لم يكن أحد ليتوقع تحالفاً في العراق يجمع كلا من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ونائب الرئيس العراقي إياد علاوي، يوماً ما بعد العملية العسكرية التي شنّها الأخير حين كان رئيساً للوزراء عام 2004 ضد أنصار الصدر في محافظة النجف (180 كيلومتراً جنوب بغداد) وأسفرت عن مقتل وإصابة واعتقال المئات من عناصر التيار الصدري، لكن السياسة التي جعلتهم أعداء حولتهم لحلفاء على وشك الدخول في الانتخابات التشريعية المقررة العام المقبل ضد خصم مشترك، وهو حزب "الدعوة" بقيادة نوري المالكي، الذي بات أكثر عزلة من أي وقت مضى شعبياً وسياسياً.
تحالف الصدر وعلاوي الذي انفتح على رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، بدأ همساً، قبل أن يتحول جزء منه إلى العلن من خلال زيارات متبادلة بين أطرافه التي اجتمعت على هدفين، أولهما الفوز في الانتخابات، والآخر إقصاء رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وائتلافه "دولة القانون" عن تصدر العملية السياسية والاستحواذ على كرسي رئاسة الوزراء مرة أخرى.
الأطراف الثلاثة تجاوزت خلافاتها في سبيل الحيلولة دون عودة المالكي، المدعوم من إيران للسلطة، مستغلة خلافات سابقة مع رئيس "ائتلاف دولة القانون"، فالتيار الصدري طالما طالب بضرورة الثأر من المالكي الذي قتل واعتقل آلاف الصدريين في عملية أُطلق عليها اسم "صولة الفرسان" عامي (2006 -2007). أما أياد علاوي، فلم ينس لغاية الآن إزاحة كتلته عن تولي رئاسة الوزراء من قبل المالكي عام 2010، على الرغم من حصول القائمة العراقية التي كان يرأسها في ذلك الحين على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، فيما يخشى العبادي كثيراً من احتمال تنامي قدرة المالكي من جديد، ما قد يدفعه إلى التفكير بالعودة إلى السلطة حتى وإن كان بصورة غير شرعية.
مصدر سياسي مقرّب من التيار الصدري أكد لـ "العربي الجديد"، أن "الاتفاق بين الصدر وعلاوي والعبادي كان قد حصل من حيث المبدأ"، موضحاً أن "التحالف الثلاثي بدأ منذ أيام عدة بمغازلة تيار رئيس التحالف الوطني الحاكم عمار الحكيم، الذي شكّله أخيراً باسم (تيار الحكمة الوطني) للانضمام إليه".
وأشار إلى أن "تأخر الإعلان عن انبثاق التحالف الثلاثي، كان متعلقاً في الجزء الأكبر منه بقانون الانتخابات"، مضيفاً أن "مناقشات الكتل أكدت على أن التحالف الكبير سينبثق في حال كان قانون الانتخابات مفيداً للكتل الكبيرة، ويتشظى إذا كان القانون بخلاف ذلك".
ولفت إلى أن "تصويت البرلمان على قانون الانتخابات بصيغة سانت ليغو المعدّل، يصبّ في خدمة الكيانات السياسية الكبيرة، الأمر الذي قد يصب في مصلحة الإسراع بالإعلان عن التحالف الجديد"، مؤكداً "وجود مساعٍ لاستقطاب أحزاب وشخصيات سنية وكردية لتوسيع تحالف الصدر ـ علاوي ـ العبادي".
وكان البرلمان العراقي صوّت يوم الثلاثاء الماضي، على قانون انتخابات مجالس المحافظات (الحكومات المحلية)، بالاعتماد على آلية سانت ليغو المعدل، التي وبحسب مراقبين ومتابعين للشأن الانتخابي العراقي، تصبّ في مصلحة الأحزاب الكبيرة وتقصي الصغيرة.
وفي إطار التمهيد لهذا التحالف، شدد علاوي على "ضرورة إزالة جدران الطائفية السياسية"، مؤكداً أن "انكفاء الأحزاب الحاكمة وراء الطائفة أو المكون حرم العراق من التمتع بهيبته كدولة، أو التمتع بالفرص القيمة التي يوفرها التنوع الاجتماعي والثقافي".
