4 مدن تفصل العراق عن إعلان تحرير كامل أراضيه من "داعش"

01 سبتمبر 2017
اتجاه لتحرير قرى بغرب العراق قبل الحويجة(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
الحويجة وعنّة وراوة والقائم شمال وأقصى غرب العراق، هي آخر ما تبقى تحت سيطرة تنظيم "داعش" في عموم البلاد. وبعد تحرير القوات العراقية لتلعفر، تسود حالة من الترقب للمرحلة المقبلة، وسط تضارب واضح في تصريحات القيادات العراقية حول الوجهة الجديدة للجيش، بين من يعطي الأولوية لتحرير الحويجة ومن يفضل التفرغ أولاً لمدن أعالي الفرات الثلاث في الأنبار.

وأكد مسؤولون عراقيون ميل بوصلة دبابات الجيش إلى غرب العراق، وتأجيل الهجوم على الحويجة لأسباب سياسية تتعلق بالأزمة بين بغداد وأربيل. ورجحت مصادر مطلعة أنْ تبدأ حملة تحرير مدن القائم وعنة وراوة المتجاورة، في أعالي فرات العراق بمحافظة الأنبار، نهاية سبتمبر/أيلول المقبل، وذلك في حال لم تحسم الخلافات السياسية حول ملف الحويجة الواقعة على بعد 55 كيلومتراً جنوب غرب كركوك، وتقطنها غالبية عربية من عشائر شمر وعبيد وجبور.

وتشكل مساحة المناطق الأربع تلك أقل من 3 في المائة من إجمالي مساحة العراق، ما يعني أن بغداد تمكنت وبدعم أميركي وغربي واسع، من تحرير نحو 44 بالمائة من مساحة أراضي العراق المحتلة من قبل تنظيم "داعش"، منذ منتصف عام 2014. وبلغ عدد المناطق العراقية التي تم تحريرها لغاية الآن، 23 قضاءً و139 ناحيةً و6400 قرية وبلدة صغيرة في محافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى وبابل، فضلاً عن مناطق حزام بغداد، والتي يقطنها أكثر من 8 ملايين نسمة.

وأعلنت الحكومة العراقية، أخيراً ، عن عودة مليونين و100 ألف عراقي لمنازلهم في المدن المحررة. وتؤكد منظمات محلية وأخرى دولية وجود أكثر من 3 ملايين نازح داخل العراق لم يعودوا حتى الآن، إضافةً إلى حوالي مليون آخرين خارج العراق، تحتل تركيا والأردن الصدارة في استقبالهم، ويليهما لبنان ومصر. ويعيش النازحون بصفة مقيمين ويرفض معظمهم اكتساب صفة لاجئ لكون غالبيتهم من الميسورين.

وذكر قائد عسكري عراقي رفيع أن "نهاية العام الحالي ستكون نهاية صفحة سيطرة داعش على المدن العراقية، إلا أنها لن تكون نهاية المعارك، فعناصر التنظيم تفرقوا وتحولوا إلى خلايا وجيوب في مناطق واسعة من العراق، ويجب عدم رسم صورة وردية للعراقيين بشأن عام 2018"، وفقاً لقوله. وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الوحدات القتالية العراقية ستتجه إلى أعالي الفرات حتماً إذا استمرت المشكلة السياسية مع الأكراد، وستبدأ بعملية تحرير عنّة ثم راوة والاتجاه غرباً نحو الحدود السورية حيث مدينة القائم العراقية". وتابع أن "الحملة ستتطلب نحو شهرين بسبب المساحات الشاسعة، وهناك إمكانية فتح جبهة الحويجة في حال تم التوصل لحل سياسي حولها بالتزامن مع معركة أعالي الفرات أو بعدها بقليل"، بحسب تأكيده.

ويقدر عدد سكان المدن الأربعة ما بين 80 إلى 100 ألف نسمة. وتؤكد التقارير العراقية الأمنية وجود ما لا يقل عن 4 آلاف عنصر من تنظيم "داعش" في تلك المدن غالبيتهم عراقيون وسوريون.


واعتبر المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، العميد يحيى رسول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "نتائج المعارك المقبلة محسومة لصالح العراقيين". وقال إن "هناك جدولا زمنيا لتحرير كل مدينة من المدن المتبقية تحت سيطرة داعش"، مؤكداً أن ذلك "سيكون قريباً جداً". وتقطع منذ عدة أشهر القوات العراقية جميع الطرق المؤدية إلى المدن الأربع وتفرض حصاراً خانقاً عليها، ما تسبب بأزمة إنسانية كبيرة نجم عنها وفيات جراء نقص الغذاء والطعام وانتشار الأمراض. ومما يفاقم معاناة سكان تلك المدن هو منع "داعش" خروجهم من المدن وفرض عقوبات تصل إلى حد القتل لمن يتم إلقاء القبض عليه، وهو يحاول الفرار من مناطق حكم "التنظيم".

