سورية: تحركات لتطويق مؤتمر سوتشي

17 يناير 2018
الجولة المقبلة من جنيف أواخر الشهر الحالي(زو جينكوان/فرانس برس)
+ الخط -


تحاول المعارضة السورية حشد دعم دولي من أجل تفعيل العملية السياسية في مسار جنيف التفاوضي، مقابل مساعي روسيا بدعم من النظام للقفز فوق هذه العملية من خلال عقد مؤتمر سوتشي المقرر في 29 و30 من الشهر الحالي، بهدف ترسيخ رؤية روسية للحل تُبقي على النظام، مع عزم موسكو على عقد هذا المؤتمر قبل مفاوضات جنيف التي لم يُحدَد موعد نهائي لها حتى اليوم. فيما تبدو المعارضة متجهة لمقاطعة سوتشي، ومن المتوقع أن تُصدر قرارها النهائي حياله عقب اجتماع الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض يومي الخميس والجمعة المقبلين.
كذلك تتوالى مؤشرات تفيد برغبة أميركية في إحياء مسار جنيف التفاوضي، وهو ما سيظهر بشكل أوضح عند إلقاء وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، كلمة مقررة هذا الأسبوع يحدد فيها الخطوط العريضة للرؤية الأميركية للحل السياسي في سورية. ويتزامن الحراك السياسي مع توتر عسكري في سورية، من جراء الخطوة الأميركية بإنشاء قوات حدودية قوامها مقاتلو قوات سورية الديمقراطية، الأمر الذي يثير استياء تركيا بشكل رئيسي، إلى جانب إيران وروسيا، وهو ما انعكس في تأكيد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده "ستتخذ كافة التدابير الضرورية من أجل الحفاظ على أمننا القومي، في إطار حقوقنا النابعة من القانون الدولي في مواجهة التطورات الأخيرة في سورية".

وأعلن رئيس الهيئة العليا للمفاوضات نصر الحريري، في مقابلة مع وكالة "رويترز" أمس، أن الجولة المقبلة من محادثات جنيف ستعقد في أواخر يناير/كانون الثاني الحالي، ربما بين 24 و26 يناير في فيينا. واستبعد أن تحضر المعارضة اجتماع سوتشي، موضحاً أنها لم تتلق دعوة بعد ولم تتخذ قراراً نهائياً بشأن الحضور، مع تأكيده أن "الاتجاه العام هو عدم الذهاب إلى سوتشي، ورأيي الشخصي هو أنه بشكلها الحالي، من غير المقبول الذهاب إلى سوتشي".
ودعا الحريري الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعماء الاتحاد الأوروبي لزيادة الضغط على رئيس النظام بشار الأسد وعلى روسيا وإيران للعودة إلى المحادثات. وأضاف: "آن الأوان كي يزيد ترامب و(المستشارة الألمانية أنجيلا) ميركل و(رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا) ماي الضغوط وجمع المجتمع الدولي للوصول لحل سياسي حقيقي وعادل في سورية". وأضاف أن دماء المدنيين ستظل تراق في سورية ما لم تكثف الولايات المتحدة وقوى الاتحاد الأوروبي من الضغط على الأسد وحلفائه الكبار في روسيا وإيران. وعن الخطط الأميركية لدعم قوة قوامها 30 ألف فرد تتشكل بالأساس من "قوات سورية الديمقراطية"، تساءل الحريري "ما هي فوائد تشكيل مثل هذا الجيش؟ سيفتح ذلك الباب على مصراعيه أمام صراع مستقبلي في المنطقة، وقد يفتح الباب أمام تقسيم سورية في المستقبل".

وفي لقاء عقده في البرلمان البريطاني قبيل اجتماعه بوزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون أمس، أكد الحريري رفض المسؤولين الأميركيين لمسار مؤتمر سوتشي خارج إطار الشرعية الدولية، مشيراً إلى أن الأميركيين يرون أن مسار محادثات أستانة قد وصل إلى نهايته. وتعليقاً على الجولة الحالية التي يقوم بها إلى جانب وفد من المعارضة، قال الحريري إنهم تلقوا دعوة من الطرف الأميركي للتشاور حول إمكانية تفعيل المسار التفاوضي في جنيف، والتقوا بأعضاء من الإدارة الأميركية وبوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، والذي سيلقي هذا الأسبوع كلمة يحدد فيها الخطوط العريضة للرؤية الأميركية للحل السياسي في سورية.

وجاء موقف الحريري في وقت يواصل فيه وفد من الهيئة العليا للمفاوضات برئاسته، جولة غربية. وأكدت مصادر في الهيئة أن الوفد يعقد في العاصمة البريطانية لندن اجتماعات مع مسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية لـ"حشد الدعم الدولي من أجل تفعيل العملية السياسية في جنيف وتطبيق القرار الدولي 2254". وكان وفد الهيئة قد التقى الإثنين، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فريدريكا موغيريني، ومدير مكتب الشرق الأوسط في الاتحاد الأوروبي مايكل ميلر. وأشارت مصادر في الهيئة إلى أنه تم تبادل الرؤى حول المستجدات على الساحة السورية، خصوصاً الجانب الإنساني منها. وذكرت المصادر أن الحريري "حث ممثل الاتحاد الأوروبي على نقل تفاصيل معاناة المدنيين السوريين تحت القصف، والحصار الذي يفرضه نظام بشار الأسد وروسيا والمليشيات الإيرانية، إلى الدول الأعضاء"، فيما شددت موغيريني على أن "العقوبات الأوروبية على نظام الأسد لن ترفع قبل تحقيق الانتقال السياسي في سورية، والتطبيق الكامل للقرار 2254 وبيان جنيف"، وفق المصادر. وكان وفد الهيئة قام أخيراً بزيارة إلى الولايات المتحدة، طالب خلالها واشنطن بالقيام بدورها في الوقوف أمام الهيمنة الروسية في سورية وعرقلة موسكو التوصل لحل سياسي في مفاوضات جنيف.

