أثار القرار الذي أعلن عنه الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، أمس الأربعاء، والمتعلق بإصدار أوامر للجيش لتولي حماية المنشآت، جدلاً سياسياً وشعبياً واسعاً، بين مؤيد للقرار ومستنكر له.
ولم يشر الخطاب إلى تفاصيل هذا التدخل وشكله، كما لم يتعرّض للمنشآت التي ينوي حمايتها، ما أثار غموضا حول هذا الموضوع وفتح باب التأويل بشأنه، لأن "الجيش يحمي أصلا بعض المواقع منذ فترة، والرئيس السبسي طرح الموضوع في علاقة بالاحتجاجات الأخيرة وقطع الطرقات".
ويتساءل مراقبون، عقب أوامر السبسي: "هل سيكتفي الجيش بحماية المنشآت فقط؟ أم أنه سيمنع قطع الطريق أيضا مع ما يحمله هذا الأمر من تأويلات؟"، مشيرين إلى أن "السبسي، رغم ذلك، فعّل صلاحياته الدستورية فقط".
وأشار هؤلاء إلى أنّ "الاحتجاجات التي تشهدها تونس غير عنيفة، بالمقارنة مع تلك التي شهدتها البلاد منذ سنوات، خاصة قبيل إقالة رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، والتي عطلت الإنتاج بالفعل، خصوصا في جزيرة قرقنة، أو عطّلت الفوسفات لسنوات في الحوض المنجمي"، متسائلين عن دواعي هذا القرار الآن، خاصة أن الرئيس التونسي اعترف بعودة إنتاج الفوسفات وتطوره.
وفي هذا السياق، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع، العميد بلحسن الوسلاتي، لـ"العربي الجديد"، إن "الجيش شرع في تنفيذ أوامر الرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو بصدد التنسيق مع وزارة الداخلية والجهات المعنية لتحديد تفاصيل ذلك"، مشيرا إلى أن "الجيش يقوم بالفعل، منذ فترة، بحماية بعض المنشآت، وربما تضاف لها أخرى بعد هذا القرار، وهذا يندرج ضمن عمله العادي".
من جهته، قال العميد السابق في الجيش الوطني، ورئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، مختار بن نصر، لـ"العربي الجديد"، إن "على الدولة حماية نفسها وحماية المنشآت النفطية"، مبينا أنها "ليست المرة الأولى التي يتولى فيها الجيش في تونس تأمين وحماية مواقع الإنتاج والنقاط الاستراتيجية في تونس، وقد قام الجيش إبان الثورة التونسية بحماية وتأمين العديد من النقاط".
وأوضح بن نصر أن "الجيش، وطبقا لقرار رئيس الجمهورية، سيطبق الأوامر بعد أن يحصل على الإذن من وزارة الدفاع، التي ستتولى صياغة التعليمات في شكل إجراءات تطبيقية، وبعضها فوري، لتنطلق إثرها كل وحدة عسكرية بتأمين مناطق الإنتاج ومنع قطع الطرقات".
وأكد المتحدث ذاته أن "العمل سيكون بعد وضع استراتيجية للتدخل والمناطق التي سيتم تأمينها، لمنع الاعتداءات وعمليات تجاوز القانون"، مبينا أن "هناك إجراءات عاجلة سيبدأ بها الجيش، مثل التعامل مع اعتصام الكامور في تطاوين، لكي لا يتم منع الشاحنات من المرور، أو تواصل إغلاق الحقول النفطية".
وذكر رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، أن الوحدات العسكرية ستحدد برنامجا بحسب الطوارئ التي تحدث في البلاد، والتي سيتم على ضوئها إشعار الجيش بالتدخل، معتبرا أن "الحقول النفطية والمنشآت الحساسة قد توضع بها نقاط وحراسات ثابتة، لمنع تعطيل الإنتاج".
كما لفت إلى أنه "في حال عدم الامتثال لقرارات الجيش، فإنه سيتصدى بالوسائل المتاحة له قانونا"، معتبرا أنه "من غير المقبول أن يتواصل تعطيل المرافق الإنتاجية".
وقال بن نصر إن "هناك منشآت يحميها الجيش حاليا، مثل السفارات وبعض النقاط الحساسة، ولم يجرؤ أي مواطن على التفكير في الاعتداء عليها، لأنه يعي جيدا خطورة ما سيُقدم عليه".
ولفت المتحدث إلى أنه "في حال اندلاع احتجاجات وسط مؤسسة نفطية أو إنتاجية، فحينها يصبح الاحتجاج مشروعا، أي متعلقا بالحق في الإضراب، ولا يتدخل الجيش وسط فضاء العمل"، معتبراً أن "المواطن بإمكانه أن يحتج في الفضاءات المتاحة، بعيدا عن غلق الطرقات والمؤسسات".
في المقابل، قال الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري"، عصام الشابي، إن "حماية المنشآت من الدور الطبيعي للجيش الوطني". لكنه أكد، في تصريح إذاعي، أنه "لا نريد أن يتحول الجيش إلى قوة تفريق المظاهرات"، مشددا على "ضرورة ألا يدخل الجيش في احتكاك مع المحتجين، خاصة أن المؤسسة العسكرية محل إجماع من طرف كل التونسيين".
وخرج، أمس، عدد من شباب مدينتي دوز والقلعة من ولاية قبلي، جنوب البلاد، في مسيرتين سلميتين، احتجاجا على هذا القرار، علما أنهم يعتصمون منذ ثلاثة أسابيع أمام حقل للبترول، فيما يعتصم عدد من شباب مدينة القلعة أمام سياج صمام ضخ الغاز.
وعبّر محتجون لوكالة الأنباء التونسية عن استغرابهم من "التهديدات التي وردت على لسان الرئيس، ما خلّف حالة من الاحتقان غير المسبوقة"، ومؤكدين أن "الاعتصام سيتواصل بشكله السلمي أمام حقل البترول، إلى حين الاستجابة لمطالبهم"، وهو ما أكده المحتجون أيضا في اعتصام الكامور في تطاوين.