بالكاد عرف وليا العهد اليوم في السعودية والإمارات بعضهما بعضاً قبل أن يمارسا معاً الهواية المفضّلة على نحو واسع في الخليج: التخييم بين العشيّة والضحى في صحراء السعودية الشاسعة، ترافقهما الصقور المدرّبة، ونفر قليل من حاشيتيهما. ذلك ما تكتبه معلّقة صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، ماغاريتا ستانكاتي، في تقريرها الموسّع الذي سلّط الضوء على العلاقة الخاصّة الآخذة بالتبلور بين ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
رحلة التخييم تلك، التي تضاهيها في الغرب جولات "الغولف" الرئاسية، على حدّ تعبير الصحيفة، انطلقت قبل عام ونصف العام، وكانت نقطة تحوّل في الصداقة المزدهرة بين نجل العاهل السعودي، والأخ الأصغر لرئيس دولة الإمارات، وفقًا لأشخاص مطّلعين على الرحلة.
وترى معدّة التقرير أن العلاقة بين الرجلين بات ينظر إليها، على نحو واسع، باعتبارها نقطة مركزيّة في عمليّة التحوّل التي تخوضها المملكة الغنيّة بالنفط والمحافظة على نحو متشدّد، نحو مواءمة سياساتها، أكثر فأكثر، مع جارتها الأصغر، والأكثر "ليبرالية" وتنوّعًا اقتصاديًّا.
وعلى هذا النحو، تضيف الكاتبة أن السعوديين باتوا الآن يتخذون خطوات أكثر جرأة للحد من "التطرف الديني" في الداخل، وتشديد الموقف حيال الجماعات الإسلامية في الخارج، وهو الأمر الذي ما انفكّت الإمارات تدعو إليه منذ سنوات.
ويضيف كريغ أن بن سلمان، حتّى وقت قريب، تعاطى بشكل جيّد مع أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، "لكن لأن قطر والإمارات يبتعدان بمقدار 180 درجة عن بعضهما بعضاً؛ فقد كان على السعودية أن تختار".
عطفًا على ذلك، يقرّ عدد من الأشخاص المقرّبين من الديوان الملكي للصحيفة أن القيادة السعودية كانت منقسمة حول كيفيّة التعامل مع قطر، على الرغم من أنّ مسؤولين سعوديين وإماراتيين يؤكّدون أن القرار ضدّ قطر اتّخذ بالإجماع. وتنوّه الصحيفة، في هذا الإطار، إلى أن الديوان الملكي لم يستجب لطلباتها بالتعليق.
ويمضي التقرير إلى القول إن الإمارات ترى في استقرار السعودية و"اعتدالها" أولويّة عليا بالنسبة لأمنها القومي، وذلك مردّه، بشكل كبير، إلى موقعها وإلى كونها "مهد الإسلام"، وفق ما أفاد به أشخاص مقرّبون من القيادة في الإمارات. ويرى هؤلاء، أيضًا، أن السعودية وجارتها مصر هما مركزا نفوذ إقليمي، وتأثيرهما يتجاوز بكثير حدودهما الجغرافية.
بناء على ذلك، فإن القيادة الإماراتية ترى في بن سلمان "أفضل رهان" في وجه "عدم الاستقرار" في المملكة، كما تستطرد المصادر ذاتها التي تنقل عنها الصحيفة. وعلى هذا النحو، فإن بن زايد (56 عامًا)، الحاكم الفعلي في الإمارات، بحسب وصف الصحيفة، ساهم في تنظيم زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأخيرة إلى السعودية في مايو/أيار الفائت، ولعب هو ونظراؤه من كبار المسؤولين في الإمارات دورًا أساسيًّا في الضغط على الإدارة الأميركية الجديدة لصالح بن سلمان، وفق ما صرّح به أشخاص مطّلعون على طبيعة العلاقة بين الرجلين.
وفي هذا الصدد، يقول أحد المقرّبين من القيادة في الإمارات للصحيفة، إن بن زايد "يرى في بن سلمان شخصًا محدّثًا (حداثيّاً)، ويفهم أهمية السعودية في العالم". وتنقل معدّة التقرير عن أشخاص مقرّبين من قيادتي البلدين أن السعودية لجأت إلى جارتها الإمارات بحثًا عن توجيهات في قضايا تتراوح بين تطوير الصناعات الدفاعية المحلية، وإصلاح صندوق ثروتها السيادي. ويشير التقرير، تعقيبًا على هذه النقطة، إلى أن السعوديّة، في سبيل صياغة خطّة التطوير الخاصّة بها، لجأت إلى بعض البنوك وشركات الاستشارات التي لجأت إليها الإمارات قبل عقود مضت.
ولعلّ ما يؤشّر إلى هذا التحوّل مؤخّرًا، كما تبيّن الصحيفة، هو أن السعودية تعمل حاليًّا على تطوير قطاعها السياحي، وهو ما بدأت به في الفعل الثلاثاء الماضي، حينما أعلنت عن خطط لتطوير ساحلها المحاذي للبحر الأحمر وحوالى 50 جزيرة تتبع لها إلى مواقع سياحية مترامية الأطراف، بحيث يصبح بمقدور الأجانب من معظم الجنسيات، في نهاية المطاف، زيارتها من دون تأشيرة. وفي بلد لا يصدر حتّى الآن تأشيرات سياحيّة، كما تقول معلّقة الصحيفة، فإن هذا المشروع من شأنه أن يمثّل انفتاحًا غير مسبوق على الزوار الأجانب.
وتختم الكاتبة تقريرها بتعليق من المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية، ورئيس مجلس الأعمال الأميركي الإماراتي الحالي، داني سيبرايت، إذ يصف هذا الأخير العلاقة بين بن سلمان وبن زايد بأنها تمثّل "ديناميكيّة جديدة تعيد بالفعل تشكيل المنطقة، ليس الآن فحسب، وإنما في المستقبل أيضًا".