بُدئ بتنفيذ المرحلة الأولى مما يسمى "اتفاق المدن الأربع"، الخاص بمضايا وبقين والزبداني في ريف دمشق وكفريا والفوعة في ريف إدلب، الذي يعد استكمالاً لاتفاق الفوعة كفريا- الزبداني، الذي تم بين "جيش الفتح" وإيران منذ نحو عامين. ويشرف على تنفيذ الاتفاق الحالي كل من "هيئة تحرير الشام" و"أحرار الشام" وممثلون عن "حزب الله" وإيران، من دون أن يتم الإفصاح عنه وعن مراحل تنفيذه بشكل علني، بالتزامن مع حملة واسعة من الانتقادات والاستنكار من قبل السوريين، ناشطين ومعارضين، معتبرين أن هذا الاتفاق هو "نقطة سوداء" في تاريخ سورية، وجريمة تهجير قسري ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.
وخرج ضمن الاتفاق، حتى الآن، بحسب الناشط الإعلامي، في مضايا، حسام محمود، "نحو 67 من الباصات الخضر (التي تحولت إلى رمز لعمليات التهجير من ريف دمشق وحلب وحمص)، من مدينة مضايا، تقل أكثر من ألفي شخص، جلهم من المدنيين، باتجاه مدينة إدلب". ولفت إلى أنه "من المتوقع أن يتم إخراج المقاتلين من مدينة الزبداني المحاصرة والجبل الشرقي، بعد يومين". ويقدر عدد المقاتلين بنحو 300.
من جهتها، أفادت مصادر محلية من إدلب بأن "الهلال الأحمر العربي السوري أشرف على نقل نحو خمسة آلاف شخص من مقاتلي الفوعة وعائلاتهم إلى حلب". وفي وقت لا يوجد رقم دقيق لعدد المتواجدين داخل بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين من قبل "جيش الفتح"، إلا أن ذات المصادر توقعت أن يتراوح العدد بما بين 20 و30 ألفاً، بين مقاتلين ومدنيين، استناداً إلى أن عدد سكانهما، قبل بداية الثورة في العام 2011، يقدر بأكثر من 40 ألف نسمة.
وقال مدير العلاقات الإعلامية في "هيئة تحرير الشام"، عماد الدين مجاهد، في حديث سابق مع "العربي الجديد"، إن "اتفاق المدن الأربع" ينص على "إخراج قرابة ثلاثة آلاف شخص من مضايا والزبداني وبلودان إلى الشمال- الراغبين فقط - وإخراج 1500 أسير وأسيرة من سجون النظام، معظمهم من النساء، وإدخال مساعدات، بالإضافة إلى هدنة في مناطق جنوب دمشق، وأولها مخيم اليرموك المحاصر". وأضاف "بعد مدة شهرين يتم إخراج المحاصرين في مخيم اليرموك إلى الشمال، وحل قضية 50 عائلة من أهالي الزبداني ومضايا عالقة في لبنان، وإعلان هدنة، لمدة 9 أشهر، في إدلب وتفتناز وبنش ورام حمدان وشلخ وبروما، تشمل كل أنواع القصف المدفعي والجوي، وإخراج كامل سكان كفريا والفوعة على دفعتين"، وفق قوله. واعتبر مجاهد أن "الرابح الأكبر في هذا الاتفاق هو الثوار"، متحدثاً عن فشل الوفود التي شاركت في مفاوضات أستانة وجنيف في إخراج بعض الأسرى أو إدخال بضع سلال إغاثية إلى تلك المناطق، متسائلاً "لماذا يعتبر البعض هذا الاتفاق مجحفاً أو يهدف إلى التغيير الديمغرافي؟". وأشار إلى أنه "لن يخرج من مناطق محيط العاصمة إلا نحو ثلاثة آلاف شخص فقط". وتساءل عن سبب امتناع البعض عن الاعتراض تحت حجة رفض التغيير الديمغرافي حين تم "إخراج أكثر من 15 ألف شخص من حي الوعر المحاصر، وقبله داريا والهامة وقدسيا ووادي بردى والتل وغيرها؟".