وانتقد علاوي الأحزاب التي "وظفت التعددية العرقية والدينية والمذهبية في عملية الصراع الطائفي، الذي أغرق البلاد في بحور من الدم وركام الحرب، فضلاً عن تبديد فرص أخرى من خلال كبح الانفتاح الإقليمي والدولي". ودعا في بيان إلى "إزالة إفرازات الطائفية كالانتقام، وقانون اجتثاث حزب البعث المنحل في العراق".
التناغم بين الصدر والعبادي لتشكيل تحالف انتخابي لم يقتصر على التنسيق مع علاوي، إذ سبق لمصادر سياسية أن أكدت وجود تحركات لضم رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، ورئيس "ائتلاف متحدون"، نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي لهذا التحالف.
في المقابل، بدا المالكي غير مطمئن للتقارب بين خصومه، ما دفعه للإسراع نحو بناء تحالفات انتخابية مع عدد من فصائل مليشيا "الحشد الشعبي" التي أسسها بعد دخول تنظيم "داعش" الموصل وعدد من المدن العراقية منتصف عام 2014. كما قرر التوجه نحو محافظة السليمانية في إقليم كردستان مستغلاً سوء علاقة الأحزاب الكردية هناك بالبرزاني.
في المبدأ، شكّل المالكي تحالفات مع حركة التغيير، والاتحاد الوطني الكردستاني المقربتين من إيران، وفي هذا الشأن قالت النائبة في البرلمان عن الاتحاد الوطني الكردستاني، آلا طالباني، إن "المالكي سيكون الحليف الرئيسي لحزبها خلال المرحلة المقبلة"، مشيرة إلى "وجود مطلب من قبل (ائتلاف دولة القانون) بزعامة المالكي، لتشكيل حكومة أغلبية سياسية. وهذا الأمر قيد الدراسة، لأن على الحكومة المقبلة أن تكون عابرة للطائفية من خلال تجاوز المحاصصة الحزبية والفئوية، والتركيز على إيجاد الحلول للمشاكل المتراكمة".
وعمل المالكي على كسب بعض الأصوات في المناطق المحررة من "داعش"، خصوصاً النواب الذين شاركوا منتصف الشهر الماضي في "مؤتمر بغداد"، الذي أعلنوا فيه عن "تحالف انتخابي مقرّب من المالكي ومدعوم من إيران".
وبدا المالكي متفائلاً بتحالفه الجديد من خلال تأكيده بأن "الانتخابات المقبلة ستكون صعبة وتحمل كثير من المفاجآت"، موضحاً في بيان أن "غالبية القوى السياسية تؤيد إجراء الانتخابات في موعدها، كما يرفض المجتمع الدولي تأجيلها".
"تحالف القوى العراقية" الذي يمثل المحافظات السنية العراقية "لا تبدو معالم تحالفاته المقبلة واضحة لغاية الآن، في ظلّ الانشقاقات التي تضرب صفوفه"، حسبما كشف أعضاء في التحالف لـ "العربي الجديد". وأضافوا أن "عددا من نواب وسياسيي التحالف يحضّرون للانشقاق وتشكيل كيان سياسي خاص بهم، تمهيداً للاشتراك في الانتخابات المقبلة"، مشدّدين على أن "التيار السياسي الجديد سيضمّ بعض القيادات التي حضرت مؤتمر بغداد".
إلى ذلك، أكد عضو البرلمان عن "تحالف القوى العراقية"، عبد الرحمن اللويزي، على "وجود مشاورات داخل القوى السياسية التي شاركت في مؤتمر بغداد لتشكيل تكتل انتخابي جديد يخوض الانتخابات المقبلة"، موضحاً في تصريحات صحافية أن "تحالف القوى يشهد انقساماً سياسياً كبيراً"، على الرغم من تفاؤل البعض بالتحالفات الجديدة كعضوة البرلمان السابقة عتاب الدوري، التي أكدت أن "الحراك السياسي الذي تشهده البلاد هذه الأيام طبيعي".