ومنذ اليوم الأول لانطلاق الحملة الحالية الهادفة إلى جعل قطر تستسلم وتعتزل السياسة الخارجية عملياً، وتوقف نشاطها خارج المحور السعودي ــ الإماراتي، قرّر الرأس المدبر للحرب، الضرب من الأعلى، أكان من ناحية العنوان العريض للتهمة (دعم قطر للإرهاب وسعيها لضرب أمن دول الخليج) أو لجهة استهداف أمير قطر مباشرة، بشكل جعل كل موقف وقرار تصعيدي وسُباب لاحق ضد قطر، بلا أثر فعلي، على اعتبار أن الأشنع قد حصل، وأن كل ما يمكن أن يليه لن يكون أكثر من إجراءات مكمِّلة.
لكن قرارات صباح الاثنين، بقطع السعودية والإمارات ومصر والبحرين العلاقات الدبلوماسية مع قطر وإغلاق الحدود البحرية والبرية والأجواء مع قطر وإخراجها من التحالف العربي في اليمن، وما سيأتي من قرارات إضافية غير مستبعدة، جاءت بحجم الفضيحة التي فجرتها رسائل سفير دولة الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، وكنتيجة "طبيعية" لحفلة التحريض والشتائم التي تُشن على الدوحة منذ أسبوعين، على شاكلة حفلة جنون انطلقت بنشر سلسلة مقالات صحافية في وسائل إعلام أميركية يُطلب منها فتكتب، يُدفع لها فتحرِّض. أما استنساخ حفلة الجنون تلك ضد قطر في وسائل إعلام عربية تنتمي إلى محور السعودية، فتحت أبواقها فور مغادرة دونالد ترامب الرياض، فلم تكن سوى نسخة صحافية ــ سياسية رديئة لا بل مقيتة من إعادة تدوير العناوين العريضة التي كان يتم طرحها في المقالات و"الدراسات" والندوات الأميركية بتوقيع كتاب وصحافيين لا يجمعهم سوى أنهم غالباً ما يشكلون نقطة تقاطع بين لوبيات عربية وإسرائيلية: ــ الموقف من النظام المصري ما بعد الانقلاب على رئيس منتخب. ــ الموقف من المقاومة الفلسطينية وشروط قيام مصالحة حقيقية في الأراضي المحتلة ورفض تأييد تنصيب رجل بنى مشروعيته من خلال التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، ويقدم استشاراته الأمنية لحاكم أبو ظبي خصوصاً في كيفية إبادة ما تبقى من أفكار الربيع العربي على رأس السلطة الفلسطينية. ــ الدفع بالقوة بقطر إلى محور إيران الذي جاهرت الدوحة ولا تزال بمعارضته، وبشراسة، لا بل بمواجهته في العراق وسورية واليمن، لكن مع إصرار الدوحة على أن حرباً عربية ــ إيرانية ستكون كارثة على المنطقة بكاملها. ــ الموقف من الاخوان المسلمين واعتبار دولة قطر أنهم ليسوا تنظيماً إرهابياً لا بل حركات سياسية منتخبة في العديد من الدول، ولهم من الحق في ممارسة السياسة والحكم ما لغيرهم طالما أنهم انتخبوا ديمقراطياً.
عناوين عريضة ثلاثة لم يستطع محور الرياض ــ أبو ظبي ــ القاهرة تحقيق إجماع خليجي حولها بطبيعة الحال، ولا يمكن إلا ملاحظة أن إسرائيل هي الوحيدة التي تتشارك هذا الموقف بالكامل مع أركان المحور بما هو أبعد من مجرد الصدفة ربما. ربما كان يجب أن تٌكشف رسائل يوسف العتيبة، ليتأكد المرء إلى أي درجة باتت إسرائيل متغلغلة في الواقع العربي، وعلى أعلى المستويات، لا في العاصمة الأميركية وبين مكاتب بعثات دبلوماسية عربية في واشنطن فحسب، بل أيضاً داخل عواصم عربية.
قرارات الحصار السعودية ــ الإماراتية ــ البحرينية، التي تضرب في أساس عمل وأنظمة مجلس التعاون الخليجي، لا يتوقع أن تلاقي مصيراً أفضل مما لاقته في سنة 2014 على المستوى السياسي ــ الاقتصادي العام، من دون أن يقلل ذلك من خطرها ومن آثارها السلبية، خصوصاً على المواطن الخليجي، وعلى الملفات التي كانت ولا تزال ضحية للسياسات الكارثية التي اعتمدها ولا يزال محور الرياض ــ أبو ظبي. لكن لأنه "رب ضارة نافعة"، ربما يكون لإخراج قطر من صفوف التحالف العربي في اليمن، نتائج إيجابية، لتتبرأ الدوحة من خطايا ارتكبت من قبل عاصمتي المحور في ذلك البلد المذبوح باسم التحالف العربي، غذّت الجريمة الأصلية المتجسدة بالانقلاب المدعوم إيرانياً.