هل يحلّ السيستاني "الحشد الشعبي" بعد زوال خطر "داعش" في العراق؟

28 مايو 2017
احتمال دمج "الحشد الشعبي" بقوات الأمن العراقية(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
بعدما أثار دور مليشيات "الحشد الشعبي" في المعارك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، جدلاً واسعاً في العراق، يجري البحث حالياً في مصير هذه المليشيات بعد انتهاء المعارك الميدانية مع "داعش". وهناك عدة اتجاهات في هذا الشأن؛ البعض يقترح الإبقاء على مليشيات "الحشد الشعبي" بقواتها ومعسكراتها وأسلحتها الثقيلة في العراق، فيما يطرح البعض الآخر حلها وإلحاق من يرغب من عناصرها بقوات الجيش أو الشرطة ومنح مكافأة للآخرين تشمل قطعة أرض سكنية وراتباً شهرياً أسوةً بمتقاعدي الجيش العراقي بعد انتهاء صفحة تنظيم "داعش"، والتي يرجح ألا تطول أكثر من عام إضافي على أقرب تقديرات المسؤولين العراقيين في بغداد. أما الخيار الثالث المطروح على طاولة البحث، والذي يعرف بالحل الوسط، فهو تخفيض عدد "الحشد الشعبي" إلى أقل من 30 ألف عنصر والإبقاء عليها كقوات إسناد تستدعى في الحالات الطارئة كقوات احتياط.

هذه أبرز السيناريوهات المطروحة على الساحة العراقية اليوم بشأن مصير "الحشد الشعبي"، وسط معلومات مؤكدة تشير إلى خلاف غير بسيط وغير معلن بين المرجع الديني علي السيستاني، والمرشد الإيراني علي خامنئي، حيال هذا الملف تحديداً. وقال عضو بارز في "التحالف الوطني" الحاكم بالعراق إن "المرجع الأعلى في العراق السيد علي السيستاني قد يصدر فتوى تبطل مفعول فتوى الجهاد الكفائي، التي في إثرها تأسست فصائل (الحشد الشعبي) في العراق عام 2014 عقب اجتياح تنظيم داعش مدن شمال وغرب البلاد وتهديده باحتلال العاصمة بغداد ومدن الجنوب". وأضاف عضو التحالف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "حتى الآن هناك مؤشرات واضحة تشير إلى ذلك، وضمن فقه المذهب الجعفري فإن كل فتوى إعلان جهاد تلزمها مدة زمنية محددة تنتفي الحاجة إليها، وفتوى الجهاد الكفائي قامت على مبدأ رد العدو الصائل، وبما أن العدو، داعش، قد انتهى فلا حاجة لبقائها"، وفقاً لقوله. وأكد أن "الخلافات موجودة منذ البداية بين السيد علي السيستاني والمرشد الإيراني علي خامنئي، حيال (الحشد الشعبي) تحديداً التي حولتها إيران إلى ملف سياسي واستخدمتها في سورية ولأهداف أخرى بعيداً عن غاية السيستاني من فتواه، وهي رد عدوان التنظيم بعد دخوله العراق آتياً من سورية وعدم إلباسه ثوباً طائفياً، وكان المرجع السيستاني من المعارضين للوصاية الإيرانية عليه"، بحسب المصدر نفسه.

والشهر الماضي، أثار بيان مكتوب للسيستاني القلق في الوسط المليشياوي والأحزاب المعروفة بتبنيها الأجندة الإيرانية، إذ أعلن وبدون سابق إنذار أن فتوى الجهاد الكفائي لا تزال نافذة، عازياً ذلك إلى "استمرار موجبها". وهذا الأمر فسر على أنه بيان تذكير بأن "الحشد الشعبي"، المؤسسة التي تغولت برعاية إيران في العراق، من الممكن أن يسحب بساط شرعيتها الدينية بفتوى ناسفة لموجبات بقائها. وقال السيستاني: "قد أفتينا بوجوب الالتحاق بالقوات المسلحة وجوباً كفائياً للدفاع عن الشعب العراقي وأرضه ومقدساته، وهذه الفتوى لا تزال نافذة لاستمرار موجبها، بالرغم من بعض التقدم الذي أحرزه المقاتلون الأبطال في دحر الإرهابيين".


