ما خرج إلى العلن في الأيام الأخيرة من ملامح توتر وخلافات حادة بين وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض، أثار تساؤلات عما إذا كان في الأمر بداية أزمة عصية على المعالجة، قد تحمل وزير الخارجية ريكس تيلرسون في آخر المطاف، على العودة إلى هيوستن-تكساس. هذا السيناريو بعيد، لكنه غير مستبعد في حسابات المراقبين، والذين بدأ همس يدور في صفوفهم حول مثل هذا الاحتمال في نهاية المطاف. ذلك أنه من غير المتوقع زوال الأسباب التي حملت تيلرسون على رفع شكواه واعتراضه "بصوت عالٍ" لأول مرة، وهو المعروف بهدوئه وبتعاطيه البعيد عن الأضواء مع الإشكالات والتحديات التي يواجهها.
لكن هذه المرة أعرب عن ضيقه بلهجة "غاضبة" أمام مسؤولين في البيت الأبيض قبل أيام قليلة. ووُصفت حالته بأنه "منهك" حسب معلومات مصادر مقربة منه جرى تمريرها إلى الصحافة. وهو "سئم" من عرقلة مهامه الإدارية والدبلوماسية، وطفح الكيل معه وانفجر احتقانه احتجاجاً على تدخّل وتحكّم صهر الرئيس، جاريد كوشنر، في كل شاردة وواردة متعلقة بوزارة الخارجية وتسيير آلياتها ودبلوماسيتها، وكأنه الوزير الظلّ. ثم جاءت الأزمة الخليجية لتُخرج تيلرسون عن طوره في التعبير عن استيائه ورفضه لهذا التدخّل المربك والمعرقل والذي لا علاقة لكوشنر "ابن الـ36 سنة والفقير في التجربة الدبلوماسية" به.
في الشق الإداري، يتذمّر وزير الخارجية من تكبيل يديه بخصوص التعيينات في المناصب الحساسة التي تشكّل أساساً لعمل الوزارة. من أصل 124 مساعد وزير وسفيراً ودبلوماسياً، تم اختيار 9 فقط. الباقي تعسر تعيينه لعدم موافقة المرجع كوشنر في البيت الأبيض. وهذا الفريق أساسي لتمكين الوزير من إدارة دفة السياسة الخارجية. التفسير أن البيت الأبيض يتعمد التأخير في التعيينات لتعطيل دور تيلرسون وترك المبادرة بيد "الوزير الظل". وثمة من يسمي كوشنر بالوزير الفعلي، فالدبلوماسية في هذا الزمن صارت عملية عقد صفقات. ومن يعقدها موجود في البيت الأبيض، وبالتالي لا حاجة لوزارة الخارجية سوى القيام بدور المرمِّم لتقليل الخسائر.
اقــرأ أيضاً
وقد ظهر ذلك في الشق الدبلوماسي وبوضوح، من خلال تعامل الإدارة الأميركية مع الأزمة الخليجية والحصار على قطر. تيلرسون، ومنذ البداية، يشد في اتجاه، فيما البيت الأبيض يشد باتجاه مضاد. طرح الوزير ونادى بالحوار كسبيل للوصول إلى تسوية مقبولة، لكن في كل مرة كانت محاولته تتعثر بموقف مضاد من قِبل البيت الأبيض وبتأثير من مستشار الرئيس، جاريد كوشنر. في الأيام الأخيرة بدا وكأن الوزير شق طريقه لتركيب طاولة التفاوض. لقاءاته مع نظيره القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير الدولة للشؤون الحكومية الكويتي، محمد عبدالله الصباح، ثم الملك عبدالله الثاني، وما رافقها من تصريحات ومؤشرات صدرت عنه، تركت انطباعاً بأن العملية تسير في هذا الاتجاه. لكن البيت الأبيض بدا وكأنه غير معني بالموضوع، إذ لم يصدر عنه أي تنويه بمساعي الوزير وبصوابية معالجته للأزمة. فضلاً عن أنه تجاهل تحذير وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي قال في واشنطن إن مطالب الدول المحاصرة لقطر "غير قابلة للتفاوض". كلامه بدا بمثابة التحدي لمحاولات تيلرسون، مع ذلك بقي من دون جواب يصب في تعزيز مساعي الوزير الأميركي.
