العراق في الأجندة الأميركية: ماذا بعد الموصل؟

01 مارس 2017
ماتيس معروف بتوجسه من نوايا إيران(طوماس واتكنز/فرانس برس)
+ الخط -
مع رفع البنتاغون خطته الشاملة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ودخول معركة تحرير الموصل من التنظيم مرحلة متقدّمة، عاد العراق بعد غياب طويل إلى شاشة رادار الاهتمامات في واشنطن. صدور الخطة ضمن مهلة الشهر التي حددها الرئيس الأميركي (طلب ترامب من وزارة الدفاع إعدادها في 28 يناير/كانون الثاني الماضي)، جعلها تبدو وكأنها تتسم بطابع العجلة، لكنها في الواقع غير ذلك، فهي ما زالت مشروع خطة قابلة للتعديل، بانتظار ما تنتهي إليه المواجهة في الموصل وبعدها في الرقة والتي توقعت القيادة الأميركية في العراق حسمها على الجبهتين في غضون ستة أشهر.
ولذلك يبقى التركيز الآن على الموصل التي تكاد تجمع سائر التقديرات الأميركية بأنها باتت مسألة وقت لا أكثر، من دون استسهال حسمها. وفي هذا السياق بدأ السؤال المؤجل حول مرحلة ما بعد استرداد الموصل، يدق الأبواب في واشنطن. المشاركة الأميركية الفارقة في العملية وزيارة وزير الدفاع جيمس ماتيس أخيراً إلى بغداد، ساهمت في دفع هذا السؤال إلى الواجهة، وهو الأمر الذي استحضر السيناريوهات الصعبة التي أعفت واشنطن نفسها من التصدي لها حتى الآن. يوم أعطت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الضوء الأخضر لبدء المعركة في الخريف الماضي، حصرت تركيزها بالجانب العسكري. لم تنشغل بحسابات ما بعد المعركة، على اعتبار أن هذا الأمر متروك بحكم عامل الزمن للإدارة اللاحقة. كما أن إدارة ترامب اكتفت حتى الآن بمتابعة المشهد العسكري في الموصل، ولم يصدر عنها شيء حول ما بعد الموصل سوى إشارة من ماتيس خلال زيارته الأسبوع الماضي إلى العراق إلى أن الولايات المتحدة "في تصوري باقية في هذا القتال إلى حين، ونحن سنقف معاً" في هذه المواجهة، كما قال.



ملاحظته الشخصية بدت ضبابية ومتحفظة. تتعلق بالشق العسكري ضد "داعش" أكثر مما هي تعبير عن التزام إدارة ترامب بعراق ما بعد المعركة. فالوزير الأميركي يعرف أن ترامب ليس معنياً بشأن العراق إلا بقدر ما يتعلق الأمر بمطاردة "داعش" في ساحته. ما بعد هذه المهمة، العراق في قاموس الرئيس الأميركي ليس سوى بئر نفط "كان ينبغي الاستيلاء عليها"، حسب ما قال أثناء الحملة الانتخابية وأعاد تكراره بعد انتخابه؛ فضلاً عن أنه ضمّه إلى لائحة الدول السبع التي ما زال يزمع منع مواطنيها من دخول الولايات المتحدة.

لكن مثل هذا التبسيط الاستفزازي أثار الكثير من التأفف والدهشة حتى داخل الإدارة، خصوصاً من جانب الذين ينظرون بارتياب كبير إلى إيران ودورها وتطلعاتها في المنطقة، وتحديداً في العراق. ويأتي على رأس هؤلاء ماتيس المعروف بتوجسه الدائم من نوايا طهران. التعامل مع العراق بهذا الشكل، يعزز وضع إيران فيه ويدفع بغداد إلى الارتماء بأحضان جارتها أكثر فأكثر. وربما كان أحد أهداف زيارة ماتيس إلى بغداد العمل على إحباط مثل هذا الاحتمال من خلال تطمين القيادة العراقية بأن الرحيل الأميركي عام 2011 لن يتكرر.
لكن مثل هذا التطمين يرى مراقبون أنه ليس بالأمر السهل بعد الذي سمعته بغداد من ترامب والذي لا بدّ أن توظفه طهران لزيادة ضغوطها وبالتالي هيمنتها على الحكومة العراقية في ترتيب الأوضاع بعد الموصل، خصوصاً أن إيران شاركت بشكل أو بآخر في معركة هذه الأخيرة من غير ممانعة أميركية. والخشية في هذه الحالة من أن يؤدي ذلك إلى إشعال الفتيل المذهبي مرة أخرى وبما يؤدي إلى تفريخ قوى متطرفة من جديد. في بعض القراءات أن الوزير ماتيس "أسقط هذا الاحتمال" خلال زيارته إلى بغداد، بإشارته إلى البقاء لمدة غير قصيرة في العراق. لكنه بقاء غير مضمون لأن ترامب قد لا يذهب إلى أبعد مما ذهب إليه أوباما في التعامل مع إيران بالعراق.