جنيف 4... "حروب" الصحافيين خلف خطوط التفاوض

25 فبراير 2017
الصحافيون في مؤتمر جنيف4 (العربي الجديد)
+ الخط -

خلف كاميرات وكواليس مؤتمر جنيف 4 حول سورية، دارت "حروب صغيرة". حروب أبطالها جيش من الصحافيين والصحافيات، متعددي الجنسيات، وإن شكّل العرب منهم الغالبية العظمى. تفاجأ البعض برؤية أشخاص واقفين بقربهم، ومظهرهم غربي، وفجأة بدأوا بالتذمّر باللغة العربية، إذ بدا أن مؤسساتهم الإعلامية اختارت انتداب من يجيد لغة "أهل التفاوض" من السوريين. وفي مقابل ذلك، فإن صرامة رجال الأمن يوم الأربعاء، عشية افتتاح المؤتمر، لإبقاء الصحافيين بعيداً عن وفد ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، لم ينجح كثيراً، إذ كسر الصحافيون الحاجز في محيط فندق "كراون بلازا" (مقر إقامة الوفد السوري المعارض)، المحاط بشرطة سويسرية مسلحة، وأحدهم إعلامي من جنين الفلسطينية، اعتاد على المراسلة من أفغانستان وباكستان، فقال ممازحاً "اخترقت الخطوط واستطعت شراء فنجان قهوة".

سرق صحافي على غفلة، صورة فوتوغرافية. رصدها أحدهم، فلهث مسرعاً نحو "الدكتور أسامة"، الذي بدا عليه أنه يعيش في الخارج، قبل التوجّه للصحافي بالقول بلهجة سورية شامية عتيقة: "معلم ممنوع التصوير هون". مرّ الوقت بطيئاً على تطفّل الصحافيين، خلف الكاميرا، وخلف الخطوط الصفراء وخلف السياج الحديدي، الذي اتسع كلما زاد الحشد. حاول البعض أخذ ولو شيئاً بسيطاً من ممثلي "الجناح العسكري" من الوفد المعارض، لكنهما بدوا الأكثر تكتماً من زملائهم "المدنيين". انشغل الحشد الإعلامي بالحديث عن "الغلاء الفاحش في سويسرا، فهذا بلد نكبة مالية"، على حد تعبير صحافي شاب. وطاول الحديث "التحليل السياسي" عن يوم الخميس الماضي، يوم انطلاق التفاوض رسمياً. وفي ساعات الانتظار، برزت التحليلات السياسية على شاكلة: "يا خيي بعد بكير... أخدت منا سنين لوقفت الحرب عنا"، قالها صحافي لبناني شاب مرهق، بينما اختار مراسل مصري التحدث لقناة غير عربية بعيداً عن مصر.

في مبنى الأمم المتحدة
وقف بعض الإعلاميين من أصحاب الخبرة، لطبيعة عملهم في محطات سابقة كنيويورك، ومعهم البعض الآخر ممّن انتظر جديداً لوقتٍ طويل. التفتيش الأمني في مقر الأمم المتحدة في جنيف جعلنا نظنّ أننا داخلون إلى مطار أو ثكنة عسكرية. عموماً عمّ الارتياح بعد انتظار طويل للحصول على بطاقة الصحافة، لكن من دون ابتسامة للكاميرا التي التقطت صور الصحافيين. الهرولة من مبنى إلى آخر، لالتقاط صورة أو خبر، أو سماع أن شخصية ما وصلت، هي التي طغت على يوم الخميس. فالمنافسة على أشدها، ومع ذلك، ظهرت بعض الدماثة وبعض "اللؤم" والاقتناص. في القاعة المخصصة للمؤتمرات الصحافية في المقر، لم نسمع سوى التبرم والانزعاج من الصحافيين، خصوصاً بعد تأجيل الجلسة الافتتاحية من الثالثة إلى السادسة بالتوقيت المحلي، ونال المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا نصيبه من التعليقات غير اللطيفة غالباً. وبين الوفود الإعلامية، ظلّ لقناة "الجزيرة" القطرية النصيب الأكبر من المقاعد، وانتشر تعبير "جيش الجزيرة" الموزعين داخل قاعة الافتتاح وخارجها للبث المباشر، بين الجميع.



"صحافة" النظام السوري
أما اللافت فكان إطلاق أحد الصحافيين تسمية "صحافة النظام السوري"، ليقاطعه آخر: "التسمية الرسمية الحكومة السورية". الصحافي الأول لم يأبه، على وقع دخول صحافيين أُشيع بأنهم وصلوا مع وفد النظام على نفس الطائرة، وهم مراسلون لقنوات حتى غير سورية. امتقع وجه بعضهم حين يجد نفسه في مواجهة مع وجوه من "قنوات سفك الدم السوري والمؤامرة الكونية". في المقابل، كان آخرون يسيرون في الممر الفاصل بين القاعة وكافيتريا الصحافيين حين قال زميل: "أرأيت هؤلاء متجمّعين في زاوية واحدة؟"، مشيراً إلى أحد الموجودين الذي علّق بصوتٍ عالٍ: "لولا الجيش السوري وحزب الله لسقطت موسكو". الغريب بأن الإعلاميين الموالين للنظام لم يحضروا إلى قاعة الصحافيين، وقيل إنهم في مكتب ممثلية سورية داخل المبنى. في قاعة الصحافة بدأ "الجَلد" بحق دي ميستورا، أثناء إلقاء كلمة الافتتاح للترحيب بالوفدين. وكلما ذكر القرار رقم 2254، سمعت تعليقا ساخراً. وحين قال إن "مصافحات جرت" ردّ البعض: "هذا الرجل لا يفهم عمّا يتحدث". استمرت المماحكات الصحافية حتى ساعات متأخرة من ليل الخميس، لكن يمان، المراسل السوري، ظلّ غاضباً لأنه لم يُمنح الفرصة لطرح سؤال على دي مستورا، إذ كانت الأولوية برأي البعض لأسئلة قنوات وصحافيين غير سوريين. لم تتمّ في الإجمال الإجابة عن أسئلة الصحافيين حول غياب الوضوح في أجندات ما يجري، فسخر أحدهم: "الساعة السويسرية مضروبة". بينما ظل آخر يتحسر قائلاً "انظر إلى الناس، يجلسون على المقاهي ويحتسون مشروبهم وطعامهم بينما نحن قابعون هناك".

المساهمون