صفقات وتصفية ملفات إقليمية تحت غبار الحملة ضد قطر

18 يوليو 2017
استغلت الحملة ضد قطر لتمرير صفقات إقليمية(خالد الفقي/فرانس برس)
+ الخط -
في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، المصادف لذكرى نكسة 1967، يوم استكملت إسرائيل احتلال ما تبقى من فلسطين، وصولاً إلى هضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية، انفجرت نكسة أخرى في الإقليم العربي، يوم أعلنت أربع دول عربية (السعودية والإمارات العربية والبحرين ومصر) الحرب على دولة قطر. ومع أن الغارات الأولى للأزمة تمت فجر الرابع والعشرين من مايو/أيار، باختراق موقع "وكالة الأنباء القطرية"، وتلفيق تصريحات منسوبة للأمير تميم بن حمد، مع فتح شاشات القصف الإعلامي على أكثر من جبهة، إلا أن الهجوم الأوسع كان يوم الخامس من يونيو/حزيران، يوم أرسلت دول الحصار شروط "الاستسلام بلا قيد أو شرط"، إلى قطر، وكأنها بذلك تحاكي شروط الانتصار الذي أرسلته إسرائيل للدول العربية المهزومة في حرب 1967.

وبالبحث عن أسرار وخفايا الأزمة التي جرى معظم فصولها ليلاً، وبعيداً عن كل الذرائع المُعلنة، لا يمكن للمراقب غض الطرف عن جوانب خفية لأزمة أثارت سحب غبار سياسي وإعلامي، جرى من تحته تمرير العديد من الملفات العالقة في دول الحصار، وتمرير صفقات ومخططات في الإقليم العربي. وهو تكتيك طالما لجأت له الدول المأزومة، عبر خلق أزمات خارجية، لتنفيس أزمات داخلية، أو لتمرير صفقات يصعب تمريرها تحت سماء صافية.

وبالتدقيق تحت غبار الأزمة الراهنة، يمكن رصد مجموعة من الأزمات التي تم تصريفها، ومجموعة من الصفقات السياسية التي وقع تهريبها، بينما الإقليم مشغول بأزمة الدول الأربع مع قطر. في السعودية، وفي ليل هادئ، نجح القصر في العشرين من يونيو/حزيران بعزل ولي العهد محمد بن نايف، ونقل ولاية العهد إلى محمد بن سلمان، الذي باشر صلاحياته في اليوم التالي بإبعاد كل أتباع محمد بن نايف عن مواقع السلطة. ولا يخفى على أي مراقب أن هذه الخطوة لم تكن لتتم بهدوء، لو أنها لم تتزامن مع ضجيج الأزمة المفتعلة مع قطر.

وبالتزامن مع ذلك، وتحت غبار المواجهة مع قطر، حسم النظام المصري ملف "تيران وصنافير" بالتنازل عنهما على اعتبار أنهما سعوديتان. ولم يكن لهذه الصفقة السيادية، أن تمر إلا في ظل ضجيج أزمة "قومية" بحجم المواجهة مع قطر "داعمة الإرهاب" الذي يضرب الأمن القومي المصري، كما يروج إعلام النظام المصري.


وليس بعيداً عن مصر، وتحت غبار المعركة مع قطر، أنجزت الإمارات "تفاهمات القاهرة" بين حركة حماس وتيار محمد دحلان، في محاولة لإلغاء دور قطر في الملف الفلسطيني. ومع أن إرهاصات "تفاهمات القاهرة" سابقة على الأزمة الراهنة بين الدول الأربع وقطر، إلا أن زج حركة حماس في الأزمة، والتلويح بإمكانية إدراجها ضمن المطالب الـ13 بوصفها حركة إرهابية، دفع بقيادات الحركة للانحناء أمام الرياح العاتية بقبول صفقة، لم تكن ممكنة إلا تحت "غبار" أزمة بحجم المواجهة مع قطر. وبالتوازي مع تمكين حليفها دحلان، وجر "حماس" بعيداً عن الدوحة، تمكنت الإمارات عبر بوابة مصر-غزة، من دق إسفين جديد للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي لا تراه أبوظبي إلا حليفاً لقطر، حتى وهو يصمت في الأزمة الراهنة.

وتحت جناح التحالف ضد قطر "راعية الإرهاب"، غاب الخلاف السعودي-الإماراتي في الملف اليمني، إذ غضت الإمارات الطرف عن دعم ورعاية السعودية لجناح "الإخوان المسلمين" اليمني، في مقابل قبول الرياض بمشروع أبو ظبي لتقسيم اليمن، وفصل الشمال عن الجنوب. وفي ظل الأزمة مع قطر، تمكنت الإمارات كذلك من تثبيت قواعد عسكرية لها في جزيرة ميون أو بريم اليمنية، لتعزيز سيطرتها على مضيق باب المندب، الممر البحري ذي الأهمية الاستراتيجية العالمية. كما سرّعت الإمارات وتيرة نشاطها في جزيرة سقطرى، وموانئ عدن (جنوباً) والمكلا (شرقاً) وفي المخا على البحر الأحمر.

وتحت غبار المعركة مع قطر كذلك، سفك الكثير من الدم في نفق الأزمة الليبية. فقد سارعت أبوظبي لتمكين حليفها، خليفة حفتر وجيشه "الوطني الليبي"، من السيطرة بالكامل على مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، على الرغم من فشل الرجل وجيشه في تحقيق ذلك طيلة الثلاث سنوات الماضية. وفي اليوم التالي لـ"تحرير" بنغازي في السابع من الشهر الحالي، استقبل ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، خليفة حفتر، في العاصمة الإماراتية، واحتفى به وهنأه بـ"الانتصارات على التطرف والإرهاب، وتطهير كافة أرجاء ليبيا من هذه الآفة المدمرة لمقدرات الأوطان وحياة وأمن واستقرار الشعوب"، كما أوردت "وكالة الأنباء الإماراتية" الرسمية. وبذريعة العلاقة مع قطر "داعمة الإرهاب"، أدرجت السعودية والإمارات والبحرين ومصر المزيد من الشخصيات والكيانات السياسية الليبية على قوائم الإرهاب.

هذا ما أمكن رصده، حتى اللحظة، من ملفات وأزمات تم تمريرها أو تصفيتها تحت جُنح ظلام المعركة المفتعلة مع قطر. وقد تكشف الأيام المقبلة، بعد ركود غبار المعركة، ما هو أعظم، خصوصاً ما يتعلق بملف التطبيع مع إسرائيل، وما بات يعرف إعلامياً بـ"صفقة القرن"، أو صفقة تصفية القضية الفلسطينية. مع الملاحظة هنا أن وسائل الإعلام السعودية استغلت الأزمة مع قطر لتمرير الكثير من الرسائل والإشارات التي تُعبد الطريق لحافلة التطبيع بين الرياض وتل أبيب، بما في ذلك ظهور إعلاميين سعوديين على قنوات تلفزيونية إسرائيلية للشكوى من سلوك قطر "التخريبي"، في مقابل الإشادة بـ"توق إسرائيل للسلام مع العرب"، والدعوة للتطبيع مع إسرائيل التي لم "تضر المملكة السعودية يوماً"، كما يقول أحد الإعلاميين من الرياض عبر شاشة قناة تلفزيونية إسرائيلية. وفي الجانب الآخر، لم يخف قادة دولة الاحتلال فرحتهم بالهجوم الرباعي على قطر، وتحسن علاقات تل أبيب مع محور الرياض-أبوظبي بوتيرة عالية.