الجزائر: بوتفليقة يبحث عن حكومة 1999

19 مايو 2017
من مهمات الحكومة الجديدة التهيئة لخلافة بوتفليقة (بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -
أخفقت المشاورات التمهيدية في التوصل إلى توافقات أولية حول الحكومة الجزائرية العتيدة، التي يرتقب أن يصدر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قراراً رسمياً بشأن تشكيلها قبل يوم الأحد المقبل، بعد رفض عدة أحزاب المشاركة فيها بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي انتهت إليها البلاد، نتيجة سياسات حكومية سابقة. ويأتي هذا الإخفاق في وقت يلمّح فيه الفريق الرئاسي، المحيط ببوتفليقة، إلى أنه يبحث عن توافقات تقود إلى تشكيل حكومة مماثلة لتلك التي عرفتها الجزائر عام 1999.

وفي سبتمبر/أيلول عام 1999، نجح بوتفليقة في تشكيل حكومة موسعة هي الأولى من نوعها في الجزائر، ضمت سبعة أحزاب سياسية تمثل مختلف التيارات في البلاد، وهي "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" من التيار الوطني، و"حركة مجتمع السلم" و"حركة النهضة" من التيار الإسلامي، و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"التحالف الجمهوري" من التيار الديمقراطي، وحزب "التجديد الجزائري" من التيار التقدمي. ومثلت تلك الحكومة الموسعة سنداً سياسياً كبيراً لبوتفليقة في تحقيق منجزات سياسية كانت على رأس أولوياتها إطفاء نار الفتنة وتحقيق الوئام المدني والمصالحة الوطنية.

وإذا كانت بعض أحزاب المعارضة قد قبلت منذ عام 1999 بمراعاة بوتفليقة في عهده الرئاسي الأول ثم ولايته الثانية، بدافع دعم خيار المصالحة الوطنية، فإن تبدل موازين القوى وتغيّر الظروف وحالة الانكشاف السياسي والاقتصادي التي أفرزتها السياسات الحكومية وغياب الحوكمة في الإنفاق المالي، واستغلال المدخرات المالية المخصصة لتحقيق نهوض اقتصادي حقيقي، في مقابل توسع وتمدد حالات الفساد المالي في البلاد، كلها عوامل دفعت كثير من التيارات السياسية إلى مراجعة مواقفها من دعم خيارات الرئيس بوتفليقة.

ويقف حزب "العمال" الذي يمثل التيار اليساري، أمام منعطف حاسم، بشأن تعامله مع بوتفليقة والحكومة المقبلة، والتي يصفها بحكومة "كارتيل التوحش". ونأت أحزاب التيار الديمقراطي كـ"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"جبهة القوى الاشتراكية" عن أية إمكانية للمشاركة في الحكومة، لا سيما بسبب ما تعتبره "تجاوزات عنيفة وتخريب عام للانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في الرابع من مايو/أيار الحالي". ويعتبر السكرتير الأول لحزب "جبهة القوى الاشتراكية"، عبد المالك بوعيش، أن "النتائج التي أفرزتها الانتخابات والطريقة التي جرت بها تؤكد أن النظام ليست له أية إرادة لتحقيق إجماع وطني"، وهو موقف كان متوقعاً بحسب كثير من المراقبين.


ويعتقد المحلل السياسي، مروان الوناس، أنه "لم يكن من الوارد بالمرة ولو حتى بعامل المفاجأة أن تقبل أحزاب اليسار والديمقراطيين من كتلة المعارضة، المشاركة في حكومة بوتفليقة السادسة، كون السلطة لم تبق أية نقاط تقاطع أو توافق مع هذه الأحزاب، لا على الصعيد السياسي ولا على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية".