من جانبه، أعرب مسؤول حكومي عراقي، في اتصال مع "العربي الجديد"، عن اعتقاد "بأن يصار إلى تفكيك مليشيات (الحشد الشعبي) أو دمجها مع القوات الحكومية لكن ليس الآن، بل بعد انتهاء عمليات التطهير في المدن العراقية بعام واحد على الأقل". وأكد أن "طرح موضوع مستقبل المليشيات قبل الانتخابات مطلع عام 2018، غير وارد كون جميع الأحزاب ستسعى لكسب ورقة الدعم الإيراني، بما فيهم رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لكن بالتأكيد لن تبقى تلك المليشيات ضمن صورتها الحالية في الحكومة المقبلة، سواء حصل العبادي على ولاية ثانية أم لم يحصل"، وفق تعبيره.


في هذا السياق، قال المختص بشؤون الجماعات المسلحة في العراق، رياض الخالدي، لـ"العربي الجديد"، إن "البيان الأخير للسيستاني هو رد وتذكير بأنه الوحيد القادر على حل (الحشد الشعبي) ولا قدرة لإيران على وقف أو معارضة تلك الخطوة كونها ستخسر كثيراً داخل البلاد". وأضاف أن "هناك 9 فصائل مسلحة فقط من المؤكد أنها لا تتبع ولا تقلد أياً من مراجع النجف بل ترتبط بالمرشد الأعلى علي خامنئي، بشكل مباشر وتتلقى الدعم المالي والعسكري منه، لكن عشرات الفصائل الأخرى ستلتزم وتلقي سلاحها". وبيّن أن "المليشيات التي قد تتمرد على أي خطوة للسيستاني حيال تحجيم دور (الحشد الشعبي) أو إلغائه بعد القضاء على داعش وعودة جميع المدن العراقية لسلطة الدولة في بغداد هي مليشيات الخراساني وحزب الله العراقي والعصائب والنجباء والبدلاء وكتائب سيد الشهداء وأبو الفضل العباس ومليشيات فاطميون وبدر، بينما ستلتزم نحو 60 مليشيا أخرى بالقرار أياً يكن نوعه"، وفق اعتقاد الخالدي.

واعتبر عضو "التيار المدني" العراقي، حسام العيسى، أن رئيس الوزراء، العبادي، يؤيد حل "الحشد الشعبي" وبقوة، لكنه حالياً لا يملك مبرراً للتحرك العلني، كون المعارك لا تزال قائمة، كما أن الانتخابات المقبلة ستجعل من الموضوع خطراً على مستقبل العبادي السياسي كونه سيفقد دعم الطرف الإيراني بشكل نهائي، وفق قوله. وأضاف العيسى لـ"العربي الجديد" أن "بقاء المليشيات بعد مرحلة داعش يعني تصاعد حدة التنافس بين فصائل (الحشد الشعبي) أكثر مما هو الحال اليوم، وستكون أي أزمة سياسية في البلاد خطراً لتحولها إلى صراع مسلح، كما أن بقاء المليشيات بحد ذاته مع وجود الجيش والشرطة يؤسس للبنان ثان طويل الأمد"، بحسب تقديره. وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أجاز البرلمان العراقي قانوناً يجعل من مليشيات "الحشد الشعبي" مكوناً رسمياً من مكونات قوى الأمن في البلاد، خاضعاً للقانون العسكري وبوضعية مساوية للجيش، وهو ما أثار اعتراضاً كردياً وعربياً سنياً وقوى مسيحية ومدنية مختلفة في البلاد.

وشرح عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، نايف الشمري، لـ"العربي الجديد"، صورة الحل الأفضل بالقول إن "دمج فصائل الحشد الشعبي والقوات العشائرية إلى وزارتي الداخلية والدفاع هو مقترح قدمناه لوزير الداخلية العراقي، قاسم الأعرجي، قبل أيام". وأضاف أن "بعض الفصائل بدأت تستغل نفوذها وسيطرتها على المناطق بزعزعة الأمن وبالضغط على المواطنين وابتزازهم، ولحد الآن لدينا مؤشرات لخروقات من عناصر لا يمثلون الأغلبية من هذه الحشود"، على حد قوله.

