بعد زهاء ستة أشهر كاملة من التجاذبات والخلافات السياسية، انفرجت أزمة الحكومة في المغرب، بمصادقة الملك محمد السادس مساء أول من أمس الأربعاء على أعضاء الحكومة التي يقودها سعد الدين العثماني عن حزب "العدالة والتنمية". من الناحية العددية، فإن حكومة العثماني، وبخلاف ما تم الترويج له قبل الإعلان عن تشكيلتها بأنها ستضم عدداً مقلصاً من الوزراء، فقد ضمت 39 عضواً، رئيسَ الحكومة ووزراء، ووزير دولة واحداً، وكتّاب دولة، ووزراء منتدبين في قطاعات معينة.
وفي هذه التشكيلة الحكومية الجديدة، يوجد 30 رجلاً و9 نساء، منهن وزيرة واحدة هي بسيمة الحقاوي التي حافظت على حقيبة التضامن والتنمية الأسرية، والأخريات يشغلن حقائب كاتبات دولة. أما بخصوص اللون السياسي لوزراء حكومة العثماني، فإن 8 وزراء تكنوقراط لا ألوان حزبية لهم موجودون في الحكومة الجديدة، وهو نفس عدد الوزراء التكنوقراط في حكومة عبد الإله بنكيران السابقة.
ومن الملاحظات الشكلية الأخرى على الفريق الحكومي للعثماني، أنه ركّز على تجميع الحقائب الوزارية في "أقطاب"، إذ تم ضم قطاعات عديدة في وزارة واحدة، مثل الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والغابات التي يقودها عزيز أخنوش زعيم حزب "الأحرار"، بعد أن كانت الوزارة في الحكومة السابقة معنية فقط بالفلاحة والصيد البحري. وركّزت الحكومة الجديدة أيضاً على "كتابات الدولة والوزارات المنتدبة"، والتي كُلفت بها أسماء وزارية جديدة في أغلبها، منهم ثماني نساء كاتبات دولة، وهو ما يمكن أن يُستشف منه بأن الغاية تتمثل في محاولة النجاعة القطاعية في كل مجال.
أما لجهة توزيع الحقائب الوزارية، يمكن الاستنتاج بأن ما يُسمى "وزارات السيادة" ظلت بمنأى عن الأحزاب السياسية، خصوصاً وزارات الداخلية والدفاع والأوقاف والخارجية، التي عادت إلى شخصية غير حزبية بعد أن كان يشغلها في النسخة السابقة صلاح الدين مزوار، وهو قيادي من حزب "الأحرار". وزارة الداخلية أيضاً يقودها في الحكومة الجديدة شخصية غير حزبية، ومعروفة بنيلها ثقة القصر ومحيطه، وهو عبد الواحد الفتيت. وفي الوزارة المنتدبة المكلفة بالدفاع حافظ عبد اللطيف لوديي على حقيبته، كما حافظ أحمد التوفيق على كرسيه في وزارة الأوقاف.
وبات يشغل وزارة الخارجية ناصر بوريطة الذي واكب تحركات العاهل المغربي محمد السادس في جولاته الأفريقية الكثيرة أخيراً، وساهم بقوة في ملف عودة المملكة إلى الاتحاد الأفريقي، وهو أحد العارفين بتفاصيل هذا المجال المحفوظ للملك. وفضلاً عن وزارة الخارجية التي فقدت لونها الحزبي، بقيت وزارة التعليم تحت قيادة شخصية غير حزبية تحظى بثقة القصر، هي محمد حصاد، وهو القادم من قطاع حساس هو الداخلية، وتمرس على ملفات حساسة أمنياً واجتماعياً.
ويمكن الحديث في هذا الصدد عن محافظة "القصر الملكي" على "وزارات السيادة" في حكومة العثماني، واسترجاع بعض تلك الوزارات التي تم تلوينها بألوان أحزاب معينة هي بدورها لا تخرج عن "رضا" المؤسسة الملكية. ومن سمات حكومة العثماني التي يمكن رصدها، أن ما يزيد على 50 في المائة من وزراء حكومة العثماني كانوا وزراء سابقين في حكومة عبدالإله بنكيران، ويعزى هذا الاستمرار أساساً إلى ثقة القصر الملكي في أدائهم خلال الحكومة السابقة.
اقــرأ أيضاً
وبمنطق الربح والخسارة، يُلاحظ أن توزيع الحقائب راعى عددياً تراتبية نتائج الأحزاب في الانتخابات التشريعية ليوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي انتجت فوز "العدالة والتنمية"، ويليه حزب "الأحرار"، و"الحركة الشعبية"، و"الاتحاد الدستوري"، و"الاتحاد الاشتراكي" و"التقدّم والاشتراكية."
ولكن لجهة نوعية الحقائب وأهميتها الاستراتيجية، فإن الوضع منعكس تماماً، إذ إن حزب "الأحرار" بزعامة أخنوش تمكّن من بسط سيطرته في حكومة العثماني من خلال نيل حقائب وقطاعات استراتيجية هامة، منها وزارة المالية والاقتصاد لمحمد بوسعيد، ووزارة الفلاحة والصيد والتنمية القروية لعزيز أخنوش، ووزارة التجارة والصناعة لمولاي حفيظ العلوي، ووزارة العدل لمحمد أوجار.
