إغلاق الحدود الباكستانية-الأفغانية: خلقُ صراع قبلي جديد

11 مارس 2017
اعتبر البعض إغلاق الحدود ضغطاً من باكستان (نافيد خان/الأناضول)
+ الخط -
قبل أسبوعين تقريباً ووسط موجة من أعمال العنف في باكستان، تمثّلت في عمليات انتحارية واغتيال موظفين في الحكومة ومسؤولين في الأمن والقضاء، قررت الحكومة الباكستانية إغلاق الحدود مع أفغانستان، بحجة أن حركة "طالبان باكستان" لها معاقل في الأراضي الأفغانية وأن أعمال العنف الأخيرة خُطط لها هناك. وبينما لم يتوقّع عامة الأفغان أن يستمر إغلاق الحدود طويلاً، فإن محللين وكبار المسؤولين فسروا خطوة إغلاق الحدود بتفسيرات مختلفة. إذ اعتبر البعض أن الحدود وملف اللاجئين أوراق في يد الحكومة الباكستانية تستخدمها لكي ترغم الحكومة الأفغانية على قبول مطالبها، فيما قال آخرون إن أعمال العنف الأخيرة في باكستان من صنع استخبارات البلاد نفسها. وفتحت باكستان المعبرين الحدوديين مع أفغانستان مؤقتاً يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين للسماح بعودة مواطنين يحملون تأشيرات سارية من البلدين إلى بلادهم. وأدى تدافع أكثر من 20 ألف أفغاني عبر المعبرين إلى مقتل رجلين وامرأة وطفل دهساً، وفق ما ذكره المتحدث باسم إقليم ننكرهار الحدودي عطاء الله خوجياني. من جهته، قال المسؤول الباكستاني نياز محمد في بلدة تورخام الحدودية إن 24 ألف أفغاني عادوا إلى بلادهم سيراً على الأقدام، مقابل 700 باكستاني عادوا لبلدهم قبل أن تُغلق الحدود مجدداً مساء الأربعاء.
في هذا الصدد، قال رئيس الاستخبارات الأفغانية السابق، الجنرال رحمت الله نبيل، إن ما يحدث في باكستان من صنع استخبارات باكستان، ولها أهداف كثيرة من بينها ضم المناطق القبلية إلى الأقاليم الباكستانية والقضاء على النظام القبلي. وأضاف نبيل أن السلطات الباكستانية تهدف أيضاً من وراء إغلاق الحدود للفصل بين أبناء قبائل واحدة.
ولم يمر أسبوع حتى أصدر المجلس الوزاري في باكستان قراراً بضم المناطق القبلية إلى إقليم خيبر بختونخوا شمال غرب باكستان، على أن يتم ذلك خلال خمسة أعوام. وأكد رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، خلال ترؤسه جلسة وزارية عُقدت بهذه المناسبة، أن حكومته مصممة على تطوير المناطق القبلية، وأن ضم تلك المناطق إلى أحد الأقاليم الباكستانية هو السبيل الوحيد للوصول إلى ذلك الهدف، مشيراً إلى أن كافة الدوائر الحكومية ستبدأ العمل لتنفيذ القرار وضم تلك المناطق إلى إقليم خيبر بختونخوا.

استياء في الداخل والخارج

على خلاف ما كانت تتوقعه الحكومة الباكستانية، أعربت القبائل عن استيائها الشديد إزاء قرار الحكومة، وأعلنت احتجاجاً وإضراباً في العاصمة الباكستانية إسلام أباد كي تثني الحكومة من قرارها. وتساءل الاجتماع القبلي الذي عُقد في مدينة بشاور: "كيف تقرر الحكومة الباكستانية التي تدعي أنها ديمقراطية وتؤمن برأي الشعب، في حق القبائل من دون الالتفات إلى رأيها؟"، مشيراً إلى أن الأمر غير مقبول بالنسبة للقبائل وهي ستتخذ قرارتها وفق رأي السكان، وأن كل الخيارات أمامها مفتوحة.
لم يتحدث الاجتماع القبلي عن مطالبها إزاء التغيير في النظام القبلي وإنما شدد على أن الأمر سيُترك لرأي القبائل، مطالباً الحكومة بإتاحة الفرصة للتصويت بهذا الشأن. كما أكد الزعيم القبلي ملك خان مرجان أنه سيذهب إلى المحكمة العليا نيابة عن الاجتماع القبلي ضد قرار باكستان.
وفي أفغانستان، أثار القرار حفيظة القبائل والحكومة والأوساط السياسية، إذ تم تفسير الخطوة على أنها محاولة للتفريق بين أبناء قبائل واحدة، وأن السلطات الباكستانية تحاول بذلك أن تمنح للخط الفاصل على الحدود (خط ديورند) حيثية قانونية، ولا سيما أن باكستان تعمل على إنشاء الخنادق ونصب الأسلاك الشائكة على الحدود لقطع الطريق على المسلحين، كما تقول إسلام أباد.
وشدد نائب وزير القبائل عبد الغفور ليوال، على أن التغيير في النظام القبلي الذي تعتزم الحكومة الباكستانية إجراءه غير مقبول، وأن أفغانستان لن تقبل ذلك، لافتاً إلى أن ذلك محاولة باكستان لمنح الخط الفاصل بين الدولتين الحيثية القانونية. ولكنه أصر على أن الخطوة لن تغيّر موقف أفغانستان إزاء "خط ديورند"، وهي لن تعترف به.
من جهته، قال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، في بيان له، إن "ما تفعله باكستان ليس إلا سعياً لإعطاء ديورند الحيثية القانونية، ولكن لتعلم إسلام أباد أن كابول لن تغيّر موقفها إزاء ذلك الخط". واعتبر كرزاي أن إسلام أباد تستخدم الحدود الباكستانية الأفغانية لأجل سياساتها في المنطقة، فيما قبائل الطرفين تدفع الثمن.

