الاتفاق الأميركي-الروسي لجنوب سورية: حماية حدود إسرائيل والأردن

09 يوليو 2017
عمان تتطلع لإعادة عدد من اللاجئين السوريين(توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
يكرّس اتفاق توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا والأردن لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، حماية حدود كل من الأردن وإسرائيل عملياً، في ظل مخاوف السوريين من محاولات إقليمية ودولية من أجل تقسيم بلدهم إلى مناطق نفوذ تنهي أي آمال بعودة الاستقرار، والتوصل لاتفاق سياسي جاد للقضية السورية. وأكدت المعارضة السورية أن الاتفاق الذي تم بمعزل عن إرادة السوريين يشرعن ويكرس "الاحتلالين الروسي والإيراني"، ويفتح باب تساؤلات تتعلق باستراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة في سورية. ويدخل الاتفاق الروسي-الأميركي-الأردني حيز التنفيذ ظهر الأحد، ويشمل محافظتي درعا والسويداء وقسماً من محافظة القنيطرة.

وأُعلن عن هذا الاتفاق يوم الجمعة، بعد اجتماع عُقد في مدينة هامبورغ الألمانية بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة "مجموعة العشرين"، من دون الخوض بتفاصيل هذا الاتفاق الذي يعد باكورة تعاون روسي-أميركي في الملف السوري، في ولاية ترامب.

وقال مسؤول أردني رفيع المستوى، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الهدنة ستراقب من خلال صور عبر الأقمار الصناعية وطائرات من دون طيار، وكذلك مراقبين على الأرض. وستنشر روسيا، حليفة نظام بشار الأسد، عناصر من الشرطة العسكرية في المنطقة. وأضاف المسؤول أنه يمكن تقاسم المعلومات المتعلقة بالامتثال للهدنة ومناقشتها في مواقع مختلفة، بما في ذلك الأردن.

ولم تشارك إسرائيل في هذه المحادثات، لكن يفترض أن تكون واشنطن قد أعلمتها بما يجري، وفقاً لمسؤول أردني تحدث إلى وكالة "أسوشيتد برس". وقال المسؤول الأردني إن المجتمع الدولي والقوى الإقليمية والأردن لن يتسامحوا مع إقامة "خط يربط الطريق من طهران إلى بيروت". وأضاف أن "مثل هذا الهلال الشيعي سيعطل التوازن الإقليمي ويعتبر خطاً أحمر كبيراً"، وفق تعبيره. وتابع المسؤول الأردني أن نجاح الهدنة قد يمهد الطريق لإجراء محادثات حول استعادة سورية السيطرة على المعابر الحدودية مع الأردن، والتي فقدتها أمام المعارضة خلال الحرب.

بدوره، أشار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى أن الاتفاق يتضمن "تأمين وصول المساعدات الإنسانية، وإقامة اتصالات بين المعارضة في المنطقة، ومركز مراقبة يجري إنشاؤه في العاصمة الأردنية"، فيما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية قوله إن وقف إطلاق النار في جنوب سورية يعد "خطوة أولى" نحو ترتيب أكبر. وقال المسؤول الذي شارك في المفاوضات وطلب عدم نشر اسمه "إنها خطوة أولى نتصور (بعدها) ترتيباً أكبر وأكثر تعقيداً لوقف إطلاق النار وترتيباً لعدم التصعيد في جنوب غرب سورية". وأضاف أن مزيداً من المناقشات ستحدد جوانب حاسمة في الهدنة ومنها من سيتولى مراقبتها.


وجاء الاتفاق نتيجة اجتماعات مكثفة عقدها خبراء روس وأميركيون وأردنيون في عمّان، لم تكن إسرائيل بعيدة عنها، لإرساء ترتيبات أمنية تجنب جنوب سورية فوضى ربما تؤدي إلى خلط الأوراق، وهو ما يشكل مساساً بأمن الأردن وإسرائيل.

