جدية روسيا والنظام السوري، مشيراً إلى أن المعارضة تعاملت مع المفاوضات بطريقة إيجابية، وهي مستعدة للتحلي بأقصى مرونة ممكنة، لافتاً إلى أن هناك إجماعاً شعبياً على عدم المشاركة في المؤتمر، ولا يمكن لوفد المعارضة تجاهل هذا الإجماع.

وحول غياب المعارضة عن مؤتمر لـ"الحوار الوطني" مثل سوتشي، رأى الحريري أن الحوار الوطني السوري يجب أن يتم خلال المرحلة الانتقالية وفي ظل دستور جديد للبلاد، مؤكداً جاهزية المعارضة للانخراط في أية صيغة "تؤدي إلى حل حقيقي وتخفف معاناة أهلنا". وأشار رئيس هيئة التفاوض السورية إلى أن هيئة المفاوضات مستمرة في الحوار مع روسيا والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأردن، والسعودية، والأمم المتحدة، في إطار محاولة الدفع بالعملية السياسية في جنيف، ومحاولة الاستفادة من أي مبادرة بهذا الشأن، لافتاً إلى أن مشاورات المعارضة مع كل الأطراف أسهمت في ظهور بعض الأفكار التي قد تساعد في دفع العملية السياسية، في إشارة إلى ورقة "الدول الخمس" التي طرحتها كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن خلال اجتماع فيينا الأخير. وفي محاولة، كما يبدو، للإبقاء على خيوط التواصل مع روسيا، قال الحريري إن الروس لم يمارسوا علينا أية ضغوط، مؤكداً أن المعارضة سترحب وتتبنى أي شيء إيجابي يصدر عن مؤتمر سوتشي.


غير أن الجانب الروسي لم يخف امتعاضه من قرار المعارضة بمقاطعة مؤتمر سوتشي. وسارعت قاعدة حميميم الروسية في سورية إلى القول إن هذا القرار "ستكون له تبعات عديدة على الأرض". وأشارت القاعدة، عبر معرفاتها غير الرسمية، إلى أنه لا يزال لديهم "الكثير من العمل للقضاء على التنظيمات المتطرفة في سورية، وتأخر مسار العملية السياسية لن يكون من مصلحة المعارضة السورية بأي شكل من الأشكال". من جهتها، أكّدت وزارة الخارجية الروسية أن مؤتمر "الحوار الوطني السوري" في سوتشي سيعقد في موعده المقرر، وأن رفض وفد هيئة المفاوضات السورية المشاركة فيه لن يؤثر على انعقاده. ونقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن مصدر في الخارجية الروسية قوله "كنا نظن أنهم سيشاركون في أعمال المؤتمر، ويقبلون ربما ببعض الوثائق النهائية. ولكن إذا لم يرغبوا في المشاركة سيشارك آخرون غيرهم. هناك 1600 شخص يجب أن يحضروا، وهذا رقم تمثيلي ذو مغزى، كما أن هؤلاء المشاركين في المؤتمر يمثلون جميع شرائح المجتمع السوري". وقال المصدر إن "موسكو لم تستلم بعد من هيئة المفاوضات السورية المعارضة رداً رسمياً بشأن عدم المشاركة في مؤتمر سوتشي". وأضاف "أرسلنا لهم دعوة وننتظر ردهم. حتى الآن لم نتسلم رداً رسمياً من جانبهم".

وكانت هيئة التفاوض العليا قد قررت مقاطعة مؤتمر سوتشي بعد أن صوّت 26 عضواً من أصل 36 بعدم المشاركة في المؤتمر، وسط ترحيب كبير من شخصيات سياسية وعسكرية بهذا القرار. وقال المتحدث باسم وفد المعارضة السورية، يحيى العريضي، في تصريحات من فيينا، إن النظام السوري وحلفاءه لم يقدموا التعهدات اللازمة، معتبراً أن مؤتمر سوتشي محاولة لتقويض جهود الأمم المتحدة للتوسط في اتفاق سلام. غير أن مصادر مطلعة لم تستبعد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تشارك شخصيات من الهيئة في المؤتمر بشكل مستقل، في حال تمت دعوتها لحضور الجلسات. وقال عضو وفد هيئة التفاوض، فراس الخالدي، في تغريدات على موقع "تويتر"، "إنهم (في منصة القاهرة) ملتزمون بقرار هيئة التفاوض العليا بالمقاطعة"، لافتاً إلى أن التصويت كان قبل الجلسة الأخيرة مع المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا.

