على نقيض كامل من مصادقة برلمانها اليميني المتطرف على مشروع قانون التسوية، أو ما يعرف بـ"تبييض المستوطنات"، صعدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من حملتها ضد المقدسيين، في غضون الأيام القليلة الماضية، من هدم لمنازلهم، وتجريد مزيد من العائلات من حقوق الإقامة، وإصدار محاكمها المختلفة أحكاماً جائرة على فتية وأطفال اتهموا بمقاومة الاحتلال.
وفي أقل من أربع وعشرين ساعة، هدمت بلدية الاحتلال في القدس، وهي واحدة من الأذرع التنفيذية للاحتلال، بنايتين سكنيتين قيد الإنشاء في حي بيت حنينا شمالي القدس المحتلة، تتاخم إحداهما المنطقة الصناعية الإسرائيلية المسماة "عطروت"، وتجاور مشروعاً تجارياً ضخماً يبنيه ويؤسس له رجل الأعمال الإسرائيلي الشهير، رامي ليفي، الذي أثار دعمه للجندي قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف من الخليل غضب الفلسطينيين، وطالبوا بمقاطعة سلسلة محلاته التجارية المنتشرة في محيط القدس والضفة الغربية. أما البناية الثانية، والتي هدمت أمس الأربعاء، فتقع في منطقة تل الفول من أراضي بيت حنينا، وتطل على مستوطنة "بسغات زئيف" التي تشهد ورشة بناء ضخمة لمئات الوحدات الاستيطانية الجديدة. ويقول مالكو البناية التي هدمت قرب "عطروت"، ومنهم مالك إحدى الشقق فيها، ساري عنبتاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "جرافات الاحتلال سارعت على الفور لهدم البناية، المكونة من أربعة طوابق، وتشتمل على 12 شقة سكنية، برغم استصدارهم أمراً مؤقتاً بمنع الهدم من قبل محكمة إسرائيلية، كانت اشترطت عليهم دفع مبلغ 50 ألف شيقل (عملة إسرائيلية) وإيداعها في البنك إلى حين اتخاذ قرار نهائي. لكنهم صدموا حين امتنع البنك عن إيداع المبلغ، ما وفر ذريعة لبلدية الاحتلال لتنفيذ عملية الهدم".
وهدمت بلدية الاحتلال أمس بناية أخرى قيد الإنشاء، كان شُرع ببنائها قبل 15 عاماً، قبل أن يصدر قرار بتجميد عملية الهدم وفرض غرامات مالية طائلة على أصحابها، مستغلة غياب أصحاب المبنى عنه، وعدم إخطارهم مسبقاً بذلك. ووصف سكان تل الفول ما جرى بأنه يشابه تماماً عمليات الهدم في أم الحيران في النقب، من حيث تعامل طواقم الهدم والجنود مع المواطنين الذين حاولوا الوصول إلى منطقة الهدم من دون جدوى. وهو ما حدث بالأمس حين هدمت البناية الأولى قرب "عطروت". ويعود المبنى، الذي هدم أمس في تل الفول، للمواطن المقدسي أيمن أبو ارميلة، وهو مكون من 3 طوابق (الأرضي مواقف ومخازن وملاجئ، والطابق الأول يضم 3 شقق سكنية مبنية، أما الطابق الثاني فهو أساسات لا تزال قيد الإنشاء)، وفقاً لما أفاد به مالكه، الذي أشار إلى أن عملية الهدم، تمت من دون سابق إنذار، ومنعته قوات الاحتلال من الوصول إلى منزله الذي حوصر بأعداد كبيرة من الجنود. ووفقاً للمواطن المقدسي أبو أرميلة، فقد فرضت بلدية الاحتلال عليه مخالفة بناء بقيمة 850 ألف شيقل بحجة "مخالفة ترخيص بناء البناية" بزيادة المساحة المخصصة. وقد حاول تعديل المساحة، وأوقف عملية البناء منذ سنوات في محاولة لترخيصها، كما اعتقل لمدة عام لعدم تمكنه من دفع مخالفة البناء.
ووفقاً لمركز معلومات وادي حلوة، المختص بالشأن المقدسي، فقد هدمت جرافات الاحتلال خلال يناير/كانون الثاني الماضي، 19 منشأة في مدينة القدس، 9 منها هدم ذاتياً (بقرار من بلدية الاحتلال في القدس، بعد تهديد أصحابها بفرض غرامات مالية عالية عليهم). أما المنشآت التي هدمت فهي 4 منازل سكنية، 8 منشآت تجارية، 6 بركسات مواشٍ، ومخزن، علماً أن المنشآت التجارية والحيوانية شملت عدة "كونتيرات وبركسات"، فيما توزعت تلك المنشآت جغرافياً: 13 في جبل المكبر، و2 في شعفاط، وواحد في العيسوية، وواحد في بيت حنينا، و2 في سلوان. وشردت بلدية الاحتلال، بسبب عمليات الهدم، 23 فلسطينياً، بينهم 8 قاصرين، في حين ترفع عمليات الهدم الأخيرة في القدس خلال فبراير/شباط الحالي إلى نحو 40 مسكناً ومنشأة، باحتساب عدد الشقق السكنية الـ 12 التي هدمت بالأمس، بالإضافة إلى أربع شقق في المبنى الذي هدم أمس.
وفي موازاة ما ينفذ من عمليات هدم، كانت طواقم بلدية الاحتلال سلمت منذ مطلع العام الحالي وحتى أمس أكثر من 70 إخطاراً بالهدم لمنازل مواطنين في أحياء القدس، فيما يصف المقدسيون عمليات الهدم والإخطارات بالهدم بعمليات تطهير عرقي صامت، واقتلاع من مساكنهم وأماكن إيوائهم، بما يشمل عدداً من التجمعات البدوية شرق القدس خارج حدود بلدية الاحتلال المصطنعة، خصوصاً في تجمع جبل البابا على أراضي العيزرية، وعلى امتداد الخان الأحمر، وفقا لما يقوله حاتم عبد القادر، مسؤول ملف القدس في حركة "فتح"، عضو مجلسها الثوري، لـ"العربي الجديد"، والذي طالب القيادة الفلسطينية باتخاذ قرارات حاسمة وتاريخية تنهي الارتباط بالاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال. أما المتحدث باسم تجمع جيل البابا، عطا الله الجهالين، فيعتبر أن حملة التطهير، التي تنفذها قوات الاحتلال ضد التجمعات البدوية في محيط القدس، امتداد لحملة التطهير ضد أم الحيران البدوية في النقب، وما جرى هناك الشهر الماضي يحدث كل يوم في القدس. وأكد الجهالين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن البدو سيقاومون هذه السياسة الاحتلالية التي تمكن المستوطنين في أراضيهم، وتمنحهم وحدهم حق التوسع وسلب ما تبقى من أراضيهم، سواء هنا في القدس أو في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.