وأكّد وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد المومني، أنه "وفقاً للترتيبات التي تم التوصل إليها في عمان، سيتم وقف إطلاق النار على طول خطوط تماس اتفقت عليها قوات الحكومة السورية والقوات المرتبطة بها من جانب، وقوات المعارضة السورية المسلحة". وأوضح المومني، في تصريحات يوم الجمعة، أن "الأطراف الثلاثة اتفقت على أن يكون وقف النار هذا خطوة باتجاه الوصول إلى خفض دائم للتصعيد في جنوب سورية، ينهي الأعمال العدائية ويعيد الاستقرار ويسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المنطقة المحورية في سورية". وخلص إلى أن "الدول الثلاث أكدت أن هذه الترتيبات ستسهم في إيجاد البيئة الكفيلة بالتوصل إلى حل سياسي دائم للأزمة، كما أكدت التزامها العمل على حل سياسي عبر مسار جنيف وعلى أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وبما يضمن وحدة سورية واستقلالها وسيادتها".

ورحّب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بالاتفاق قائلاً "إنه المؤشر الأوّل إلى أنّ الولايات المتحدة وروسيا قادرتان على العمل معاً في ما يتعلق بسورية". وقال إن أهداف البلدين في سورية "متطابقة تماماً".

لكن دبلوماسياً أميركياً كبيراً في وزارة الخارجية أقرّ بأنّ الولايات المتحدة تبقى "متواضعة" و"واقعية" في أهدافها، نظراً إلى فشل عمليات وقف إطلاق النار السابقة التي تفاوضت واشنطن وموسكو في شأنها. وأقرّ أيضاً بأنّ "سياق العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا صعب"، لكن "لدينا شعور ولديهم شعور بأنه إذا أردنا حلاً للنزاع السوري، فيجب علينا أن نكون منخرطَين معاً"، وفق ما أوردت وكالة "فرانس برس".

ورفض قياديون في "الجبهة الجنوبية" التابعة للمعارضة السورية المسلحة، التعليق على الاتفاق، مكتفين بالقول إنهم لا يملكون تفاصيل عنه. وأكد الوفد العسكري الذي يمثل المعارضة في مفاوضات أستانة، في بيان، أن "عقد اتفاق منفرد في جنوب سورية بمعزل عن الشمال (يمثل) سابقةً تقسّم سورية وتكرّس القبول بالوجود الإيراني، في ما بعد بالمناطق العازلة المحددة بـ40 كيلومتراً والمتاخمة للحدود السورية مع فلسطين المحتلة والأردن"، وفق ما جاء في البيان.

وعزز الاتفاق الجديد مخاوف السوريين من اتجاه المجتمع الدولي نحو تقسيم بلادهم، أو تحويلها إلى مناطق نفوذ إقليمية ودولية، مع الإبقاء على بشار الأسد في السلطة لتكريس هذا الواقع في ظل انسداد آفاق حل سياسي قريب. وحققت أطراف الصراع ما تريده من هذا الاتفاق باستثناء إيران، والتي تسعى لتكريس وجودها في دمشق ومحيطها وحمص وريفها.

وأبعد الأردن مخاطر الوجود الإيراني من خلال حزب الله ومليشيات أخرى، عن حدوده وفق الاتفاق الذي ينص، بحسب مصادر مطلعة تحدث إليها "العربي الجديد"، على إبعاد المليشيات الإيرانية 30 كيلومتراً عن الحدود الأردنية-السورية. كذلك تسعى عمان إلى إرساء الاتفاق لإعادة عشرات آلاف اللاجئين السوريين على أراضيها إلى بلادهم، خاصة من مخيم الزعتري الشهير شمال الأردن.


وحققت روسيا ما سعت إليه طويلاً وهو التعاون الأمني والعسكري مع واشنطن في سورية، كما كرست نفسها لاعباً رئيسياً في الملف السوري يمكن أن تتعاون معه المعارضة السورية التي ترفض بالمطلق أي وجود إيراني في سورية. ويأتي نشر شرطة عسكرية روسية جنوب سورية وفق الاتفاق، ليؤكد أن الوجود الروسي في سورية بات مترسخاً جداً وبرضى أميركي، إذ من الواضح أن واشنطن اقتنعت أخيراً أن موسكو خلقت وقائع لا يمكن تجاوزها في سورية طيلة سنوات الصراع. وحققت إسرائيل جانباً من أهدافها في الاتفاق، لا سيما لجهة ترسيخ مبدأ تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ ربما تتحول إلى دويلات متناحرة مع مرور الزمن.