هذا المسلسل أدى إلى "إحباط" تيلرسون الذي اضطر لتسمية الأمور بأسمائها والكشف عن الكوابح المعطلة لمحاولاته تفكيك الأزمة. ثمة من يرى أنه فعل ذلك لعلّ رفع الصوت يحمل سيد البيت الأبيض دونالد ترامب على التحرك لتيسير مهمة الوزير. لكن ماذا سيفعل تيلرسون إذا بقيت العصا في عجلات مهمته كوزير ودوره لحل الأزمة الخليجية؟ وإلى أي مدى يمكنه التعايش مع هذه الحالة؟ سؤال يطرحه المتخوفون من تفاقم مأزق السياسة الخارجية في عهد ترامب.
الأزمة الخليجية هي أول اختبار فعلي لتماسك الإدارة الأميركية، وهي بدت مخلخلة. وقد تتفاعل خلافاتها حول هذه الأزمة إلى حدود أبعد من التي ذهب إليها تيلرسون. والتخوّف لدى كثير من المتابعين أنه إذا كانت الإدارة غير قادرة على صياغة موقف موحّد إزاء مشكلة بين حلفائها، فكيف بإمكانها التعامل مع أزمة تنشب بينها وبين خصومها؟
في الشق الإداري، يتذمّر وزير الخارجية من تكبيل يديه بخصوص التعيينات في المناصب الحساسة التي تشكّل أساساً لعمل الوزارة. من أصل 124 مساعد وزير وسفيراً ودبلوماسياً، تم اختيار 9 فقط. الباقي تعسر تعيينه لعدم موافقة المرجع كوشنر في البيت الأبيض. وهذا الفريق أساسي لتمكين الوزير من إدارة دفة السياسة الخارجية. التفسير أن البيت الأبيض يتعمد التأخير في التعيينات لتعطيل دور تيلرسون وترك المبادرة بيد "الوزير الظل". وثمة من يسمي كوشنر بالوزير الفعلي، فالدبلوماسية في هذا الزمن صارت عملية عقد صفقات. ومن يعقدها موجود في البيت الأبيض، وبالتالي لا حاجة لوزارة الخارجية سوى القيام بدور المرمِّم لتقليل الخسائر.
وقد ظهر ذلك في الشق الدبلوماسي وبوضوح، من خلال تعامل الإدارة الأميركية مع الأزمة الخليجية والحصار على قطر. تيلرسون، ومنذ البداية، يشد في اتجاه، فيما البيت الأبيض يشد باتجاه مضاد. طرح الوزير ونادى بالحوار كسبيل للوصول إلى تسوية مقبولة، لكن في كل مرة كانت محاولته تتعثر بموقف مضاد من قِبل البيت الأبيض وبتأثير من مستشار الرئيس، جاريد كوشنر. في الأيام الأخيرة بدا وكأن الوزير شق طريقه لتركيب طاولة التفاوض. لقاءاته مع نظيره القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير الدولة للشؤون الحكومية الكويتي، محمد عبدالله الصباح، ثم الملك عبدالله الثاني، وما رافقها من تصريحات ومؤشرات صدرت عنه، تركت انطباعاً بأن العملية تسير في هذا الاتجاه. لكن البيت الأبيض بدا وكأنه غير معني بالموضوع، إذ لم يصدر عنه أي تنويه بمساعي الوزير وبصوابية معالجته للأزمة. فضلاً عن أنه تجاهل تحذير وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي قال في واشنطن إن مطالب الدول المحاصرة لقطر "غير قابلة للتفاوض". كلامه بدا بمثابة التحدي لمحاولات تيلرسون، مع ذلك بقي من دون جواب يصب في تعزيز مساعي الوزير الأميركي.
الأزمة الخليجية هي أول اختبار فعلي لتماسك الإدارة الأميركية، وهي بدت مخلخلة. وقد تتفاعل خلافاتها حول هذه الأزمة إلى حدود أبعد من التي ذهب إليها تيلرسون. والتخوّف لدى كثير من المتابعين أنه إذا كانت الإدارة غير قادرة على صياغة موقف موحّد إزاء مشكلة بين حلفائها، فكيف بإمكانها التعامل مع أزمة تنشب بينها وبين خصومها؟