الغنوشي يخلط الأوراق في تونس بربطة عنق وبتحذير الشاهد

03 اغسطس 2017
تساؤلات حول نيّة الغنوشي الترشح لانتخابات الرئاسة(ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
شكّل حوار رئيس حركة "النهضة" التونسية، راشد الغنوشي، لقناة "نسمة" الخاصة، يوم الثلاثاء الماضي، نقطة تحوّل سياسي واضحة في تونس. فقد أعاد الغنوشي خلط الأوراق في تونس من جديد، ويبدو أنه يرسم مرحلة سياسية جديدة لم تتضح معالمها بعد بشكل كامل، ولكنها بالتأكيد لن تصب في مصلحة رئيس الحكومة، يوسف الشاهد. ودعا الغنوشي الشاهد صراحةً للتعهد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية 2019 وطلب منه الالتزام بأنه "غير معني بانتخابات 2019" وأنه "ليس معنياً إلا بإدارة الشأن العام في تونس، خاصةً الاقتصادي وتنظيم انتخابات بلدية ثم تشريعية ورئاسية". وبرر الغنوشي دعوته بخوفه من أن تكون "هذه الحكومة أو رئيسها أو بعض وزرائها يفكرون في الترشح للرئاسة عام 2019"، داعياً إياهم إلى أن "يبقوا أعينهم مركزة على مشاكل البلاد".

وذكّر الغنوشي بتجربة رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، قائلاً إن "حكومة مهدي جمعة في عام 2014، أدارت الشأن الاقتصادي والانتخابي، ولكن خلال الطريق، فكّر جمعة بأنه بإمكانه الترشح للانتخابات الرئاسية وهو ما أحدث تشويشاً، إلا أنه سرعان ما عاد إلى مهمته الرئيسية"، مضيفاً أن "موضوع 2019 لا يزال باكراً حتى ننشغل به"، وفق تعبيره.

كلام لا يحتمل التأويل، ومعناه أنه على الشاهد أن يختار بين الاستمرار في منصبه ولكن بتأجيل طموحاته السياسية، أو الاستبعاد واللحاق بركب المنتظرين لانتخابات 2019، والاستعداد لها من الآن كرئيس سابق للحكومة. إلا أن السؤال يتمثل في معرفة ما إذا كان هذا الموقف يمثل رأي حركة "النهضة" فقط أم أن اتفاقاً ما تم خلف الجدران المغلقة لإطاحة الشاهد؟

الصدفة السياسية شاءت أن تصدر عن مدير "نداء تونس"، حافظ قائد السبسي، في نفس اليوم، فكرة مبادرة جديدة، لأنه "أصبح من الواضح بما لا يدع مجالاً للشك، بأن التحديات الاقتصادية والاجتماعية قد تعاظمت أكثر من أي وقت مضى، وأن الانتظارات المشروعة للتونسيين تكبر يوماً بعد يوم"، بحسب قوله.


وشدّد السبسي الابن، في نص نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، على أن "عجلة النمو قد تعطلت لأسباب عدة، منها الدولي ومنها الداخلي ومنها ما تراكم منذ عقود، على الرغم من المجهودات التي تبذلها الحكومة والتي تتطلب الدعم والتشجيع". وقال "لكننا اليوم نبقى بعيدين عن المنتظر والمأمول، ويصبح من واجبنا اليوم كحزب أول يتحمل، مع شركاء، مسؤولية الحكم، وبناءً على المؤشرات الاقتصادية الصعبة، أن نطرح أولوية الإنقاذ الاقتصادي كمهمة عاجلة"، بحسب تعبيره. ولذلك، دعا إلى "حوار اقتصادي يفضي إلى مبادرة وطنية اقتصادية واجتماعية، يحدد مضمونها ويضع آلياتها كل الشركاء في الوطن بعيداً عن كل حسابات سياسوية وفي شكل خريطة طريق تكون ملزمة للجميع"، وبرعاية رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي.

وما تعنيه هذه المبادرة ببساطة أن حكومة الشاهد قد فشلت في إدارة تلك الملفات، وأن حواراً وطنياً جديداً فقط يمكن أن يتفادى الأزمة. والسبسي الابن، التقى في نفس اليوم أيضاً، أي الثلاثاء الماضي، مع الأمين العام لـ"الاتحاد العام التونسي للشغل"، نور الدين الطبوبي، للتداول "بخصوص الوضع الراهن ومختلف القضايا ذات البعد الوطني".