بدوره، قال مسؤول الدائرة الإعلامية في الائتلاف السوري، أحمد رمضان، على حسابه في "تويتر"، "إنه تم أخذ القرار بعد مفاوضات ماراتونية مع الأمم المتحدة وممثلي الدول المعنية بملف سورية". واعتبر أن "روسيا فشلت في تسويق المؤتمر، الذي قاطعه الائتلاف الوطني السوري أيضاً، إذ إن طائراتها ما زالت تقصف الغوطة الشرقية وريف إدلب". ورأى رئيس الهيئة السياسية لـ"جيش الإسلام"، التابع للمعارضة السورية، محمد علوش، أن روسيا فشلت بتطبيق الهدنة في الغوطة الشرقية، متسائلاً عن كيفية الالتزام بتعهداتها في سوتشي؟. وقال علوش، في تدوينة، "فشلت روسيا عملياً في تطبيق هدنة أعلنتها الليلة الماضية في الغوطة، ولا تزال صواريخ الفيل تقصف الغوطة ولم تستطع وقف إطلاق النار 10 دقائق فقط". وأضاف "كانت قد تعهدت في مبنى الأمم المتحدة في فيينا بوقف إطلاق نار مفتوح، فكيف ستوفي بأي التزام ستقطعه على نفسها في سوتشي؟".

وكان قد انتهى أول من أمس اجتماع بين ممثلي المعارضة والنظام في فيينا من دون التوصل إلى نتائج واضحة. وأعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن أمينها العام أنطونيو غوتيريس قرّر إيفاد دي ميستورا إلى المؤتمر لأنه "واثق بأن المؤتمر في سوتشي سيساهم بشكل أساسي" في إحياء محادثات السلام التي تعقد برعاية أممية في جنيف. ورأت مصادر دبلوماسية غربية أن "الروس يعلمون أن غياب وفد المعارضة عن سوتشي سيعني فشل هذا المؤتمر"، معتبرة أن "فشل سوتشي سيكون كارثياً بالنسبة للروس، ما يعني أن روسيا عاجزة عن تحويل انتصارها العسكري إلى انتصار سياسي".

ويرفض النظام السوري أي مفاوضات في شأن مستقبل بشار الأسد، إضافة إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، الذي صدر عام 2015، وينص على وضع دستور جديد وإجراء انتخابات حرة في أجواء محايدة. وقال مصدر في المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، إن النظام السوري يتحفظ كما يبدو حتى على الورقة الروسية المقدمة إلى مؤتمر سوتشي، وهو يصر على أن يتركز النقاش في المؤتمر حول "محاربة الإرهاب" و"وحدة الأراضي السورية"، مشيرة إلى أن النظام ما زال على موقفه الرافض مناقشة أية قضايا تتعلق بالحل السياسي وانتقال السلطة، أو حتى تنظيم انتخابات حرة وفق دستور جديد، بسبب غياب أية ضغوط جدية عليه من جانب روسيا، وهو ما كان الدافع الرئيسي للمعارضة من أجل اعلان موقفها بمقاطعة مؤتمر سوتشي. واستذكر تصريحات رئيس الوفد الروسي إلى سوتشي قبل أكثر من شهر، التي قال فيها إن من يرفض بقاء الأسد في السلطة عليه ألا يأتي إلى سوتشي.

وكان مصدر سوري قد كشف، لـ"العربي الجديد"، أن الدول الخمس وضعت مقابل دعمها لمؤتمر سوتشي شروطاً عدة، وهي أن يكون المؤتمر لمرة واحدة، وألا يكون بديلاً عن مسار جنيف، وأن تحضره الأمم المتحدة والهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية. وأضاف أن من بين الشروط أيضاً أن تكون العملية الدستورية والانتخابية بمرجعية الأمم المتحدة، وألا تشكل أي لجنة خارج الأمم المتحدة، وذلك بعد حديث روسي عن إمكانية تشكيل ثلاث لجان خاصة خلال المؤتمر لمتابعة النقاط التي يتم التباحث بشأنها خلال المؤتمر. ووفق المصدر فإن هذه الشروط قدّمتها الدول الخمس لموسكو كرد مشترك بعدما وجّهت إليها روسيا دعوات للمشاركة في سوتشي، وتم إبلاغ وفد المعارضة المشارك في فيينا بهذه الشروط.