وتضم مليشيات "الحشد الشعبي" 74 فصيلاً مسلحاً غالبيتها تدار اليوم من قبل مستشارين إيرانيين بالحرس الثوري، وتتلقى أوامرها من طهران. كما تتلقى دعماً مادياً وعسكرياً واسعاً. وارتفع عدد الفصائل التي تقاتل في سورية بجانب نظام بشار الأسد إلى 13 فصيلاً مسلحاً، قالت الحكومة العراقية لاحقاً، وعلى لسان وزير خارجتها إبراهيم الجعفري، إنها غير قادرة على منعهم من الذهاب إلى سورية. ويعد أبو مهدي المهندس، المصنف ضمن لائحة الإرهاب دولياً، لتورطه بعمليات تفجير في الكويت ولبنان والعراق مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أحد أبرز قادة تلك المليشيات، فضلاً عن هادي العامري وقيس الخزعلي وأوس الخفاجي وفالح الفياض وآخرين، جميعهم يحملون الجنسية الإيرانية إلى جانب تلك العراقية. ويحفل سجل المليشيات الذي يمتد لثلاث سنوات بسجل واسع من الجرائم والاتهامات التي ترقى لجرائم تطهير في مدن غرب وشمال البلاد، حيث تتهم بقتل آلاف المدنيين وعمليات سرقة واعتداء بدوافع طائفية.

وأعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقارير سابقة لها، أن لديها ما يثبت أن مليشيات "الحشد الشعبي" ارتكبت جرائم بحق المواطنين العراقيين ونهبت ممتلكات المدنيين الذين فروا بسبب القتال وأحرقت منازلهم ومحالهم. وأشارت إلى أن المليشيات التي أمكن التعرف إليها عن طريق المركبات والشارات، تضم "فيلق بدر"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله" العراقي، و"سرايا طلائع الخراساني"، وكلها منضوية تحت مليشيات "الحشد الشعبي".

وأكد عضو البرلمان العراقي عن مدينة الموصل، محمد العبد ربه، أن "هناك بعض الفصائل المسلحة ضمن (الحشد الشعبي) غير ملتزمة بقرارات رئيس الوزراء أو وزارة الدفاع والداخلية". وأضاف "لذلك نحن نريد أن تكون جميع الحشود أو جميع المقاتلين سواء كانوا من (الحشد الشعبي) أو (الحشد العشائري) مرتبطين بوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع وأن تحل كل هذه الحشود، كون قانون الحشد الشعبي وعلى الرغم من أنه أقر في البرلمان، لكن لم يكن عليه توافق من جميع الكتل السياسية"، معرباً عن اعتقاده، انطلاقاً من ذلك، "بأن الحل التوافقي أن تدمج هذه الحشود مع وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية"، وفق قوله.

وأضاف العبد ربه، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "حصلت خروقات من قبل الحشود العشائرية ومن قبل الحشد الشعبي والخروقات التي حصلت كثيره ولا تعد ولا نستطيع عدها في الوقت الحاضر والحل الأسلم والأمثل أن تكون هذه الحشود تحت إمرة واحدة". وتابع "اليوم لدينا بعض المعاناة عندما يحصل ارتكاب خطأ من (الحشد الشعبي) أو (الحشد العشائري) ونذهب لمعالجة هذا الخطأ لا نجد من نتفاهم معه، أو ليست هناك قيادة موحدة، بل هناك قيادات مشتتة بينما لو كان الأمر لوزارة الدفاع أو وزارة الداخلية من الممكن أن تذهب إلى الآمر المباشر أو القائد المباشر لهذه القطعات"، بحسب تعبيره. وبيّن أنه "على الرغم من إقرار قانون للحشد فإن ذلك لا يمنع من أن تكون هناك تفاهمات لاحقة لدمج الحشود تلك مع قوات الأمن والجميع يعلم أن مليشيات (الحشد الشعبي) شُكلت بفتوى من المرجعية وأعتقد أنه عندما تنتهي مهمتها من الممكن أيضاً أن تتدخل المرجعية (النجف) وتقوم بحلها"، على حد قوله.

وكان الشيخ، عبد المهدي الكربلائي، وهو معتمد المرجع علي السيستاني، قد تحدث صراحة في وقت سابق من مدينة كربلاء عبر محطات تلفزيون محلية عن وجود ممارسات مرفوضة لأفراد ضمن "الحشد الشعبي"، وأن على الحكومة التصدي لها ووقفها. وأوضح أن بعض هذه الممارسات للمقاتلين في مناطق القتال غير مقبولة، وشدد على ضرورة قيام السلطات بمعالجة أي خروقات يرتكبها بعض من هؤلاء المقاتلين. وسربت وسائل إعلام محلية وأجنبية العشرات من مقاطع الفيديو لجرائم وانتهاكات واسعة ارتكبتها المليشيات في العراق، وخاصة بمناطق القتال بحق المدنيين. ويبلغ عدد المختطفين لدى المليشيات نحو 7 آلاف مدني محتجزين داخل سجون خاصة بها في محافظات بابل وكربلاء فضلا عن بغداد.