صراعات ما بعد "داعش" في العراق: اقتتال وتصفيات للخصوم

23 يوليو 2017
الاقتتال يثير المخاوف على مصير المناطق المحررة (مارتن إيم/Getty)
+ الخط -
ما إن وضعت نار الحرب في الموصل أوزارها، وهدأت أصوات المدافع والصواريخ، حتى اندلعت صراعات جديدة في المدن والمناطق المحررة من سيطرة تنظيم "داعش"، بعضها مسلح كصراع البقاء في الساحل الأيسر للموصل بين مليشيات "الحشد الشعبي"، وقوات "حرس نينوى" التي يقودها محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، والبعض الآخر سياسي أطاح بمحافظين، وينذر بعودة التنظيم كما يجري في الأنبار.

الساحل الأيسر لمدينة الموصل الذي أُعلن عن تحريره في فبراير/شباط الماضي، تحوّل إلى أرضٍ خصبة لنشوب صراعات جديدة بين الجماعات المسلحة التي تريد فرض إراداتها، بحسب العقيد في الفرقة التاسعة بالجيش العراقي حيدر المولى، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن مرحلة ما بعد طرد تنظيم "داعش" قد لا تكون أفضل في ظل الاقتتال بين الجماعات المسلحة التي تستغل الفراغ الأمني لبسط نفوذها في المدينة.
ولفت المولى إلى أن "الجهة الشرقية للموصل شهدت هذا الشهر اشتباكين مسلحين"، موضحاً أن الاشتباك الأول كان بين مليشيا "بابليون" المنضوية ضمن مليشيات "الحشد الشعبي"، وقوات "حماية سهل نينوى" التي يتزعمها عضو البرلمان العراقي يونادم كنا، فيما الاشتباك الآخر "وهو الأخطر" فكان بين مليشيا "كتائب سيد الشهداء" التي تعمل ضمن "الحشد"، وقوات "حرس نينوى" التي يقودها النجيفي، موضحاً أن الصراع بين "الكتائب" و"الحرس" ما يزال مستمراً للسيطرة على الجانب الأيسر للموصل، في ظل التواجد الضعيف للقوات العراقية في الأحياء الشرقية للموصل.

وتسبّبت المواجهات المسلحة التي وقعت في مدينة الموصل يوم الجمعة الماضي بين "كتائب سيد الشهداء" وقوة تابعة لـ"حرس نينوى"، بسقوط جرحى من الطرفين، ووقعت حينما حاولت دورية لـ"كتائب سيد الشهداء" الاقتراب من حي المجموعة الثقافية في الساحل الشرقي للموصل، والواقع تحت سيطرة "حرس نينوى".
وعلى الرغم من محاولة قائد عمليات الجيش في نينوى اللواء نجم الجبوري تهدئة الأوضاع في الساحل الأيسر للموصل، والتقليل من حجم المواجهات التي حدثت هناك، إلا أن مليشيا "كتائب سيد الشهداء" تصر على التصعيد من خلال التهديدات التي أطلقتها ضد "حرس نينوى"، ومنحه مهلة انتهت أمس السبت للخروج من الموصل، بحسب المتحدث باسمها أحمد الموسوي. وتوعّد المتحدث في بيان برد مناسب إذا لم تخرج قوات "حرس نينوى" التابعة للنجيفي من الموصل، معبّراً عن استغرابه من صمت الحكومة على ما يقوم به "حرس نينوى " في المدينة على الرغم من إبلاغها بـ"الدور المشبوه" لتلك القوات في الموصل.

"ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، اصطف كعادته إلى جانب المليشيات، إذ أكدت النائبة عن الائتلاف فردوس العوادي أن احتكاك "حرس نينوى" مع مليشيات "الحشد الشعبي" في الموصل يمثّل مؤامرة لإخراج الأخيرة من المدينة، مشيرة في بيان إلى وجود محاولات تستهدف المليشيات من أجل الإساءة إليها، وإثارة الرأي العام ضدها. وتابعت: "ما يؤكد أن هذا الأمر وراءه خطة مدروسة، هو ظهور بيانات من بعض الذين باعوا الموصل يطالبون بإخراج الحشد من الموصل بعد حادثة الاحتكاك مباشرة"، مشددة على أن "الحشد الشعبي" خط أحمر، ولا يُسمح بأن يكون مادة للمؤامرات.
ويتكوّن "حرس نينوى" من مقاتلين محليين، تم تجنيدهم وتدريبهم على يد القوات التركية المتمركزة في بلدة بعشيقة في الموصل، من أجل حفظ الأمن في المناطق التي تُحرر من سيطرة تنظيم "داعش"، فيما تنتمي "كتائب سيد الشهداء"، لمليشيات "الحشد الشعبي" المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، والمتهمة بارتكاب جرائم قتل وخطف وتهديد وابتزاز في المدن المحررة.
وسبق لمسؤولين عسكريين عراقيين أن أكدوا الأسبوع الماضي اندلاع اشتباكات مسلحة بين مليشيا "بابليون"، ومليشيا "حماية سهل نينوى" أسفرت عن سقوط إصابات في صفوف الطرفين، على خلفية مشاكل تقاسم نفوذ وتهريب آثار في بلدة برطلة شرقي الموصل.


صراع ما بعد "داعش" لا يقتصر على الموصل، إذ تشهد محافظة الأنبار (غرب العراق) صراعاً سياسياً محموماً أطاح بمحافظها صهيب الراوي، وينذر بعودة التنظيم إلى مدن المحافظة المحررة.
عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار راجع العيساوي أكد وجود خلافات سياسية بدأت تعصف بالمحافظة خلال الفترة الأخيرة، محذراً في حديث لـ"العربي الجديد" من احتمال استغلال تنظيم "داعش" هذه الصراعات من أجل العودة إلى المدن المحررة، لا سيما أن المشاكل السياسية هي التي تسبّبت بسقوط عدد من مدن المحافظة بيد التنظيم عام 2014. وأشار إلى أن الأولى بسياسيي الأنبار التفكير بتحرير بلدات غرب المحافظة من "داعش"، مؤكداً أن الصراعات ستؤدي إلى تأخير تحرير بلدات القائم وعانة وراوة التي ما تزال تحت سيطرة التنظيم.

من جهته، اعتبر عضو مجلس شيوخ الأنبار محمد الجميلي، أن قدر المحافظة ألا تنعم بالاستقرار حتى بعد تحرير بعض مدنها من سيطرة تنظيم "داعش"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن الصراعات السياسية بين قوى المحافظة وصلت إلى مرحلة التصفية عن طريق التسقيط وبث الإشاعات، وإطلاق الاتهامات. وأضاف: "بعد قتال استمر أكثر من عامين مع داعش، برز صراع جديد على منصب المحافظ صهيب الراوي الذي أقيل قبل أيام، واليوم يحتدم الصراع بشأن خلافة الراوي ورئاسة الحكومة المحلية"، موضحاً أن تنظيم "داعش" يحاول استغلال هذه الصراعات من أجل شن هجمات مباغتة على بعض المناطق الرخوة في المحافظة.

وقالت مصادر أمنية لـ"العربي الجديد" أمس السبت إن القوات العراقية فرضت حظراً شاملاً على التجوال في بلدة كرمة الفلوجة (شرق الأنبار) بعد ورود معلومات استخبارية عن نية تنظيم "داعش" شن هجمات مباغتة في البلدة التي أعلن عن تحريرها من سيطرة التنظيم العام الماضي.
وفي سياق متصل، قال آمر الفوج الأول في القوات العشائرية في كرمة الفلوجة العقيد محمود مرضي، إن الحظر الذي فُرض حتى إشعار آخر شمل سير الأشخاص والمركبات والدراجات النارية والهوائية، موضحاً في تصريح صحافي أن الحظر جاء نتيجة لورود معلومات استخبارية بوجود عدد من عناصر "داعش" في البلدة، مشيراً إلى اتخاذ اجراءات أمنية احترازية للحيلولة دون حدوث خروق أمنية مفاجئة.