موسكو ودمشق تقوضان مسار جنيف عبر أستانة

09 مايو 2017
تيلرسون يلتقي لافروف غداً ويبحثان الملف السوري(ألكسندر نيمينوف/فرانس برس)
+ الخط -
بات اتفاق أستانة 4 الذي نصّ على إقامة مناطق "تخفيف التوتر" في سورية، ورقة في يد روسيا لتكريس إمساكها بالملف السوري، وهو ما ظهر من خلال سلوكها هي والنظام السوري خلال الأيام الأخيرة، والذي يسير في اتجاهين، الأول نسف مسار جنيف والانقلاب عليه، وهو ما بدا واضحاً في تصريحات لوزير خارجية النظام وليد المعلم أمس الإثنين، والثاني هو إعطاء مظلة دولية لاتفاق أستانة عبر طرح موسكو مشروعاً في مجلس الأمن الدولي حوله، خصوصاً أن الروس يتحكمون بمسار أستانة و"مناطق تخفيف التوتر"، ويدفعون نحو اتفاقات التهجير التي تهدف لإنهاء تواجد المعارضة في مناطق محددة، وهي وصلت أمس إلى حي برزة البلد.
مقابل ذلك تراهن المعارضة على رفض مجلس الأمن الدولي لإسقاط مسار جنيف الذي يدعو لانتقال سياسي، وعلى تحرك أميركي يمنع التفرد الروسي بالملف السوري، وهو ما برزت ملامحه في تصريحات لوزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، تساءل فيها عن فاعلية مناطق تخفيف التوتر. في الوقت الذي كان المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات (المنبثقة عن المعارضة السورية)، رياض حجاب، يؤكد، في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، على مخاطر المحاولات التي تبذلها الدول الداعمة للنظام السوري، تحديدا إيران، "للالتفاف على القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن السوري عبر اجتماعات أستانة".
وفي محاولة لإعطاء اتفاق أستانة 4 مظلة دولية، قدّمت روسيا أمس مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يدعم إنشاء مناطق تخفيف التوتر في سورية. وذكر مصدر في البعثة الروسية في الأمم المتحدة، وفق وكالة "نوفوستي"، أن مشروع القرار يرحب بالمذكرة التي تم توقيعها في أستانة، ويدعو جميع الأطراف إلى الالتزام بنظام وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أواخر العام 2016. كما يدعو مشروع القرار الدول المعنية كافة إلى المساهمة في تنفيذ المذكرة حول إنشاء مناطق تخفيف التوتر في سورية. كما نقلت وسائل إعلام عن مصادر دبلوماسية في مجلس الأمن، أن مشروع القرار يشدد على ضرورة التزام جميع أطراف العملية السياسية بوحدة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها وطابعها غير الطائفي، وضمان استمرارية مؤسساتها الحكومية، وحماية حقوق جميع السوريين بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني. وأفادت وكالة "إنترفاكس" نقلاً عن مصدر في الأمم المتحدة بأن "التصويت على مشروع القرار قد يتم هذا الأسبوع".
وكان من المتوقع أن تحاول روسيا إعطاء اتفاق أستانة 4 مظلة أممية كي تمسك بالملف السوري. كما تحاول روسيا وإيران من خلال شرعنة الاتفاق في مجلس الأمن ترسيخ مسار أستانة التفاوضي ليكون بديلاً لمسار جنيف، خصوصاً أن الأخير يقوم على قرارات دولية تدعو إلى انتقال سياسي جاد يتمحور حول هيئة حكم كاملة الصلاحيات تؤدي إلى إزاحة رئيس النظام بشار الأسد عن السلطة، وهذا ما تحاول موسكو وطهران تجنّبه. ومن هنا يأتي قبول النظام لمذكرة أستانة، إذ وجد فيها طوق نجاة أخيرا قد يطيل عمره أكثر.


وحاول وزير خارجية النظام وليد المعلم التقليل من شأن مسار جنيف، إذ قال في مؤتمر صحافي أمس إن "مسار جنيف ما زال يراوح لأننا لم نلمس بصدق وجود معارضة وطنية تفكر ببلدها سورية بدلاً من تلقيها تعليمات من مشغليها، وحتى يحين ذلك فلا أعتقد بوجود إمكانية للتقدّم... البديل الذي نسير في نهجه هو المصالحات الوطنية". هذه "المصالحات" يعتمدها النظام لتهجير السوريين عن منازلهم، وأدت إلى تهجير عشرات آلاف من ريف دمشق وحمص إلى الشمال السوري في تكريس لما يُسمّى بـ"سورية المفيدة" التي يسعى النظام إلى خلقها من خلال تهجير معارضيه وحشرهم في مناطق ضيقة.
وسعى المعلم لوضع شروط أمام اتفاق أستانة، معلناً أن نظامه سيلتزم بإقامة مناطق "لتخفيف التوتر" ما دام مقاتلو المعارضة ملتزمين بها. كما أكد أن نظامه يرفض أي دور للأمم المتحدة في مراقبة مناطق "تخفيف التوتر"، قائلاً: "نحن لا نقبل بدور للأمم المتحدة ولا لقوات دولية في مراقبة حسن تنفيذ المذكرة". وأضاف: "الضامن الروسي أوضح أنه سيكون هناك نشر لقوات شرطة عسكرية ومراكز مراقبة في هذه المناطق"، من دون أن يتضح إذا كان يتحدث عن قوات سورية أم روسية.