وفي نفس الإطار، دعا الغنوشي في مقابلته التلفزيونية، إلى حوار مجتمعي اقتصادي تلتزم الحكومة بمخرجاته. وقال "مثلما نظمنا حواراً وطنياً سياسياً لا بدّ من تنظيم حوار مجتمعي". ويتضح أن هناك تنسيقاً بين الطرفين، أو توارداً وتقارباً كبيراً في الأفكار، دفع البعض إلى توقّع أن يكون هذا التنسيق قد تم بالفعل وكالعادة بين السبسي والغنوشي، خلال اللقاء الذي جمعهما في قرطاج منذ أيام. فهل يعني هذا أن أيام الشاهد أصبحت معدودة؟ أم أن في جعبته ما يمكن أن يؤخر الحسم لفترة؟ وهذا السؤال جوهري ويتطلب طرح التطورات من زاوية الشاهد وليس من زاوية الغنوشي، إذ ركَّز معظم المتابعين على الشكل الذي ظهر به الغنوشي في الحوار المذكور، وهو ما أثار تساؤلات عديدة حول دلالاته وما تعكسه ربما من نوايا سياسية، ذهب أغلبها إلى اعتبار أن رئيس "النهضة" يمهد الطريق لمرحلة جديدة، قد تقوده إلى المنافسة على الرئاسة في عام 2019.

الغنوشي ظهر لعموم التونسيين، عبر التلفزيون، بربطة العنق لأول مرة، على الرغم من أنه أطل بها في احتفال للسفارة المغربية في تونس. ورأى البعض أن هذا الأمر هو تحوّل يعكس أفكاراً جديدة، وهذا ما لم ينفه مستشاره السياسي، لطفي زيتون، الذي اعتبر في تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، أن "ارتداء رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي لما يعتبره التونسيون زياً رسمياً (بدلة وربطة عنق) هو مغادرة منه لمربع الطائفة وخطوة منه نحو الدولة"، وفق تعبيره. ولم يوضح زيتون ما يقصده بـ"الخطوة نحو الدولة" وما إذا كانت العبارة تعني نيّة الغنوشي الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2019.

ولكن مجرد التفكير في ذلك والإعلان عنه، أو التلويح به، سيكون مصلحة خالصة لحركة "النهضة"، إذ سيستوجب على خصومها ومنافسيها ترضيتها بكل الطرق لإبعادها عن شبح التنافس في كل الأصناف، وهي القادرة على ذلك بكل وضوح بسبب تنظيمها وتماسكها وحفاظها على جزء كبير من مخزونها الانتخابي، مع أن تقييم ذلك فعلياً سيكون في الانتخابات البلدية المقبلة.

وأياً تكن تأويلات الحدث، فإن الثابت هو أن الشاهد سيمر بأيام صعبة، وأن خلط الأوراق السياسية في تونس بات مؤكداً، وسيطاول أكثر من طرف وجهة، بدأت انتقاداتها تتواتر مباشرة بعد الحوار، معتبرةً أنه ليس من حق الغنوشي مصادرة رغبة أي كان في الترشح وأنه تجاوز صلاحياته، كما أن البعض ذهب إلى حد اتهامه بالتحضير لانقلاب ناعم، كونه منزعجا من الحرب على الفساد، بحسب المنتقدين.

وعلى الرغم من أن مسألة ترشح الغنوشي للرئاسة تبقى مستبعدة لأسباب عديدة، أولها أنها لم تطرح مطلقاً في صفوف الحركة ومؤسساتها، وبسبب اقتناع "النهضة" بأن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لم تنضج بعد لتنافس على كل المستويات، وهي معطيات لم يتغير منها شيئاً إلى حد اليوم، بل لعلها ترسخت أكثر. وبسبب كل ذلك، يتأكد أنه من المبكر جداً التوصل لاستنتاج بشأن نيّة الغنوشي في التوجه نحو قرطاج (قصر الرئاسة) والدخول من الآن في منافسة السبسي، بما يعنيه ذلك من سقوط كامل بناء التوافق والتوازن السياسي في تونس. ولعل الغنوشي وجّه رسالة واضحة للجميع في هذا الشأن، وأكد أنه في انسجام تام مع حليفه، بل لعله اصطفاف واضح حول خيارات مشتركة، أهمها قانون المصالحة الذي أكد أنه سيمر، فضلاً عن امتعاضه من مهاجمة البعض للسبسي، مما يعني بالضرورة أن هناك اتفاقاً واضحاً حول تحجيم الشاهد وتنبيهه إلى أن العمل للحساب الخاص غير متاح.