كذلك جاء الاتفاق كخطوة متقدمة لواشنطن في طريق تقليص النفوذ الإيراني على مراحل في سورية، كما أتى ليؤكد أن أي حلول في سورية لا تمر من دون موافقتها، خاصةً أن الاتفاق جاء بعيداً عن مسار أستانة الذي أرادت روسيا أن يكون مدخلاً لتكريس إرادتها في سورية. وتم الاتفاق الروسي-الأميركي-الأردني بمعزل كامل عن النظام والمعارضة، وهو ما يشير إلى أن سورية باتت "دولة فاشلة" يتحكم بمصيرها الآخرون. فنظام الأسد رهن البلاد لدى الروس والأميركيين في مقابل بقائه في السلطة، فيما لا تستطيع المعارضة تغيير معادلات الصراع بسبب ارتباطها هي الأخرى بأطراف إقليمية تملي عليها إراداتها.

من جانبه، رأى المحلل العسكري، العقيد مصطفى بكور، أن الاتفاق الروسي الأميركي "محاولة من قبل روسيا وإيران لشق صف المعارضة، وحل مشكلة الجنوب السوري لصالح النظام، خاصةً إذا ترافق وقف إطلاق النار مع تسليم معبر نصيب الحدودي مع الأردن للنظام". وأضاف أن الاتفاق "محاولة للضغط على فصائل الشمال من أجل حل مشكلة إدلب بنفس الطريقة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الاتفاق "ربما يكون مدخلاً للتقسيم". وقال "لكن لا أرى التقسيم أمراً واقعاً في المستقبل القريب؛ لأن التقسيم حالياً سيكون في مصلحة الفصائل المتشددة، لذا ربما يحصل بعد إضعاف المتشددين، أو إثارة الفتنة بينهم وبين الجيش السوري الحر"، وفق تعبيره.

واعتبر عضو وفد الثورة العسكري إلى أستانة، أيمن العاسمي، أن هدف الولايات المتحدة من الاتفاق "إبعاد الصراع عن حليفي واشنطن في المنطقة وهما الأردن وإسرائيل"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الاتفاق "يكرس الخلاف داخل المعارضة السورية". واعتبر أن الاتفاق خطير، مضيفاً أن الأمر يتعلق بالسعي لـ"خلق فجوة بين المعارضة في شمال والجنوب"، لكنه أكد أنهم "لن ينجحوا في ذلك". وأشار إلى أن اتفاق موسكو وواشنطن "فيه تشريع للاحتلالين الروسي والإيراني لسورية ومحاولة لتقسيمها من أجل ترسيخ نظام بشار الأسد لضمان المصالح الروسية والإيرانية في سورية".

وأكد العاسمي، وهو من أبناء درعا، أن المعارضة السورية لن تسلم معبر نصيب الحدودي مع الأردن للنظام، مشدداً على "أن المعارضة لم تقدم تنازلات في أستانة". وأشار إلى أن فصائل المعارضة "سوف تقاوم الاتفاق الروسي الأميركي الأردني وترفضه".

وكانت جولة محادثات "أستانة 5" قد فشلت بسبب خلاف روسي-تركي حول مستقبل شمال سورية. ورفضت موسكو إطلاق اليد التركية في شمال غربي حلب، حيث يريد الجيش التركي "تأديب" المليشيات الكردية في مدينة عفرين.

ومن المتوقع أن ينقل الاتفاق الروسي-الأميركي في جنوب سورية الصراع إلى مستويات تكرس حالة عدم اليقين في الملف السوري إلى حين الانتهاء من الحرب على تنظيم "داعش" في شرق سورية. وقال نائب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، رمزي عز الدين رمزي، أمس السبت، إن الاتفاق على وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية تطور إيجابي سيساعد في دعم العملية السياسية بالبلاد. وأضاف للصحافيين في دمشق أن الاتفاق خطوة في الاتجاه الصحيح وأنه يؤدي إلى دعم العملية السياسية.

المساهمون