4 أشهر من تعطيل تأليف حكومة مغربية... والأفق مسدود

10 فبراير 2017
تتصاعد الاحتجاجات والتكلفة السياسية والبلاد بلا حكومة (جلال مرشيدي/الأناضول)
+ الخط -
تدخل مشاورات تشكيل الحكومة المغربية اليوم الجمعة شهرها الخامس من دون أن يستطيع رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول، الوصول إلى تشكيل فريق عمله، إذ لا يوجد إلى جانب حزبه "العدالة والتنمية" حتى الآن سوى حزب "التقدّم والاشتراكية" الذي يمتلك 12 مقعداً نيابياً فقط. ويعتقد طيف واسع من الشارع المغربي أن التعطيل متعمّد من قبل الأطراف التي ترفض نتيجة الانتخابات الماضية، والتي أعطت حزب بنكيران غالبية برلمانية مريحة بلغت 125 مقعداً نيابياً من أصل 395 هو العدد الكلي لمقاعد مجلس النواب، فيما يحتاج بنكيران إلى تأمين دعم 198 نائباً لحكومته على الأقل ليحصل على أغلبية نيابية. وليس سراً أن معظم هذه الأطراف الرافضة لفوز حزب "العدالة والتنمية"، محسوبة مباشرة أو غير مباشرة على القصر الملكي. ومرت مفاوضات تشكيل الحكومة في مراحل ومطبات عدة، بدأت بتأكيد حزبي "الاستقلال" (46 مقعداً نيابياً) و"التقدّم والاشتراكية" المشاركة في الحكومة، بينما تأخر حزب "الأحرار" (37 مقعداً) في الرد إلى أن تم انتخاب زعيم جديد له هو عزيز أخنوش، وكذلك ترددت أحزاب "الاتحاد الاشتراكي" و"الحركة الشعبية" (27 مقعداً) و"الاتحاد الدستوري" (19 مقعداً) في حسم موقفها من المشاركة.
وظهر الخلاف الأول في تشكيل الحكومة المغربية من خلال "اشتراط" أخنوش على بنكيران في لقاءاتهما القليلة استبعاد حزب "الاستقلال" بحجة ضمان وجود انسجام بين مكوّنات الحكومة، في إشارة إلى موقف هذا الحزب في النسخة الأولى من الحكومة عندما انسحب وترك الوضع السياسي مفتوحاً على كل الاحتمالات، قبل أن يستنجد بنكيران بحزب "الأحرار" ليعوض "الاستقلال".

ومرت الأسابيع ومفاوضات الحكومة تسير على إيقاع الانسداد بسبب شرط أخنوش للموافقة على دخول الحكومة، بينما الأحزاب الأخرى خصوصاً "الاتحاد الاشتراكي" و"الحركة الشعبية" رهنت موقفها بموقف "الأحرار"، وهو ما دفع بنكيران إلى التمسك بدوره بحزب "الاستقلال".

وجاءت تصريحات الأمين العام لحزب "الاستقلال" حميد شباط، لتشكّل مفصلاً هاماً في مسار تشكيل الحكومة الجديدة، عندما قال في لقاء حزبي إن موريتانيا تاريخياً هي أرض مغربية، ليجد نفسه أمام فوهة بركان سياسي، ويتدخّل العاهل المغربي محمد السادس ويتصل بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ليشرح له موقف المملكة الرسمي. تصريحات شباط دفعت أخنوش إلى التمسك أكثر بموقف انسحاب "الاستقلال" من الحكومة، باعتبار أن الأخيرة لا يمكن أن تضم حزباً يشكّل خطراً بمواقفه على علاقات المغرب مع جيرانه، وهو ما قبِل به بنكيران مرغماً، إذ سارع إلى إعلان ضمني بخروج "الاستقلال" من حساباته.

وبعد أن اعتقد كثيرون أن تشكيل الحكومة صار مسألة وقت فقط بعد "قبول" رئيس الحكومة المكلف بخروج "الاستقلال"، ظهر مانع آخر تمثّل في تكتل أربعة أحزاب يقودها حزب "الأحرار" وزعيمه أخنوش، إذ طالب بدخول حزب "الاتحاد الاشتراكي" إلى الحكومة برفقة "الاتحاد الدستوري"، وهو الشرط الذي رفضه بنكيران ببلاغه الشهير "انتهى الكلام".
وعرف مسار تشكيل الحكومة المغربية منعطفاً آخر تمثل في انعقاد مجلس الوزراء في شهر يناير/كانون الثاني الماضي برئاسة الملك محمد السادس، والذي انتهى إلى ضرورة أن يصادق مجلس النواب على قوانين عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، وهو ما اضطرت معه الأحزاب إلى انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب على الرغم من عدم تشكيل الحكومة، فتم انتخاب الحبيب المالكي مرشح حزب "الاتحاد الاشتراكي" ليضغط هذا الأخير في اتجاه مشاركته في الحكومة، باعتبار أن رئيس مجلس النواب يكون عادة من الأغلبية الحكومية.