القبائل وجهاً لوجه
على الرغم من رفض بعض القبائل قرار باكستان الأخير، إلا أن التطورات على الحدود ألقت إلى حد ما بظلالها القاتمة على العلاقات الأخوية بين قبائل الطرفين التي ظلت متماسكة على مدى قرون، إذ بات كل طرف يندد بالثاني ويهدد بالمشاركة في القتال ضده. في أفغانستان جابت تظاهرات حاشدة أقاليم مختلفة من البلاد، شارك فيها آلاف القبليين وأبدوا استعدادهم للمشاركة في القتال ضد باكستان، التي سمتها القبائل بالعدو اللدود الذي لم يألُ جهداً في إرباك أمن أفغانستان، كما قال الزعيم القبلي خان كل وزير. واعتبر وزير أن "باكستان لن تتحمل أفغانستان المستقرة"، وأن "قبائل المنطقة هي الضحية، لذا نحن مستعدون للدفاع عن أراضينا ومواجهة أي تهديد مع القوات المسلحة الأفغانية".


ولم يكن غريباً أن تخرج قبائل أفغانستان (البشتون) في تظاهرات منددة بباكستان ومؤيدة للحكومة الأفغانية، ولكن الغريب كان خروج قبائل باكستان (البشتون) ضد أفغانستان، وذلك بحكم التطورات الأخيرة. إذ خرج بعض أبناء القبائل ليبدوا استعدادهم للوقوف مع القوات الباكستانية ضد أفغانستان. هذا الأمر، وإن كان عدد هؤلاء ضئيلاً، إلا أنه يثير مخاوف من زرع بذور العداء بين أبناء قبائل واحدة أفشل تماسكها الكثير من المخططات إزاء المنطقة.
وكان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قد خلق جزءاً من هذا العداء، إذ عمد شبان من قبائل باكستانية تحت غطاء التنظيم على قتل أبناء قبائل أفغانية وحرق منازلهم ونهب أموالهم على مدى الأشهر الماضية. حينها فسر البعض هذا الأمر بأنه يتم من قِبل استخبارات المنطقة لخلق العداء بين القبائل، وقد حدث ذلك فعلاً مع ظهور عداء بين قبائل أفغانية، وقبائل أوكرزاي وأفريدي الباكستانية، التي ينحدر منها معظم مقاتلي "داعش.
في خضم كل تلك التطورات، تتواصل التوترات على الحدود فيما الحدود مغلقة. وتقول أفغانستان إن عشرات الصواريخ تسقط يومياً على المناطق المختلفة في شرق وجنوب البلاد. كما أفادت مصادر قبلية في إقليم كنر شرق البلاد في السادس من الشهر الحالي بأن مروحيات باكستانية نفذت غارات جوية على المنازل القبلية في مديرية سركانو الحدودية مع باكستان وخلفت أضراراً مادية. في المقابل أعلنت باكستان في اليوم نفسه مقتل خمسة من جنودها إثر هجمات مئات المسلحين على ثكنات عسكرية في مقاطعة مهمند القبلية المحاذية للحدود الأفغانية. ودعا قائد الجيش الجنرال قمر باجوه الحكومة الأفغانية إلى اتخاذ خطوات على الحدود لقطع الطريق على المسلحين. كما استدعت الخارجية الباكستانية نائب السفير الأفغاني عبد الناصر للاحتجاج على الهجمات الحدودية.

الهند حاضرة

وسط التهديدات والتوترات الأمنية على الحدود بين باكستان وأفغانستان، لم تغب الهند عن الساحة، إذ قالت الحكومة الباكستانية عبر أكثر من مسؤول إن للهند نشاطاً على الحدود، وهي تساعد المسلحين الموجودين في أفغانستان. كذلك اعتبر وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف، أثناء تقديم إيجاز أمام جلسة البرلمان في السادس من الشهر الحالي، أن الهند وأفغانستان تعملان معاً لأجل إرباك الأمن في باكستان.
في المقابل، قالت أفغانستان إن باكستان والجماعات المسلحة التي تمولها تشكّل خطراً على أمن المنطقة بأسرها وليس على أفغانستان وحدها. واعتبر مستشار الرئيس الأفغاني للأمن القومي، حنيف أتمر، أثناء زيارة إلى الهند، أن "باكستان تدعم الإرهاب" وأن الجماعات المسلحة الموجودة في باكستان والمؤيدة من قبل إسلام أباد خطر على أمن المنطقة، مشدداً على أن كابول ونيودلهي تعملان معاً لأجل إحلال الأمن في المنطقة وفي أفغانستان.