مقابل ذلك، اكتفى حزب "العدالة والتنمية" بحقائب وزارية يمكن وصفها بالضعيفة لجهة الأهمية الاستراتيجية، بل إنه قبل بقطاعات تُعرف بكونها تجلب المشاكل والاحتجاجات، كوزارة التشغيل التي كُلف بها القيادي في الحزب محمد يتيم. وهكذا يمكن القول إن حزب "الأحرار" هو الرابح الأكبر من توزيع الحقائب الوزارية بعدد سبع وزارات أغلبها يمتلك أهمية كبيرة، يتم من خلالها التحكم في قطاعات ذات حساسية قصوى، مثل قطاع المالية والاقتصاد والعدل والفلاحة التي تعد عصب الحياة في بلد زراعي مثل المغرب. أما أكبر الخاسرين في تشكيلة الحكومة فهو حزب "العدالة والتنمية"، الذي رغم حقائبه الوزارية العشر، فإنه قبل بتسيير وزارات ذات طابع تقني أكثر، مثل وزارة النقل والتجهيز، ووزارة الطاقة، وغيرهما.
وتم تبادل الحقائب الوزارية بين شخصيات "العدالة والتنمية" في الحكومة الجديدة، فجرى نقل عزيز رباح وزير النقل والتجهيز إلى وزارة الطاقة والمعادن، فيما انتقل عبد القادر اعمارة وزير الطاقة إلى وزارة النقل. واللافت هو سحب حقيبة العدل من مصطفى الرميد الشخصية الوازنة في "العدالة والتنمية"، ومنحها لقيادي في "الأحرار"، فيما تمت "ترضية" الرميد بحقيبة وإن بدت على مستوى الهيكلة بأنها أكبر، وهي وزير دولة، لكن لا تأثيرات كبيرة لها، كما أنها وزارة بلا مقر ولا مكاتب.
ويعزو محللون نقل وزراء "العدالة والتنمية" من حقائب إلى أخرى، إلى رغبة الدولة في عدم منح المجال لقيادات هذا الحزب للتغلغل في قطاعات بعينها، ومنع خلقها ولاءات داخل هذه القطاعات. ويرى آخرون أن عدم إسناد القطاعات الوزارية الاستراتيجية لأعضاء "العدالة والتنمية" يعود إلى "غياب" كفاءات داخل الحزب لها القدرة على متابعة وتدبير المشاريع التنموية الكبرى، فتم إسنادها إلى كفاءات "الأحرار"، مثل الفلاحة لأخنوش، والمالية لبوسعيد، والتجارة والصناعة للعلمي.
وليس "العدالة والتنمية" هو "الخاسر" الوحيد في تشكيلة العثماني، بل أيضاً الأحزاب الأخرى التي اكتفت بتمثيلية ضعيفة، كحزب "الاتحاد الاشتراكي" الذي حاز على وزارة منتدبة وكاتبي دولة في قطاعات ثانوية. وتم تعيين رقية الدرهم، كاتبة للدولة لدى وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي مكلفة بالتجارة الخارجية، وعبد الكريم بنعتيق وزيراً منتدباً في الخارجية مكلفاً بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة.
والمصير نفسه لقيه حزب "الاتحاد الدستوري" الذي دخل الحكومة مثل "الاتحاد الاشتراكي"، تحت "حماية" أخنوش، إذ قبل بحقيبتين، الأولى وزارة السياحة التي يقودها محمد ساجد زعيم الحزب، ثم عثمان الفردوس كاتباً للدولة لدى وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي مكلفاً بالاستثمار.
اقــرأ أيضاً
وفي هذه التشكيلة الحكومية الجديدة، يوجد 30 رجلاً و9 نساء، منهن وزيرة واحدة هي بسيمة الحقاوي التي حافظت على حقيبة التضامن والتنمية الأسرية، والأخريات يشغلن حقائب كاتبات دولة. أما بخصوص اللون السياسي لوزراء حكومة العثماني، فإن 8 وزراء تكنوقراط لا ألوان حزبية لهم موجودون في الحكومة الجديدة، وهو نفس عدد الوزراء التكنوقراط في حكومة عبد الإله بنكيران السابقة.
ومن الملاحظات الشكلية الأخرى على الفريق الحكومي للعثماني، أنه ركّز على تجميع الحقائب الوزارية في "أقطاب"، إذ تم ضم قطاعات عديدة في وزارة واحدة، مثل الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والغابات التي يقودها عزيز أخنوش زعيم حزب "الأحرار"، بعد أن كانت الوزارة في الحكومة السابقة معنية فقط بالفلاحة والصيد البحري. وركّزت الحكومة الجديدة أيضاً على "كتابات الدولة والوزارات المنتدبة"، والتي كُلفت بها أسماء وزارية جديدة في أغلبها، منهم ثماني نساء كاتبات دولة، وهو ما يمكن أن يُستشف منه بأن الغاية تتمثل في محاولة النجاعة القطاعية في كل مجال.