وتنتظر الأوساط السياسية والشعبية قرار حركة "مجتمع السلم" بشأن العرض الرئاسي للمشاركة في الحكومة العتيدة. غير أن الموقف الداخلي لـ"إخوان الجزائر" وحركة "مجتمع السلم"، التي حصلت على 33 مقعداً في البرلمان لتمثل بالتالي القوة السياسة الثالثة، يبدو أقرب إلى رفض عرض بوتفليقة. وهو التوجه الغالب الذي يتجه لتكريسه مجلس الشورى للحركة، المقرر عقده اليوم الجمعة، على الرغم من محاولة كتلة داخل المجلس بقيادة رئيس الحركة السابق، أبو جرة سلطاني، الدفع باتجاه القبول بالعرض الرئاسي والمشاركة في الحكومة. لكن الكتلة الأكبر في المجلس بقيادة الرئيس الحالي، عبد الرزاق مقري، الذي يمثل التيار الراديكالي للإخوان، ويعترض منذ عقود على خيارات الحركة بالمشاركة في السلطة، برر في مذكرة سياسية نشرها أخيراً، أسباب رفضه للمشاركة في الحكومة. وجاء في المذكرة أن "حركة مجتمع السلم لا تريد أن تركب قطاراً يتجه نحو المجهول، هي ليست ضد العمل في الحكومة لو كانت الفرصة حقيقية لإحداث التغيير بواسطتها، هي لا تريد أن تركب هذا القطار الذي أخطأ الوجهة في السنوات الماضية وهو للوجهة المستقبلية أكثر خطأ".

وأضافت المذكرة أن "حركة مجتمع السلم تريد أن تركب قطارها الموصل إلى عمق المجتمع للعمل مع الخيرين فيه، للاستعداد للأزمة، لتكون تلك الأزمة سبباً لإصلاح الوضع لا لتعفينه"، وفق ما ورد في المذكرة. ويعتبر التيار الذي يقوده مقري أن السلطة لم تفكر في إشراك حركة "مجتمع السلم" سوى "لكون مداخيل المحروقات في الجزائر انهارت من 63 مليار دولار في عام 2013 إلى 27 مليار دولار في عام 2016، وأضاعت 57 بالمائة من قيمتها في أربع سنوات، ولكون الانتخابات البرلمانية الأخيرة كان من الممكن أن تكون فرصة لتوفير مؤسسات تمثيلية قوية تستطيع مواجهة هذا الواقع الخطير، وتنقذ البلد من الإفلاس والفقر المعمم، غير أن السطو على الإرادة الشعبية جعل الانتخابات تفرز نفس القوى الحاكمة التي فشلت في تحقيق التنمية في زمن البحبوحة المالية"، وفق المذكرة نفسها.

وإزاء إخفاق الفريق الرئاسي في إقناع عدد من أحزاب المعارضة بالمشاركة في الحكومة، تبدو الأوضاع متجهة إلى البحث عن بدائل فردية من الإسلاميين والديمقراطيين لدمجها في الحكومة من جهة، والانفتاح على التشكيلات الحزبية الموالية للسلطة، حتى وإن كانت حصتها من المقاعد في البرلمان ضئيلة.

ومن المرتقب أن يستدعى للمشاركة في الحكومة، إضافة إلى حزب "جبهة التحرير الوطني" الذي يعدّ الرئيس بوتفليقة رئيسه الشرفي، و"التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يقوده مدير الديوان الرئاسي، أحمد أويحيى، وكتلة من المستقلين "التكنوقراط"، كل من حزب "تجمع أمل الجزائر" المنشق عام 2012 عن "إخوان الجزائر"، بقيادة وزير الأشغال العمومية السابق، عمار غول، وحزب "الحركة الشعبية الجزائرية"، المنشق عن "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" المعارض، بقيادة وزير التجارة السابق، عمارة بن يونس، و"التحالف الجمهوري" بقيادة الوزير السابق، بلقاسم ساحلي. وتجدر الملاحظة أنه في حال رست التركيبة الحكومية على هذه الأحزاب، سيعني ذلك أنها لن تكون تركيبة ناجعة على صعيد الرؤية الاقتصادية، عدا عن أنها ستكون مكلّفة بضمان ترتيبات الانتخابات المحلية المقررة في نهاية السنة الحالية، وضمان مناخ ما قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في ربيع 2019 وسلاسة انتقال السلطة إلى الرئيس سترشحه الدوائر الحاكمة.