هل عاد الأمل للاتحاد الأوروبي بعد أن جددت فرنسا نفسها؟

30 مايو 2017
ليس باستطاعة ميركل وماكرون الاستعانة بجهات خارجية(جون ماكدوغل/فرانس برس)
+ الخط -


بعدما اطمأن الأوروبيون لوصول رئيس فرنسي مؤيد للبيت الأوروبي، تتجه الأنظار الآن إلى الدور المستقبلي لكل من ألمانيا وفرنسا، كأكبر قوتين أوروبيتين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، من أجل تعزيز تماسك وتكامل الاتحاد وتحديد عناصر المسؤولية المشتركة للعمل على الحد من المشاكل التي تعاني منها أوروبا والتي باتت تؤثر على إدارة شؤونها السياسية والأمنية وازدهارها الاقتصادي لتحفيز النمو بين دولها.

وفي هذه المرحلة يرى خبراء في الشؤون السياسية والاقتصادية الأوروبية، أنه لتحقيق سياسة ناجحة في أوروبا، ينبغي على باريس وبرلين البحث عن نقطة انطلاق ملموسة وأساسية، بدءاً من حماية الحدود الخارجية المشتركة للاتحاد الأوروبي ومكافحة الإرهاب وتحقيق التعاون في مجال السياسة الخارجية والدفاع، لأن أوروبا لديها ما يكفي من معايير الاستقرار، كما التركيز على الملفات المفتوحة التي تؤرق الأوروبي، ومنها التعامل مع أزمة اللاجئين وفرض سياسة موحّدة، في ظل تعثر توزيع حصص اللاجئين بين دولها.

كذلك، لا بد من الدفع بخطط التنمية داخل الدول المصدّرة للاجئين وتقديم الدعم اللازم للقوات الأمنية في تلك الدول لتأمين الاستقرار في المناطق التي ينطلق منها المهاجرون، إلى قضايا أخرى أهمها سياستها تجاه أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. هذه القضايا كانت قد نوقشت أخيراً في بروكسل بين هيئات أركان الدفاع في عدد من الدول الأوروبية أو ما يحكى عن الاهتمام ببناء قاعدة بحرية في الخليج.

ويؤكد المراقبون أهمية تعزيز دور التكتل لتصبح الهوية الثقافية والسياسية الطريقة الوحيدة للإصلاحات الاقتصادية والتعاقدية بغض النظر عمن هو في السلطة في باريس أو برلين، بعد أن استعادت أوروبا الثقة وأزاحت عنها ثقل النكسات التي أصابتها في العام 2016، منها خروج بريطانيا من الاتحاد وتمدد اليمين الشعبوي والتطرف المتسلح بأزمة اللاجئين، فضلاً عن الهزات الاقتصادية التي طاولت عددا من دولها الجنوبية والضربات الإرهابية والتهديدات الداخلية والخارجية.

وبالتوازي مع الحديث عن خططها لإصلاح منطقة اليورو والاستقرار المالي في أوروبا، يرى خبراء في الشؤون الاستراتيجية والأمنية الأوروبية، أنه من دون استعادة السلام والاستقرار السياسي لا يمكن الحديث عن ازدهار في أوروبا، ويجب على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يقتنعا بأنه لم يعد بالإمكان الاتكال فقط على الاستعانة بجهات خارجية كالولايات المتحدة، لأن ذلك أصبح من الماضي والمطلوب البحث في أولويات الدفاع الأوروبي.

وتكمن هذه الأولويات في تعزيز المسؤولية في شمال وشرق أوروبا، والدفع لإحلال السلام في شرق أوكرانيا والانسحاب الروسي من شبه جزيرة القرم بعد اتفاق واسع النطاق مع موسكو، فضلاً عن مقاربة الخطر من عمليات القرصنة الروسية التي تطاول المؤسسات الرسمية والخاصة في عدد من الدول الأوروبية من خلال زيادة التنسيق، إضافة إلى ضرورة التمويل للمشاريع والصناعات الدفاعية الأوروبية المشتركة، لأن عدم فاعليتها لحماية أمن أوروبا لم يعد يُحتمل.


وفي هذا السياق أيضاً، يلفت الخبراء إلى ما جاء أخيراً في تقارير صحافية عن أن هناك توجّهاً لتشكيل وحدة مشتركة للنقل الجوي العسكري بين ألمانيا وفرنسا، وزيادة التدريبات المشتركة بين القوات المسلحة في كلا البلدين، إضافة إلى ما يجري الحديث عنه لجهة تشكيل قوة عسكرية تضم إلى ألمانيا كلاً من هولندا وتشيكيا ورومانيا. وتتطلع برلين من وراء ذلك لتعزيز عملية انخراط القوات العسكرية الأوروبية البرية منها واللوجستية وأفواج المدرعات في مهام مشتركة، وهو خيار واقعي وعملي للأمن الأوروبي وربما لتأمين نفوذ أفضل ضمن حلف شمال الأطلسي، حسبما يرى هؤلاء.

ويرى خبراء اقتصاد أن على ألمانيا التخلي عن فكرة الرعاية الأبوية وتجاهلها للواقع في أوروبا، وبالتالي الاستفادة من هذا الزخم السياسي الجديد في فرنسا لجعل الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو يسيران على نحو أفضل وأكثر أماناً، والتخفيف من آلية الرقابة على الصناديق الهيكلية، لتتم إعادة توزيع المال واعتماد آليات تمويل جديدة ومدروسة، كما إعادة التفاوض على الميزانية بعد مغادرة بريطانيا للاتحاد لأن هناك فجوة سوف تظهر بعدها.

وفي الوقت نفسه على دول منطقة اليورو أن تُبدي استعدادها لإصلاح أوجه القصور في الرقابة على النفقات من أجل تحفيز النمو وهذا من شأنه أن يُحدث فرقاً كبيراً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لأن الإصلاحات في بلدان تعتمد عملة واحدة تكون محفزاً لبقية الدول الأعضاء. وهنا يمكن لأوروبا تجاوز الأزمات تدريجياً والعودة للحديث عن المضي في إرادتها الموحّدة توازياً مع اعتمادها إصلاحات تضعها في المسار الصحيح، مع الاعتراف بأن ألمانيا تستفيد من عدم التوازن في منطقة اليورو وتسجل فوائض تجارية عالية جداً، ولا بد من إيجاد التوازن، إضافة إلى اعتماد تدابير سريعة لحماية الأسواق الأوروبية من الصناعات الأجنبية الرخيصة ومواجهة إمكانية استحواذها على صناعات استراتيجية في أوروبا.

وأمام هذه التحديات، يلفت الخبراء إلى أن من المتوقع أن تقوم ألمانيا بتقديم بعض التنازلات في موضوع الديون والتحرك تجاه أوروبا وتحويل جزء من ديونها إلى ديون عامة تتحملها الدول الأوروبية معاً، في ظل الرفض الأوروبي لهذه "الهيمنة الألمانية" على آلية عمل منطقة اليورو، وأساساً على المدى الأبعد ليس من مصلحة لبرلين في الاستمرار بالمسار نفسه ومراكمة الأموال فيما جيرانها الأوروبيون في حال من العجز، فلن يعود باستطاعتها تسويق صناعاتها، وهذا ما سوف يرتد عليها سلباً مستقبلاً.