لن تكون المسألة السورية بعد السابع من أبريل/ نيسان كما كانت عليه خلال السنوات الست الماضية. ويمكن القول بلا حرج أو مبالغة إن سورية دخلت، مع الضربة العسكرية الأميركية لمطار الشعيرات العسكري، مرحلة جديدة، عنوانها الانخراط الأميركي المباشر.
ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام السوري الأسلحة الكيماوية بعد جريمة الغوطة في أغسطس/ آب 2013، فقد سبق له أن استعملها عدة مرات خلال العامين الماضيين. ولكن جريمة خان شيخون كانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، خصوصا أن توقيتها بدا نافرا بعد يومين من تصريحات أميركية رسمية على لسان وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، والمندوبة الأميركية في مجلس الأمن، نيكي هالي، والمتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، تلخصت بأن سياسة الولايات المتحدة في سورية لم تعد تركز على إزاحة الأسد، وقالت هالي حرفيا: "أولويتنا لم تعد الجلوس والتركيز على طرد الأسد... أولويتنا هي كيفية إنجاز الأمور، ونحن نحتاج للعمل معه لإحداث تغيير حقيقي للناس في سورية"، ووضعت الحرب على "داعش" في المرتبة الأولى.
قد تكون مصادفة أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية في خان شيخون بعد يومين من التصريحات الأميركية، وقد يكون العكس، ولكن لا يستطيع أي مراقب أن يمنع نفسه من الاستنتاج بأن الأسد قرأ الرسالة الأميركية بطريقة خاطئة، وأراد أن يمتحن رد فعل الإدارة فذهب إلى أقصى حد ممكن من خلال استخدام الأسلحة الكيماوية، الأمر الذي وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حال حرج كبير، ذلك أن كافة القراءات التي تناولت جريمة خان شيخون ربطتها بالتصريحات الأميركية، وبالتالي كان ترامب أمام واحد من موقفين، فإما أن يسكت وحينها سيصبح سلوك الأسد من الآن فصاعدا محسوبا عليه، وإما أن يرد لكي يستعيد مصداقيته وهيبة إدارته، ولذلك جاء أول رد فعل له مشوبا بالمرارة، حين قال: "جميع المحاولات لإصلاح الأسد باءت بالفشل"، وحمّل الإدارة السابقة مسؤولية استمرار النظام السوري في قتل الأبرياء.
كانت اللهجة الأميركية مساء أمس توحي بقرب توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، ولكن الأمر الأكثر بلاغة هو عدم انتظار واشنطن مداولات مجلس الأمن والتعديلات التي أدخلتها روسيا على مشروع القرار الفرنسي الأميركي البريطاني، من أجل تشكيل لجنة تحقيق دولية، وظهر وزير الخارجية الأميركي ليعلن أنه لا يوجد أدنى شك في أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية في خان شيخون، وبالتالي لا حاجة للتحقيق وإضاعة الوقت.
إن عدم انتظار مداولات مجلس الأمن هو رسالة إلى روسيا والصين بأن قواعد اللعبة القديمة التي قامت على استخدام الفيتو في مجلس الأمن لحماية النظام السوري انتهت، وصار واضحا أن الإدارة الأميركية فتحت أفقا جديدا للقضية السورية ظل مغلقا طيلة السنوات الماضية، وبات من الممكن أن تتصرف لوحدها ومن خارج مجلس الأمن كما حصل سابقا في عام 2003، حين ذهب الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، من خلال تحالف دولي برعاية أميركية إلى احتلال العراق بدون قرار من مجلس الأمن، وذلك بالاستناد إلى خطورة النظام العراقي.
قد يكون مبالغا فيه القياس الميكانيكي بين مصير نظام الأسد ونظام الرئيس السابق صدام حسين، ولكن لا يمكن لأي قراءة أن تستبعد هذا الربط، أو أن ترى في الضربة الأميركية مسارا مختلفا عن كل الدوامة السابقة في أروقة مجلس الأمن، ومن هنا يمكن أن نعتبر أن أهم رد فعل على الضربة الأميركية هو الذي جاء على لسان رئيس مجلس الدوما، الذي قال إنه "من الآن وصاعدا بوسع المعارضة السورية أن لا تحضر مفاوضات جنيف".
رئيس مجلس النواب الأميركي، بول راين، وصف الضربة بأنها تكتيكية، وهذا يعني أنها مدروسة، ليس من حيث تأثيرها العسكري فقط، وإنما السياسي. أرادتها واشنطن أن تكون محدودة من الناحية العسكرية، وأن لا تتجاوز تدمير القاعدة التي انطلقت منها الجريمة، وهذا يبدو أنه السيناريو المناسب أكثر من غيره لتوجيه جملة من الرسائل السياسية، تتلخص في أن زمن التسامح مع بشار الأسد انتهى على حد قول رئيس "سي آي إيه"، مايك بومبيو، ولكن مع ذلك فإن توجيه 60 صاروخ توماهوك ليس بالرسالة السياسية المحدودة، بل المدوية التي بدأت تعطي مفعولها بعد ساعات من خلال ردود الفعل التي يلوح منها سعي واشنطن إلى تشكيل حلف دولي لمواجهة روسيا وإيران في سورية، يبدأ بتأسيس منطقة حظر للطيران، والعمل على إحالة الأسد وأركان نظامه إلى محكمة الجنايات الدولية، وإلا فلا معنى للضربة الأميركية.