وأفاد عدد من المهجرين من مضايا، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم في حديث مع "العربي الجديد"، بأنهم "مهجرون قسراً، إذ لم تتم استشارتهم بأي شكل بشأن الاتفاق المبرم، وكل ما وصلهم من المقاتلين الذين يسيطرون على المنطقة أن هناك اتفاقاً يقضي إما بالخروج إلى إدلب أو البقاء تحت سطوة النظام، من دون أي ضمانات تذكر، ما لم يترك لنا أي خيار سوى الرضوخ لخيار التهجير". وكان أهالي منطقة جنوب دمشق خرجوا، الأربعاء الماضي، في تظاهرات، أكدوا خلالها رفضهم ربط ملف جنوب دمشق التفاوضي باتفاق "المدن الأربع"، والمتضمن وقف إطلاق النار في البلدات الثلاث التي خرجت فيها التظاهرات لمدة تسعة أشهر. وندّد المتظاهرون بعمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي، مؤكدين أن مصير المنطقة تحدّده اللجنة السياسية التي تمثل جنوب دمشق، وليس أي طرف آخر لا علاقة له بأهالي المنطقة. وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها "إيران حزب الله جبهة النصرة لا وصاية لكم على مناطقنا"، و"الجنوب الدمشقي غير مخصص للبيع"، و"لا للتهجير والتغيير"، و"البلدات الثلاث ليست للبيع"، و"أرضنا عرضنا"، و"نرفض تنفيذ المشروع الإيراني عبر اتفاقية كفريا والفوعة".
من جانبها، دانت فصائل "الجيش الحر"، في بيان وصل إلى "العربي الجديد" في وقت سابق، الاتفاق، معتبرة أن "الاتفاق يؤسس لمرحلة خطيرة من التطهير العرقي والطائفي، تمهيداً لإعادة رسم حدود الدولة السورية. كما يُعتبر جريمة ضد الإنسانية ومخالفاً لأحكام الفقرة د من المادة 7 من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية"، مبينة أن "الاتفاق يعزّز الوجود الإيراني في منطقة دمشق وريفها". ودعت "الهيئة العليا للمفاوضات" المعارضة إلى "وقف هذه الجريمة"، معتبرة أن "كل ما يُبنى عليه (الاتفاق) باطل، ويتوجب إلغاؤه"، مضيفة "هو يأتي في إطار خطة لمصلحة إيران وحزب الله في مشاريعهم للتغيير السكاني في سورية، وإحلال مجموعات محل أخرى على أسس طائفية، خدمة لمشاريعهم التقسيمية الفئوية في بلادنا والمنطقة".
ويتناقل ناشطون معارضون تسريبات غير مؤكدة، عن تفاصيل ملحقة بالاتفاق، تفيد بتقاضي الفصائل الموقعة على الاتفاق عشرات ملايين الدولارات الأميركية، إضافة إلى مبالغ خاصة لقياداتها. وقالت مصادر معارضة في دمشق، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "اتفاق المدن الأربع سيمنح حزب الله اللبناني والنظام عدة مكاسب، أولها إكمال إفراغ ريف دمشق والعاصمة من المناهضين للنظام والرافضين لتسوية أوضاعهم، في حين أن من يبقى يرضخ على مضض، كما حصل في عدة مناطق في الغوطة الغربية"، لافتة إلى أن "هذا التهجير سيمنح حزب الله السيطرة على القلمون الغربي، الذي تتمركز فيه الأنفاق غير الشرعية المستخدمة لنقل الأسلحة إلى مواقعه في لبنان". وأضافت إن "هذا الاتفاق سيرفد الحزب والنظام، بنحو 4 إلى 5 آلاف مقاتل كانوا مفرغين لحصار مضايا وبقين والزبداني والمناطق المحيطة بها والطرقات المتفرعة منها، وعدة آلاف من المقاتلين القادمين من كفريا والفوعة، الذين كانوا محاصرين، إضافة إلى من سيجبرون على التجنيد الإجباري أو الخدمة الاحتياطية من أبناء المنطقة، في حين تم سحب ورقة تفاوض هامة من المعارضة، كان يمكن استخدامها لضمان ادخال المساعدات وإخراج الحالات الصحية من المناطق المحاصرة من قبل النظام وحلفائه". وتابعت "كما تخلص النظام من أحد أسوأ ملفات الانتهاكات الإنسانية، عقب حصار أكثر من 40 ألف مدني، تم جمعهم في مضايا وبقين منذ العام 2015، مارس خلالها سياسات التجويع الممنهج، إذ منع عنهم المواد الغذائية والطبية ومعالجة الحالات الصحية، ما تسبب بوفاة العشرات جوعاً ومرضاً".