وفي السياق، يواصل وفد عسكري من فصائل المعارضة السورية المسلحة يضم قادة بارزين منها، زيارة إلى الولايات المتحدة. ولم تصدر بيانات أو تصريحات من أعضاء الوفد تُبين ما تم تحقيقه خلال الزيارة، إلا أنه من المتوقع أن يطالب الوفد واشنطن باستمرار الدعم العسكري للفصائل التي تصنف ضمن ما يُعرف بـ"المعارضة المعتدلة".


وتأتي هذه التحركات قبل اجتماعات للهيئة العليا للمفاوضات في العاصمة السعودية الرياض يومي الخميس والجمعة المقبلين للتحضير للاستحقاقات المقبلة، أبرزها الجولة التاسعة من مفاوضات جنيف، ومؤتمر سوتشي. وأعلن عضو الهيئة أحمد العسراوي في حديث مع "العربي الجديد"، أن العديد من القضايا ستكون على طاولة الاجتماع من ضمنها مؤتمر سوتشي. وتوقع أن يصدر عن الاجتماع "موقف واضح من هذه القضية"، مشيراً إلى أن هناك "دعوات جدية للقاء مع الروس"، مؤكداً أن القرار حيال هذه القرارات سيكون في الاجتماعات المقبلة. وعن الجولة المقبلة من جنيف، أفاد العسراوي بأنه "من غير الواضح مدة هذه الجولة، هل ستكون قصيرة أم أنها ستمدد كما الجولة السابقة".

من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم وفد الهيئة العليا في جنيف، يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد": "نفكر بمؤتمر سوتشي على مدار الساعة، نبحث في اتقاء شره على القضية السورية، ونسعى أن نوجه الأمور بما يخدم قضيتنا، فهو الحاضر الغائب والغائب الحاضر".

في غضون ذلك، تواصل موسكو تحضيراتها لعقد مؤتمر سوتشي على الرغم من تأكيد أغلب تيارات وهيئات المعارضة السورية والفصائل العسكرية رفضها المشاركة فيه، معتبرة أنه محاولة لشرعنة الاحتلالين الروسي والإيراني وتثبيت منظومة الاستبداد في سورية. وأكدت مصادر مطلعة أن موسكو تسعى لتأجيل الجولة المقبلة من جنيف إلى ما بعد مؤتمر سوتشي، مشيرة إلى أن الروس يضغطون على الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا من أجل المشاركة في المؤتمر الذي تسعى موسكو لعقده في شتى السبل، فهي تدرك أن فشلها للمرة الثانية في عقده يفقدها الكثير من الأوراق، خصوصاً أنها عملت طويلاً من أجل إفشال مسار جنيف لتبقى اللاعب الأبرز في القضية السورية.

وفي السياق، بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في اتصال هاتفي بينهما أمس، "التسوية السورية في إطار مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي"، وفق بيان للخارجية الروسية.

من جهته، لم يحسم دي ميستورا قرار المشاركة في سوتشي. ونقلت المتحدثة باسم الأمم المتحدة في جنيف أليساندرا فيلوتشي، في موجز صحافي أمس، عن المبعوث الأممي تأكيده أن موقفه لا يزال ثابتاً إزاء المؤتمر المقبل، إذ يرحب بكل ما يخدم المفاوضات القائمة تحت الرعاية الأممية بشأن التسوية السورية. وذكرت فيلوتشي أن دي ميستورا يعمل حالياً على التحضير للجولة التاسعة من مفاوضات جنيف، مشيرة إلى رغبة الأمم المتحدة في تنظيم هذه الجولة قبل نهاية الشهر الحالي بالتوافق مع الخطط الأولية.

ومن المتوقع وفق مصادر إعلامية روسية دعوة نحو 1600 شخص لمؤتمر سوتشي، أغلبهم من الموالين للنظام، أو يتماهون إلى حد بعيد مع الرؤية الروسية للحل السياسي في سورية. وهناك تباين كبير في الرؤية بين مكونات الهيئة العليا للمفاوضات حيال المشاركة في مؤتمر سوتشي، إذ تدفع منصة موسكو للمشاركة فيه، كما أن هناك عدداً من المستقلين في الهيئة يرون أن من الخطأ مقاطعة المؤتمر في حال تم الحصول على تأكيد روسي على أنه ليس بديلاً أو موازياً لمسار جنيف. ونقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن قيادي في تيار "قيم مواطنة حقوق" ويتزعمه هيثم مناع، أن التيار تلقى دعوة رسمية للمشاركة في مؤتمر سوتشي، مشيراً إلى أن تياره ينظر بـ"إيجابية للدعوة الموجهة للسوريين إلى الحوار في ما بينهم، من دون أن يكون بهدف فرض أجندات أو فرض أوراق على المؤتمرين تخل بسورية الموحدة الديمقراطية".