وحذر المعلم من دخول قوات أردنية للأراضي السورية من دون تنسيق مع نظامه، وقال إن ذلك سيعدّ عملاً عدائياً، مضيفاً: "لسنا في وارد مواجهة مع الأردن لكن إذا دخلت قواتها من دون تنسيق مع دمشق سنعتبرها معادية".
وعن الموقف العسكري على الأرض، قال المعلم إن السيطرة على دير الزور، هدف أساسي لقوات النظام. ولدى سؤاله عن الدعم الأميركي للجماعات الكردية التي تقاتل "داعش" في شمال شرق سورية، قال إن ما يفعله الأكراد السوريون في قتال التنظيم "مشروع" في تلك المرحلة.
مقابل ذلك، كان لافتاً الموقف الأميركي من اتفاق أستانة، إذ أعلن وزير الدفاع جيم ماتيس أن خطة إنشاء مناطق خفض التوتر تثير كثيراً من الأسئلة التي تبحث عن إجابة، ومنها هل ستكون هذه المناطق فاعلة أم لا. وأعلن ماتيس أن الولايات المتحدة مدينة للشعب السوري بنظرة فاحصة للاقتراح الروسي بشأن إقامة "مناطق آمنة"، لافتاً في تصريحات للصحافيين خلال توجهه إلى كوبنهاغن، إلى أن حدود المناطق الآمنة لا تزال قيد الدراسة، على الرغم من أن المواقع العامة "مفهومة جيداً". وقال ماتيس "الخطة برمتها قيد التنفيذ حالياً... من سيضمن أنها ستكون آمنة؟ من الذي سيشارك في ذلك؟ ومن على وجه التحديد الذي سيبقى بعيداً؟ كل هذه التفاصيل تخضع للدراسة ونحن منخرطون في ذلك".
وأضاف ماتيس: "سنبحث الاقتراح، وننظر ما إذا كان سينجح أم لا... هل سيؤثر على الحرب ضد تنظيم الدولة؟ أعتقد أن المجتمع الدولي متحد في رغبتهم في رؤية نهاية داعش". وأضاف "الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، أليس كذلك؟ ولذا سننظر في التفاصيل ونرى ما الذي يمكننا تقديمه وما إذا كنا نعتقد أنها (الخطة) ستكون فاعلة أم لا".
أما المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، فكانت واضحة في رفضها مذكرة أستانة، وحذرت "من أية محاولات لتمرير مشاريع تقسيم البلاد من خلال المضامين الغامضة لما أطلق عليه في اجتماع أستانة الأخير مناطق خفض التوتر"، وفق بيان صدر عن الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية.
وفي السياق، توقّع المتحدث الرسمي باسم الهيئة رياض نعسان آغا، ألا يوافق مجلس الأمن الدولي على "اتفاقية غامضة، تمنح إيران شرعية البقاء في سورية"، مضيفاً في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لكنه (مجلس الأمن) قد يعبّر عن دعمه لأية جهود تخفف المعاناة عن الشعب السوري". وأشار نعسان آغا إلى أن مجلس الأمن "لن يوافق على إلغاء العملية السياسية في جنيف كما يريد النظام"، مضيفاً: "قد يستخدم مجلس الأمن لغة دبلوماسية غامضة مثل غموض اتفاقية أستانة". وجدد رفض المعارضة السورية المطلق "لحضور إيران" في سورية، مؤكداً أن المعارضة "ترى أن هذه الاتفاقية التفاف على مسيرة الحل السياسي في جنيف، وتنذر بخطر التقسيم وتقاسم النفوذ مستقبلاً".
وتعوّل المعارضة السورية على موقف أميركي واضح في مجلس الأمن الدولي يعيق تمرير مشروع قرار يشرعن الحضور الروسي والإيراني في شرق المتوسط، ويعطي الدولتين دوراً محورياً في التسويات النهائية للوضع في سورية. وفي هذا الصدد، شكك كبير المفاوضين في وفد المعارضة المفاوض في جنيف محمد صبرا، في إمكانية تمرير مشروع القرار الروسي، مضيفاً في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لا أظن أن وجود إيران كضامن في الاتفاق سيسهل مهمة روسيا في تمرير هذا الاتفاق". وأشار إلى أن "موقف أغلب الدول في مجلس الأمن من سياسات إيران العدائية تجاه المنطقة وشعوبها، معروف تماماً، ولذلك أظن أن من الصعوبة تمرير قرار يشرعن وجود إيران في سورية".
من جهته، أشار رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية أنور البني، إلى أن القانون الدولي "ليس له موقف من مضمون أي اتفاق ما لم يكن متضمناً ما يخالف قواعده"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن القانون الدولي "لا يتدخّل في مضمون الاتفاقات بين الدول". وأعرب البني عن قناعته بأن مجلس الأمن الدولي لن يمرر مشروع القرار الروسي كما هو، مضيفاً: "أعتقد أنه سيصدر بيان أن مجلس الأمن أخذ العلم بالاتفاق". وأشار إلى أن تبنّي مجلس الأمن للاتفاق "يعني إلزام تطبيقه، ويعني أن يصدر حسب الفصل السابع، وهذا غير متوقع لأن الروس والايرانيين لا يريدون ذلك، لأنه يعني أن كل الدول لها الحق بإجبار الأطراف على الالتزام بذلك، ومن ثم تخرج السيطرة من يدهم"، وفق البني.