وبات يشغل وزارة الخارجية ناصر بوريطة الذي واكب تحركات العاهل المغربي محمد السادس في جولاته الأفريقية الكثيرة أخيراً، وساهم بقوة في ملف عودة المملكة إلى الاتحاد الأفريقي، وهو أحد العارفين بتفاصيل هذا المجال المحفوظ للملك. وفضلاً عن وزارة الخارجية التي فقدت لونها الحزبي، بقيت وزارة التعليم تحت قيادة شخصية غير حزبية تحظى بثقة القصر، هي محمد حصاد، وهو القادم من قطاع حساس هو الداخلية، وتمرس على ملفات حساسة أمنياً واجتماعياً.
ويمكن الحديث في هذا الصدد عن محافظة "القصر الملكي" على "وزارات السيادة" في حكومة العثماني، واسترجاع بعض تلك الوزارات التي تم تلوينها بألوان أحزاب معينة هي بدورها لا تخرج عن "رضا" المؤسسة الملكية. ومن سمات حكومة العثماني التي يمكن رصدها، أن ما يزيد على 50 في المائة من وزراء حكومة العثماني كانوا وزراء سابقين في حكومة عبدالإله بنكيران، ويعزى هذا الاستمرار أساساً إلى ثقة القصر الملكي في أدائهم خلال الحكومة السابقة.
وبمنطق الربح والخسارة، يُلاحظ أن توزيع الحقائب راعى عددياً تراتبية نتائج الأحزاب في الانتخابات التشريعية ليوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي انتجت فوز "العدالة والتنمية"، ويليه حزب "الأحرار"، و"الحركة الشعبية"، و"الاتحاد الدستوري"، و"الاتحاد الاشتراكي" و"التقدّم والاشتراكية."
ولكن لجهة نوعية الحقائب وأهميتها الاستراتيجية، فإن الوضع منعكس تماماً، إذ إن حزب "الأحرار" بزعامة أخنوش تمكّن من بسط سيطرته في حكومة العثماني من خلال نيل حقائب وقطاعات استراتيجية هامة، منها وزارة المالية والاقتصاد لمحمد بوسعيد، ووزارة الفلاحة والصيد والتنمية القروية لعزيز أخنوش، ووزارة التجارة والصناعة لمولاي حفيظ العلوي، ووزارة العدل لمحمد أوجار.
مقابل ذلك، اكتفى حزب "العدالة والتنمية" بحقائب وزارية يمكن وصفها بالضعيفة لجهة الأهمية الاستراتيجية، بل إنه قبل بقطاعات تُعرف بكونها تجلب المشاكل والاحتجاجات، كوزارة التشغيل التي كُلف بها القيادي في الحزب محمد يتيم. وهكذا يمكن القول إن حزب "الأحرار" هو الرابح الأكبر من توزيع الحقائب الوزارية بعدد سبع وزارات أغلبها يمتلك أهمية كبيرة، يتم من خلالها التحكم في قطاعات ذات حساسية قصوى، مثل قطاع المالية والاقتصاد والعدل والفلاحة التي تعد عصب الحياة في بلد زراعي مثل المغرب. أما أكبر الخاسرين في تشكيلة الحكومة فهو حزب "العدالة والتنمية"، الذي رغم حقائبه الوزارية العشر، فإنه قبل بتسيير وزارات ذات طابع تقني أكثر، مثل وزارة النقل والتجهيز، ووزارة الطاقة، وغيرهما.
وتم تبادل الحقائب الوزارية بين شخصيات "العدالة والتنمية" في الحكومة الجديدة، فجرى نقل عزيز رباح وزير النقل والتجهيز إلى وزارة الطاقة والمعادن، فيما انتقل عبد القادر اعمارة وزير الطاقة إلى وزارة النقل. واللافت هو سحب حقيبة العدل من مصطفى الرميد الشخصية الوازنة في "العدالة والتنمية"، ومنحها لقيادي في "الأحرار"، فيما تمت "ترضية" الرميد بحقيبة وإن بدت على مستوى الهيكلة بأنها أكبر، وهي وزير دولة، لكن لا تأثيرات كبيرة لها، كما أنها وزارة بلا مقر ولا مكاتب.
وليس "العدالة والتنمية" هو "الخاسر" الوحيد في تشكيلة العثماني، بل أيضاً الأحزاب الأخرى التي اكتفت بتمثيلية ضعيفة، كحزب "الاتحاد الاشتراكي" الذي حاز على وزارة منتدبة وكاتبي دولة في قطاعات ثانوية. وتم تعيين رقية الدرهم، كاتبة للدولة لدى وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي مكلفة بالتجارة الخارجية، وعبد الكريم بنعتيق وزيراً منتدباً في الخارجية مكلفاً بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة.
والمصير نفسه لقيه حزب "الاتحاد الدستوري" الذي دخل الحكومة مثل "الاتحاد الاشتراكي"، تحت "حماية" أخنوش، إذ قبل بحقيبتين، الأولى وزارة السياحة التي يقودها محمد ساجد زعيم الحزب، ثم عثمان الفردوس كاتباً للدولة لدى وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي مكلفاً بالاستثمار.