وقال عضو قيادة عمليات الجيش العراقي في الأنبار، المقدم فلاح عبد الكريم الحمداني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك مؤشرات على أن داعش سيكرر مسألة انسحابه من المدن الأخرى كما فعل في تلعفر". وأضاف أن "قيادة داعش وجدت التحصن بالمدن معركة خاسرة حتى لو طالت سنة أو سنتين، فإن مصيرها أن تخسر هذه المعركة وتفقد عناصرها، لذا من المتوقع أن تكرر لعبة الانسحاب أملاً في إعادة تجميع صفوف مقاتلي التنظيم وشنّ هجمات خاطفة جديدة على شكل خلايا وجيوب تضرب وتهرب"، بحسب تعبيره. وبيّن أن "هذا الخيار هو الوحيد المطروح أمام التنظيم، لذا فإن الجيش العراقي بدأ يعتمد على المسح الجوي في تتبع أرتال داعش وعناصره بالمناطق الصحراوية إلى جانب تفعيل الجانب الاستخباراتي". وأشار إلى أن "العراقيين السنّة هم الأكثر تعاوناً مع القوات العراقية في ما يتعلق بأي معلومات عن داعش بسبب ما سبّب لهم من مآس وخراب وموت" وفقاً لقوله.

وتبرز مشكلة تحرير مدينة الحويجة في الإصرار الكردي على مشاركة قوات البشمركة ورفض أي دور تركماني أو عربي عشائري فيها. كما يرفض إقليم كردستان العراق مشاركة مليشيات "الحشد الشعبي"، ويعتبر أن الوجود العسكري لبغداد في المحافظة سيهدد بعودة فرض الحكومة العراقية سيادتها على كركوك بعد انتقالها فعلياً إلى سيطرة أربيل عام 2014. ويتحكم إقليم كردستان بكامل المدينة مع حقولها النفطية، وتتواجد قوات كردية فقط داخلها، في حين يغيب أي وجود لأي قوات نظامية عراقية فيها.

وفي هذا السياق، قال أحد شيوخ عشائر الحويجة، خضر العبيدي، إن "تحرير الحويجة يحتاج قبل كل شيء إلى مفاوضات سياسية بين بغداد وأربيل، ومن دون ذلك فإن المدينة ستبقى لفترة طويلة تحت سيطرة الإرهابيين"، وفق تعبيره. وذكر في تصريح سابق له أنه يجب "على الحكومة تشكيل قوات محلية من سكان المدينة الذين نزحوا منها، وهناك المئات من شباب المدينة الذين نزحوا إلى وسط وشمال البلاد وهم مستعدون للتطوع في صفوف القوات الأمنية لتحرير مدينتهم ومساعدة القوات الأمنية في ذلك لأنهم أكثر من يعرف طبيعتها الجغرافية".

واعتبر عضو البرلمان العراقي، خالد المفرجي، تأخير استعادة الحويجة بأنه "مؤامرة على المكوّن العربي في كركوك". وقال في مؤتمر صحافي سابق إن "المكون العربي يتعرض لمؤامرة في كركوك، منها تأخير تحرير الحويجة ومناطق جنوبي كركوك وغربيها، وما يعانونه يومياً من ضغوط في مجال النزوح والعيش، مطالباً رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بتحرير الحويجة وتخفيف الضغط عنهم"، وفق تعبيره.

وكشف مسؤول في الحكومة العراقية لـ"العربي الجديد"، عن أن وفداً استخباراتياً أميركياً سيصل إلى بغداد خلال أيام لمناقشة خطة ملاحقة خلايا "داعش" التي تبعثرت في العراق، خصوصاً في مدن الشمال والغرب". وأضاف أن واشنطن ستقدم مساعدات استخباراتية للعراق كطائرات مراقبة وأجهزة رصد حديثة كما ستنظم ورش ودورات مهنية في الحرب الاستخباراتية على الإرهاب، فضلاً عن تقديم منح مالية لجهاز الاستخبارات الوطني العراقي. وأكد أن الفترة المقبلة ستكون فترة هجمات وتفجيرات مختلفة ستطاول بغداد ومدن عراقية أخرى آمنة، بحسب توقعات أجهزة الاستخبارات العراقية وغرفة "التحالف الدولي" في بغداد.
المساهمون