ويعلّق زعيم حزب "التقدّم والاشتراكية" محمد نبيل بنعبد الله، على هذا المسار المضني والطويل في تشكيل الحكومة، بالقول في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن "مختلف الفرقاء مطالبون بعدم اللجوء إلى التكتلات الحزبية التي لن توصل إلى أي نتيجة مرضية ينتظرها المغاربة جميعاً". ويشير إلى أن "ما يهم المواطن المغربي هو أن تتشكل الحكومة في أسرع وقت، من دون التوقف طويلاً عند الأسباب والمسببات، وذلك لأنه يرغب في أن تباشر الحكومة الجديدة الملفات التي تمس حياته من اقتصاد وتعليم وصحة وعمل وثقافة وحرية ومساواة".

وأصدر الحزب ذاته في هذا الصدد بياناً قال فيه إن تشكيل الحكومة يجب أن يكون بعيداً عن أي نزعة تكتلية عقيمة أو عن أي مقاربة منغلقة مرتبطة بمكوناتها، وبما يضمن ممارسة رئيس الحكومة المكلف لكامل صلاحياته ومهامه الدستورية، وعلى أساس هيكل حكومي ناجع، وبرنامج حكومي يكون عنوانه الأساس مواصلة مسار الإصلاح. أما حزب "الأصالة والمعاصرة" (المعارض) فسبق له أن أعرب عن قلقه البالغ إزاء تعثر تشكيل الحكومة الجديدة طيلة أشهر، معتبراً أن حالة الانسداد الطويلة هذه لها "انعكاسات سياسية، واقتصادية، واجتماعية سلبية جداً على تطلعات الشعب المغربي، وعلى السياق الدستوري".

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش، عبد الرحيم العلام، أنه "لا توجد أي مؤشرات على قرب حلحلة مشكلة تشكيل الحكومة، فكل طرف يتشبث بمواقفه ويصر على تشكيل الحكومة وفق منظوره، والرئيس المكلف لا يحظى بأغلبية تمكّنه من تشكيل حكومته، في الوقت الذي تتمسك فيه أربعة أحزاب بشرط الدخول مجتمعة إلى الحكومة". ويعتبر العلام، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن مهمة بنكيران صعبة ومعقّدة، فلا هو موافق على إدخال أحزاب لا يريدها معه، ولا هو قادر على إيجاد أغلبية، كما ليس في إمكانه الإعلان عن حكومة أقلية، لأن الدستور لا يسمح بذلك"، مضيفاً أن "الأمر أمام سيناريوهات محدودة".
ويلخص هذه السيناريوهات، باستمرار الوضع الحالي وهو أمر غير ممكن، أو قبول بنكيران بالأمر الواقع وإدخال أحزاب لا يريدها معه في الحكومة، أو منح الرئيس المكلف أغلبية برلمانية تساعده على تشكيل الحكومة، مع الإبقاء على أحزاب "الاتحاد الاشتراكي" و"الاتحاد الدستوري" و"الاستقلال" في المساندة النقدية، لافتاً إلى أن الحزبين الأولين يساندان أخنوش، والثالث يساند بنكيران، بما يعني أن المغرب قد يدخل في "الثنائية الحكومية" مقابل الثنائية الحزبية المعمول بها في دول أخرى.

وحول التكلفة السياسية لهذا التأخر في تشكيل الحكومة الجديدة، يقول العلام إن التكلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية باهظة، في ظل حالة الاستثناء غير المعلنة؛ فالميزانية تُصرف من دون رقيب ولا حسيب، والبرلمان مقبل على ختم الدورة الخريفية بحصيلة بيضاء. ويشير إلى أن "سوق العمل متوقف، بل إن ما يقارب 40 ألف وظيفة فُقدت عام 2016، والاحتجاجات الشعبية في تصاعد، كما أن ما يحدث من شأنه أن يحبط الناس ويبعدهم عن المشاركة في الحياة السياسية من الواجهة الحزبية، والبحث عن سبل أخرى للاهتمام بالشأن العام أو تصريف انفعالاتهم داخل أطر أخرى بعضها غير قانوني وغير سلمي".

المساهمون